شهدت مناطق في إقليم كردستان العراق احتجاجات غاضبة ضد سياسات القوى التقليدية الحاكمة والمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية، فيما أعلنت منظمات رصد انتهاكات طاولت عشرات النشطاء والصحافيين وعدد من النواب. وتركزت الاحتجاجات التي اندلعت عصر السبت 6 أغسطس (آب) الحالي، في مركز محافظة السليمانية ومناطق أخرى تابعة لها، مثل حلبجة ورانيا وجمجمال، وأتت استجابةً لدعوة كان قد وجّهها حراك "الجيل الجديد" المعارض بزعامة رجل الأعمال شاسوار عبدالواحد الذي يملك شركة إعلامية.
وأطلق المحتجون هتافات تطالب بإنهاء أزمة مرتبات موظفي القطاع العام، وتحسين الخدمات والوضع المعيشي، لترد قوات الأمن، السبت، بإطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاط لتفريقهم.
وتأتي دعوة عبدالواحد بموازاة احتجاجات واعتصامات تجري في بغداد بدعوة من زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر الذي طالب أخيراً بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
ويعاني الإقليم الذي يحكمه الحزبان، "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني و"الاتحاد الوطني" بزعامة بافل طالباني، أزمات سياسية واقتصادية منذ عام 2014، بفعل تعثر اتفاقاته مع الحكومة الاتحادية في بغداد، في ظل تراجع أسعار النفط عالمياً، ما أدى إلى عجز في دفع مرتبات موظفي القطاع العام وتراجع الخدمات.
الاعتقالات سبقت موعد الاحتجاج
وأدى استخدام قوات مكافحة الشغب الغاز المسيل للدموع، إلى وقوع إصابات بين المحتجين، فيما كشفت منظمات حقوقية عن "اعتقال 11 صحافياً خلال 24 ساعة في عموم مناطق الإقليم". وأظهرت لقطات تلفزيونية حصول مشادة بين عدد من نواب الحراك مع قوة أمنية في مركز السليمانية، طالبت أحد النواب بوقف تصوير المحتجين عبر هاتفه.
واتهم حزب شاسوار السلطات الكردية في أربيل والسليمانية "باعتقال جميع قيادات ومتطوعي الحراك، فيما لا يُعرَف مصير بعض المعتقلين الآخرين". ونشر الحراك صوراً للمعتقلين، وهم 7 نواب و35 ناشطاً.
وتداولت مواقع إخبارية وصفحات التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يُظهر تجمعاً احتالفياً نظمه ناشطون في الحزب "الديمقراطي" قرب قلعة أربيل التاريخية في مركز المدينة، وهو المكان الذي كان مقرراً أن يتجمع فيه المحتجون مناصرو حركة عبدالواحد.
اعتقالات غير قانونية
في السياق ذاته، اتهم مركز "ميترو" للدفاع عن حقوق الصحافيين، القوات الأمنية في بعض مدن الإقليم بشن حملة اعتقال طاولت ناشطين في حراك "الجيل الجديد" وآخرين مستقلين دعوا إلى الخروج في احتجاجات.
وأكد المركز، "تسجيل 70 حالة انتهاك ضد 52 صحافياً وقناة تلفزيونية، منها 21 حالة اعتقال، و4 عمليات اقتحام لمنازل، و16 حالة منع تغطية، وخمس إصابات بفعل الغازات المسيلة للدموع، و23 حالة مصادرة لمعدات الفرق الصحافية، مع غلق قناة فضائية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف أنه "بحسب المعلومات التي وصلت إلينا فإن قوة أخرى داهمت منازل بعض الناشطين بينهم هيمداد شاهين، الناطق الرسمي باسم الحراك، من دون صدور أي أوامر قضائية أو توضيح أسباب الاعتقال". وأبدى المركز استغرابه "من مصادرة الهواتف النقالة، بما فيها الأجهزة الأكترونية الخاصة بالأطفال".
واتهم مركز مركز "ميترو" سلطات أربيل بـاعتقال ناشطين "على خلفية دعواتهم للتظاهر ضد القصف التركي المتكرر للقرى الكردية الحدودية". وأكد حدوث اعتقالات مماثلة في مناطق قلعة دزة وقضاء جمجمال التابعة لمحافظة السليمانية.
