بعد سنوات من تحقيقهم أرباحاً مالية كبيرة، طالبت دائرة ضريبة الدخل الأردنية النشطاء والمؤثرين والمشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي بتسوية أوضاعهم ودفع ما يترتب عليهم من ضرائب، ملوحة بملاحقتهم قانونياً، وانقسم الأردنيون حيال هذا القرار بين أغلبية مرحبة وأقلية رأت فيه وجهاً آخر للجباية التي تمارسها الحكومة على أموال الأردنيين ومصادر دخلهم، لكن طرفاً ثالثاً رأى أن ثمة ضرورة لضبط فوضى وسائل التواصل، إذ حل المشاهير مكان الإعلاميين والصحافيين، وأصبحوا ذوي حظوة بحيث باتت تستعين بهم الحكومات كأدوات تأثير في صنع الرأي العام على حساب الصحافة الحقيقية والرصينة.
وتشير تقديرات إلى أن عدد المشاهير والمؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي يزيد على 100 شخص، يحققون أرباحاً شهرية عبر متابعيهم من خلال تطبيقات "تيك توك" و"يوتيوب" و"إنستغرام"، وتقول إحصاءات رسمية إن هناك سبعة ملايين مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي في الأردن.
عدالة القانون
وأكدت دائرة ضريبة الدخل والمبيعات الأردنية أنها تهدف لتطبيق القانون بعدالة ومساواة، وأن أي شخص مقيم على الأرض الأردنية ويحقق إيراداً خاضعاً للقانون، عليه الوفاء بالتزاماته، نافية أن يكون هناك أي استهداف ضد فئة بعينها. وقالت الدائرة إنها خصصت فريقاً لمساعدة "مشاهير السوشيال ميديا" والأشخاص الذين يحققون إيرادات مالية خاضعة لقانون الضريبة من خلال نشاطاتهم عبر هذه المواقع، بهدف تسوية أوضاعهم القانونية وتقديم إقرارات الضريبة عن مداخيلهم نتيجة أنشطتهم المختلفة ودفع الضرائب المترتبة عليهم. وأشارت الدائرة إلى أن مجموعة من هؤلاء النشطاء راجعوا الدائرة ودفعوا ما يترتب عليهم من ضرائب.
ولم تستثن دائرة الضريبة ناشري محتوى البث المباشر وفيديوهات الألعاب ونشطاء الترويج والخدمات الإعلانية أو أي أشخاص يحققون دخلاً من خلال نشاطاتهم وظهورهم على مواقع التواصل المختلفة، وتنص المادة الثالثة من قانون ضريبة الدخل على خضوع أي دخل يتأتى في المملكة لأي شخص أو يجنيه للضريبة بغض النظر عن مكان الوفاء.
لا مفر
وأوضح المستشار في دائرة ضريبة الدخل والمبيعات موسى الطراونة أن الدائرة تمتلك طرقاً عدة لمتابعة الإيرادات المالية لمشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، وتدقيق الأرقام ومقارنتها مع الإفصاحات المالية لهم، وفق الممارسات العالمية، والإطار التشريعي والقانوني، مضيفاً، "لدينا طرق تحقق تضمن العدالة، والمطالبات الضريبية تشمل جميع الجنسيات على أرض المملكة"، في إشارة إلى عدد من المشاهير من جنسيات عربية وأجنبية يقيمون في الأردن منذ سنوات. وأوضح أن مختلف القنوات والأنشطة على الشبكة العنكبوتية التي تحقق إيرادات مالية ليست بمنأى عن القانون والمطالبة بالخضوع للضريبة.
انتقادات ولكن
من جهة ثانية، انتقدت مبادرة "أنا مؤثر"، التي تضم عدداً من المؤثرين الأردنيين، القرار الذي وصفته بالمفاجئ والعشوائي من قبل دائرة ضريبة الدخل والمبيعات، في مطالبة مشاهير "السوشيال ميديا" بتسوية أوضاعهم. ورأى القائمون على هذه المبادرة أنهم ليسوا ضد فرض الضريبة على الخاضعين لها بموجب القانون، لأن عائدات الضريبة توظف في خدمة الصالح العام للمواطن، لكنهم يطالبون الحكومة، في المقابل، بتفهم حقيقة مهنة المؤثر وصانع المحتوى ودوره في التأثير الإيجابي، وأن ثلثي المواطنين، اليوم، هم من الجيل الرقمي، منوهين بضرورة تنظيم هذا القطاع والاهتمام بالعاملين به باعتبارها صناعة رقمية تسهم في رفد خزانة الدولة من خلال تسويق السياحة والفكر والثقافة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتطالب المبادرة أيضاً بالاعتراف بمهنة المؤثر وصانع المحتوى على المستوى الرسمي ما يمنحهم حقوق الصحافيين والإعلاميين مثل تصاريح التصوير وهوية رسمية صادرة من هيئة الإعلام، وخط ساخن مع وحدة الجرائم الإلكترونية، فضلاً عن حقهم في المشاركة والدعوة إلى الفعاليات، والمناسبات الوطنية، والاجتماعية، وإدراج المؤثرين وصناع المحتوى في الحملات الإعلانية والتسويقية التي تنفق فيها الدولة بشكل عام، وإصدار إعفاء جمركي وضريبي للمعدات والأدوات المستخدمة في صنع وإنتاج المحتوى.
