تعاني النساء في المغرب من تداعيات التغيرات المناخية، فبعضهن يجدن صعوبة في الحصول على الماء الصالح للشرب، بينما تنزح أخريات للعمل في خدمة البيوت أو يجبرن على الزواج في سن مبكرة. لكن على الرغم من كفاحهن لمواجهة أزمة المناخ، فهن في نظر البعض السبب الرئيس في ما يسمى بـ"العقاب الإلهي".
نساء زاكورة وندرة الماء
في مدينة زاكورة وضواحيها جنوب المغرب، ينزح الرجال للبحث عن فرص العمل في المدن الكبرى بالمغرب بسبب الجفاف والتصحر، بينما النساء والفتيات يبقين في القرية، ويقاومن درجة الحرارة وندرة المياه. وكانت النساء قد شاركن إلى جانب شباب المنطقة في احتجاجات عام 2017، للمطالبة بحقهم في الاستفادة من الماء الصالح للشرب. وتُعدّ نساء المنطقة متضررات من ندرة المياه، لأنهن يتكفلن بعملية جلب الماء من الآبار والانتظار لساعات طويلة، بينما تتزايد معاناتهن خصوصاً في فصل الصيف.
لا تملك نساء منطقة زاكورة مشاريع فلاحية ضخمة، ولا يتحملن مسؤولية استنزاف الفرشاة المائية (مجموع المخزون المائي الجوفي)، فغالبيتهن ربات بيوت.
وبحسب جمعية أصدقاء البيئة في مدينة زاكورة، فإنه في الوقت الذي يعاني أهالي المنطقة من قلة التساقطات المطرية، تنتشر زراعة بطيخ أحمر طازج وحلو، تتطلب عملية زرعه كميات كبيرة من المياه.
وكانت جمعية أصدقاء البيئة في زاكورة أصدرت بيانات تطالب فيها السلطات المغربية بمنع وتقنين زراعة البطيخ الأحمر، لوضع حد لمعاناة السكان مع قلة الماء.
وبحسب دراسة أنجزها الباحثان ابراهيم منصوري والحسین بوزيل، فإن ارتفاع الطلب على البطيخ الأحمر، دفع المستثمرين إلى التوجه نحو المناطق الصحراوية الجنوبية القاحلة بالمغرب، لزرع هذه الفاكهة وعرضها في السوق المغربية والأوروبية. ولهذا السبب، بحسب الباحثين، أصبحت زاكورة "قبلة للمستثمرين"، وأشارا إلى أن منتوجها من البطيخ يتميز بمذاق حلو ومطلوب في الأسواق الأوروبية.
ولم تستفِد نساء زاكورة من هذه الاستثمارات الفلاحية، لكنهن يدفعن كلفة استنزاف الفرشاة المائية وقلة المياه الصالحة للشرب، فالمذاق الحلو للبطيخ من نصيب المستهلكين والأرباح يحصل عليها المستثمرون.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التغيرات المناخية وفقر النساء
في منطقة الرحامنة جنوب المغرب، المعروفة أيضاً بالجفاف وقلة التساقطات المطرية بسبب التغيرات المناخية، اضطرت خديجة عبد الله (30 سنة) إلى النزوح وشقيقاتها الثلاث للعمل في خدمة البيوت في مدينة الدار البيضاء. وتقول خديجة في هذا الصدد، "الفلاحة لم تعُد تؤمن لنا مورد الرزق، لذلك أرسلنا والدنا ونحن في سن الـ16 إلى مدينة الدار البيضاء للخدمة في البيوت".
بالنسبة إلى خديجة، فإن "الفتيات في القرية مضطرات إلى العمل في البيوت أو الزواج في سن مبكرة، لأنه ليس لديهن مورد رزق آخر"، مشيرة إلى أن "العمل في خدمة البيوت يجعل النساء عرضة للعنف والاستغلال".
وتسهم التغيرات المناخية في الهشاشة الاجتماعية لعدد كبير من العائلات المغربية التي تعيش في القرى والجبال. وبحسب دراسة تشخيصية أعدتها النيابة العامة بالمغرب، فإن عدد زواج القاصرات يرتفع باستمرار، مشيرة إلى أن "الأوساط الاجتماعية التي تعاني من الهشاشة هي الأكثر إنتاجاً لزواج القاصرات، إضافة إلى الأعراف والتقاليد والتأويل الخاطئ للدين".
العنف ضد النساء
وتوصلت دراسة أجراها باحثون بقيادة كيم فان دالين، الباحث في الصحة العامة العالمية في جامعة كامبريدج، إلى أن الكوارث البيئية، مثل الجفاف والأعاصير والفيضانات، تسهم في العنف الجسدي والجنسي ضد النساء والأقليات.
ونشرت الدارسة أخيراً في مجلة "لانست بلانيتيري هيلث" (Lancet Planetary Health)، التي تناولت الروابط بين العنف القائم على النوع الاجتماعي وتغيّر المناخ. وتؤدي موجات الحر والعواصف الشديدة والجفاف والفيضانات، التي تزداد حدتها بسبب تغيّر المناخ، إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتسهم غالباً في تكريس سلوك عنيف ضد النساء، من قبيل الاعتداءات الجسدية والجنسية والزواج القسري والاتجار بالبشر والإيذاء النفسي، بحسب الدراسة.
إبحث عن المرأة
لا تتحمل النساء في المغرب تداعيات التغيرات المناخية أكثر من الرجال فقط، بل إنهن متهمات في نظر بعض فئات المجتمع المتطرفة، بأنهن السبب في قلة الماء والحرائق والفيضانات الناجمة عن التغيرات المناخية.
وقال الباحث في مجال التاريخ يوسف المساتي إن "سبب تحميل النساء المغربيات مسؤولية وقوع الكوارث البيئية في المغرب والجفاف، يكمن في عجز بعض الأفراد عن فهم الظواهر الطبيعية"، مضيفاً أن "هناك عدداً كبيراً من الأفراد يرون أن النساء هن السبب في ذلك، لأنهم يربطون قلة تساقطات الأمطار والجفاف بالمعصية، عوضاً عن تفسير الظواهر العلمية بشكل عقلاني".
وأوضح المساتي أن "التفسير الديني بالنسبة إليهم سهل، فهم يعتبرون أن التغيرات المناخية هي عبارة عن عقاب إلهي، والمرأة بالنسبة إليهم هي السبب في كل ذلك".
ولماذا تتهم النساء في المغرب بأنهن سبب هذه التغيرات المناخية، يجيب الباحث في التاريخ، "لطالما سمعنا من هذه الفئة أن خروج المرأة إلى الشارع وملابسها سبّبا في الجفاف والحرائق والفيضانات، وهذا التفسير الشائع في المجتمع المغربي، يحاول أن يربط بين المقدس والطبيعي من أجل السيطرة على النساء وتحميلهن مسؤولية ما يصعب على هذه الفئة فهمه علمياً".
وتُعدّ النساء في المغرب وبلدان شمال أفريقيا بحسب الباحث الأنثروبولوجي النرويجي توماس هيلاند إريكسن "حماة للفضيلة"، لهذا يتم تحميلهن مسؤولية ما يعتبره البعض "عقاباً إلهياً"، بالتالي فإنهن مطالبات في هذه المجتمعات بالتزام القواعد والأعراف التي لا تزال حاضرة في اللاوعي المجتمعي.