العنصرية العلمية تبرز مجدداً. وثمة من يتقصى آثارها الخبيثة في مناحي مجتمعاتنا، مثلما ما فعلته انجيلا سايني في كتابها الجديد "التفوق...عودة العنصرية العلمية" Superior: The Return of Race Science، وكما يظهر أيضاً في الناقشات الدائرة حول العداءة الجنوب افريقية كاستر سيمينيا.
ففي أحدث التطوّرات في المعركة المستمرة بين سيمينيا و"الاتحاد الدولي لألعاب القوى"، وجّهت العدّاءة اتهاماً إلى الهيئة الإدارية للاتحاد بأنّها تعاملها "كأنها فأر تجارب بشري" بعد أن ألزمتها تلك الهيئة بأن تتناول أدوية باستمرار، الأمر الذي يجعلها تشعر "بالمرض الدائم"، وذلك بهدف السيطرة على مستويات هرمون الـ"تستوستيرون" في جسمها.
وتندرج البطلة التي فازت بالمرتبة الأولى في دورتين أولمبيتين، ضمن عدد من الرياضيين لديهم ظاهرة "الاختلافات في النمو الجنسي" Differences in Sexual Development، ما يعني أنّ هرموناتهم وجيناتهم لا تتوافق مع المعايير النموذجية.
وحاضراً، يتوجّب على سيمينيا أن تتناول أدوية لتتمكّن من المنافسة في سباقات الجري المسافات تتراوح بين 400 متراً والميل الواحد، أو أن تغيّر السباقات التي تخوضها. وأُدرِجَت في الفريق الأولي المرشح لتمثيل جنوب افريقيا في منافسات 800 متر تمهيداً لبطولة العالم في قطر في وقتٍ لاحق من العام الجاري، لكن مشاركتها فعليّاً باتت مرهونة بنتيجة الاستئناف الذي تقدّمت به ضد حكم "الاتحاد الدولي لألعاب القوى".
وصنّفت أوراق المحكمة سيمينيا "ذكراً من الناحية البيولوجية" غير أنّه لم يسبق أبداً للعداءة أن أكّدت هويّتها الثنائية الجنس وتبدو محاولتها تحديد ما هو المستوى "الطبيعي" للـ"تستوستيرون"، تعسفيّة وتمييزية. من الناحية المحدودة التي نراها ونُصنّف عبرها عالم الرياضة، تشكّل سيمينيا حالة غير معياريّة، بوصفها عدّاءة لا تتماشى تماماً مع نظرة المجتمع الضيّقة حول الهوية الجنسيّة للأفراد (بمعنى الجندر Gender)، وبالتالي فإن اختلافها يعني أنه جرت التضحية بها من أجل التمسّك بما يعتبره الاتحاد الدولي لألعاب القوى، "سلامة الألعاب الرياضية النسائية".
ليست قضيّة سيمينيا أحدث مثل عن تمييز علمي يفتقد إلى المنطق ويُستَخدَم سلاحاً ضد الرياضيين الرجال والنساء من أصحاب البشرات السوداء. أثار وجودها في ألعاب القوى النسائية نقاشاً عالمياً حول معنى أن يكون المرء أسوداً وأنثى في الألعاب الرياضية، ومن الذي يضبط تلك الهويات.
بدأت مراقبة هرمون الـ"تستوستيرون" في عالم الرياضة في ثلاثينيات القرن العشرين، وفي نفس الوقت تقريباً بدأ عدد من العلماء الأوروبيين في طرح أفكار تشير إلى وجود أدلة تجريبية لدعم أو تبرير الدونية العنصرية. وسلّطت قضيّة سيمينيا الضوء على الإرث المتأتي من قضية سارتي بارتمان، المرأة الجنوب أفريقية التي اُخذت من منزلها في أوائل القرن التاسع عشر في موكبٍ استعراضي للمخلوقات الغريبة في شوارع باريس لتسير في عرضٍ بعنوان "هوتنتوت فينوس" Hottentot Venus. (تذكيراً، تعبير "هوتنتوت" مصطلح صاغه المستعمرون الأوروبيون للإشارة إلى شعوب في أفريقيا). وآنذاك، شكّل جسم بارتمان موضوعاً للسخرية والتكهنات على غرار ما يحصل حاضراً مع سيمينيا. ويذكر كثيرون قضية بارتمان لأنها أثّرت كثيراً في الخطاب العالمي بشأن جسد المرأة ذات البشرة السوداء.