من هم "المؤثرون"؟
ومنذ سنوات يثير طرح سؤال "من هم المؤثرون؟" الجدل في الأردن، بعد أن أصبحت منصات التواصل الاجتماعي طريقة سهلة للشهرة وكسب الأموال بالنسبة إلى كثيرين من الشبان والمراهقين وبمحتوى يقوم على الترفيه بالدرجة الأولى، ويعترض مراقبون على وصف مشاهير التواصل الاجتماعي في الأردن بالمؤثرين، ومع تعاظم دور "السوشيال ميديا" في الأردن برزت وجوه شابة عبر بوابة الكوميديا الساخرة، وامتهن آخرون مسمى "ناشط"، في وقت وظفت قلة منهم خبراتها في ميادين متنوعة كالطبخ والتغذية والسفر، ليحتل هؤلاء وبكثافة مصطلح "مؤثر" الفضفاض الذي قد يجمع بين المتخصصين فعلاً وممتهني "الثرثرة".
ومع تصدر الأردنيين مرتبة متقدمة عربياً من حيث استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، يعرف متخصصون المؤثرين بأنهم أولئك الذين لديهم جمهور كبير على منصات التواصل الاجتماعي ويثقون برأيهم كما أنهم يتركون لديهم أثراً إيجابياً.
كم يتقاضى المشاهير والمؤثرون؟
لا توجد إحصاءات دقيقة حول ما يتقاضاه المؤثرون والمشاهير في الأردن، لكن مراقبين يتحدثون عن تضخم ثرواتهم، واتساع أعمالهم عبر امتلاك كثيرين منهم مطاعم ومقاهي ومؤسسات تجارية، ويتقاضى أحد المؤثرين المتخصصين بالمطاعم والطبخ ما قيمته خمسة آلاف دولار عن كل فيديو يتم تصويره لصالح أي مطعم بهدف الترويج له عبر بث مباشر من صفحته التي يتابعها مئات الآلاف، وتتخصص سيدة خمسينية مشهورة في الأردن بالترويج لمحال وعلامات تجارية عبر حسابها المتابع نسائياً بكثافة، وتتلقى أجراً مجزياً فضلاً عن الهدايا من تلك المحال، في المقابل، وظف أحد الشبان المنحدرين من إحدى قرى إربد شمال الأردن لهجته القروية المحكية المحببة في فيديوهات ترويجية لصالح منشآت تجارية أردنية، ومن سخرية واقع مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن أنها حولت أحد أصحاب السوابق بتعاطي المخدرات إلى مؤثر ومشهور ووجه إعلاني لاحقاً يستخدمه كثيرون للترويج لمنتجاتهم وبضائعهم.
الشهرة ليست حكراً على أحد
ووفقاً لتقرير صادر من شركة "Hootsuite" عن حال الإنترنت حول العالم، فإن مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي في الأردن يشكلون نسبة تصل 67 في المئة من إجمالي عدد سكان المملكة الذي يزيد على عشرة ملايين نسمة، وبحسب التقرير، فإن أكثر منصات التواصل الاجتماعي استخداماً في المملكة، "فيسبوك" وإنستغرام" بواقع خمسة ملايين وثلاثة ملايين مستخدم على التوالي، بينما ارتفع عدد مستخدمي تطبيق "تيك توك" بشكل مطرد منذ جائحة كورونا. ويؤكد ضياء عليان، وهو صانع محتوى شهير في الأردن، أن الشهرة أصبحت أسلوب حياة ولم تعد حكراً على أحد وأن بإمكان أي شخص عادي أن يصنع المحتوى. ويقول إن معظم المشاهير يتلقون خدمات مجانية مقابل الإعلانات وليس أموالاً نقدية، في حين يقول لورنس المنسي الناشط والشهير على مواقع التواصل الاجتماعي، إن قرار إخضاع المشاهير للضريبة غير مدروس، بخاصة أن بعض إعلاناتها مجانية ومن دون مقابل، مطالباً بضرورة التأني قبل إقرار أي ضريبة على مشاهير "السوشيال ميديا".