كذلك، دعا "مرصد الحريات الصحافية"، ومقره بغداد، السلطات الكردية إلى "التحقيق في حصول الاعتقالات المؤكدة وغير المؤكدة بحق شخصيات، شملت صحافيين معروفين"، مبيناً أن "قوى سياسية نظمت تظاهرات ووقفات احتجاجية في عدد من مدن الإقليم، ومن الطبيعي أن يقوم الصحافيون وسائل الإعلام بتغطية هذه الفعاليات التي تُقام بشكل متكرر في الإقليم أو بقية مناطق العراق". وشدد المرصد على أن السلطات "مدعوّة لتوفير أجواء من الاطمئنان وتسهيل مهمة الصحافيين لنقل وقائع ما يجري". كما دعا القوات الأمنية وقضاء الإقليم إلى "التعامل وفق القوانين النافذة الضامنة لحرية الصحافة والتعبير عن الرأي، والتوقف عن إتباع إجراءات بيروقراطية تعرقل عمل وسائل الإعلام، فضلاً عن تجنب اعتقال العاملين في المجال الصحافي واحتجازهم تعسفياً بتهم غير واضحة".
تأكيد حكومي بإطلاق سراح المعتقلين
وفي وقت سباق، اتهمت رئيسة "كتلة الحراك" في البرلمان الاتحادي ببغداد، سروة عبدالواحد، سلطات إقليم كردستان العراق، باعتقال عدد من قياديي الحراك ونوابه. وكتبت في تغريدة على "تويتر" أن "أكثر من 30 سيارة عسكرية مسلحة تحاصر مقر رئيس الحراك شاسوار عبدالواحد". وحمّلت الحزبين الحاكمين في الإقليم "مسؤولية الحفاظ على سلامته والمعتقلين"، وأكدت "إبلاغ البعثات الدبلوماسية ومكتب الأمم المتحدة بالانتهاكات التي وقعت". كما اتهمت سروة عبدالواحد "قوة تابعة للحزب الديمقراطي باقتحام مكتب النائب فيان عبدالعزيز في أربيل، وإهانتها بمصادرة الهواتف والحواسيب من المكتب". وطالبت النائبة عبدالواحد، رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، بـ"التدخل لوقف إهانة النواب من قبل سلطات الإقليم".
إلا أن اللجنة الأمنية في السليمانية أكدت عبر بيان صدر في وقت متأخر من ليلة السبت، "عدم وجود أي عضو برلماني أو إعلامي موقوف بذمة التحقيق، وذلك بعد اتخاذ كافة الإجراءات القانونية من اجل إثبات الأمن والاستقرار في إقليم كردستان".
وكان المستشار الإعلامي لزعيم "الديمقراطي" سعد الهموندي قد اتهم وسائل إعلام "ببث أخبار مشبوهة لإثارة الفتنة في إقليم كردستان الآمن، حول وجود تظاهرات وحملات اعتقال، وكل ذلك عارٍ عن الصحة". وقال في بيان إن "ما يحدث هو وجود جهة خارجية تحاول زجّ البعض بأعمال شغب في محاولة لإشعال فتنة سياسية تغذي بعض المنتفعين والمتسلقين السياسيين وتوجه الأنظار عن حالة الشلل السياسي الذي يعتصر بغداد، ففي كل مرة تحاول طفيليات السياسة إثارة البلبلة في أربيل عاصمة الأمن والأمان وفي كل مرة يرجعون بخُفي حنين، لأن عين الشمس لا تُغطى بغربال"، فيما لم يصدر أي موقف رسمي عن الحكومة بعد.
واقترح السياسي البارز أدهم بارزاني، المستقيل عن الحزب "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني، وله مواقف معارِضة لإدارة الحزبين، في بيان، أن "يطرح برلمان الإقليم مشروع قانون لمنع كل ما يتعلق بالقوانين المرتبطة بالديمقراطية التي سبق أن شرعها، مثل الحريات الصحافية وحرية التعبير والتظاهر، لكي تتخلى جماهير كردستان المسكينة عن التعبير والاحتجاجات، على الأقل لكي لا يتعرضوا للاعتقال والاختطاف ولا تُصادَر هواتفهم، وفي النهاية أن يتجنبوا التعرض للاعتقال، وسيدركون أن هذه الحقوق ممنوعة في وطن آلاف الشهداء".