وقد تعرّضت أيضاً العداءة الأمريكية من أصل أفريقي سيرينا ويليامز لمعاملة مماثلة. ففي العام 2018، اشتكت وليامز من اختبارات المنشطات "العدوانية والمستهدفة"، مشيرة إلى أنه على الرغم من الاختبارات لم تثبت وجود مواد محظورة في جسمها، خلال مسيرتها التي استمرت 23 عاماً في كرة المضرب، إلا أنها أُخضِعَتْ للاختبارات أكثر من نظرائها بأربعة أضعاف.
تتمتع وليامز ببشرة سوداء البشرة وعضلاتٍ قوية وموهبة خارقة، وعلى غرار سيمينيا، غالباً ما رُبِط بشكل بليد بين ادائها الرياضي المذهل وأصولها العرقية، والمفهوم المغلوط القائل بأن "النساء أمثالهن" يجب أن يمتلكن نوعاً من الصفات البيولوجية البشرية الفائقة كي يبرعن في مجالهنّ.
أدّت تلك الخرافة حول "الموهبة الطبيعية" أو "الميزة غير العادلة" إلى ظهور كثيرين ممن انتقدوا مراراً وبشكل غير عادل الرياضيين السود على خلفية لون البشرة. في المقابل، لم تثر ضجة موازية بشأن السباح الأولمبي مايكل فيلبس وذراعيه الطويلتين بشكل استثنائي، وقد منحتاه ميزة في المسبح. ويمكن قول الأمر نفسه عن أيرو مانتيرانتا، المتزلّج الذي كان لديه حالة وراثية تتسبب في إنتاج خلايا الدم الحمراء بشكلٍ مفرط، الأمر الذي جعله يحظى بالأفضلية في القدرة على التحمل في المنافسات. إذا كان الهدف يتمثّل في تهيئة الساحة أمام المساواة في المنافسة، فلماذا لا نطلب من هؤلاء الرجال التوقف عن المنافسة؟
كذلك لم يفلت الرياضيون الذكور من أصحاب البشرة السوداء من تلك العنصرية العلمية. وفي دراسةٍ قدّمتها البروفيسورة سينتيا فريسبي من "كلية الصحافة" في "جامعة ميسوري"، ظهر تحليل عن عقد من التغطية الإعلامية. وبيّنت فريسبي أنّ الرياضيين الذكور ذوي البشرة السوداء يتعرّضون إلى "تغطية إعلامية سلبية" في وسائل الإعلام فيما يوصف أقرانهم البيض بالأبطال والفائزين.
وفي سياق متصل، أوضح كتاب ديفيد ايبستين الذي صدر عام 2013 بعنوان "جينات الرياضة" The Sports Gene الكيفية التي تُصوّر فيها الرياضة في وسائل الإعلام باعتبارها تتناسب عكسياً مع الذكاء، مشيراً إلى أن ذلك المفهوم لم يُعمم إلا عندما بدأ الرياضيون ذوو البشرة السوداء في الهيمنة عالمياً.
لطالما كان عالم الرياضة سياسياً بشكل عميق، لكنه أمر يدعو إلى الخوف كيف تُستَغَل مفاهيم قديمة مرتبطة بالعرق والجنس مجدداً لمنع رياضيين سود البشرة من المنافسة. إذا لم يُعالَجْ ذلك النهج، فمن يدري المستويات التي سيبلغها ذلك التطرّف؟
© The Independent