بدأت كولومبيا، الأحد السابع من أغسطس (آب)، حقبة سياسية جديدة بتنصيب أول رئيس يساري في تاريخها هو غوستافو بيترو، الذي وعد بتحولات جذرية في بلد يعاني عدم مساواة كبيراً ودوامة عنف لا تنتهي مرتبطة بتهريب المخدرات.
وأدى بيترو (62 عاماً) السيناتور السابق الذي تخلى عن التمرد المسلح قبل ثلاثة عقود اليمين أمام عدد كبير من المدعوين الكولومبيين والأجانب. وقال، "أقسم بالله وأعد الناس بأن أحترم بأمانة دستور كولومبيا وقوانينها".
حكومة تعددية
صرح بيترو، السبت السادس من أغسطس، في بوغوتا، خلال مراسم سبقت تنصيبه، بأن "الحكومة الأولى التي نأملها ستكون حكومة سلام، وهي توشك على الانطلاق. نأمل أن تجلب لكولومبيا ما لا تملكه منذ قرون، أي الهدوء والسلام".
وأضاف، "هنا تبدأ حكومة تُكافح من أجل العدالة البيئية"، آملاً في جعل السلام والبيئة والحد من التفاوت الاجتماعي، المعارك الأساسية لحكومته.
ويتولى زعيم المعارضة السابق منصبه واضعاً في اعتباره مجموعة إصلاحات تثير آمالاً كبيرة لدى مؤيديه منذ فوزه.
وإلى جانبه، أدت عالمة البيئة فرانسيا ماركيز (40 عاماً)، اليمين الدستورية، بوصفها أول نائبة من أصل أفريقي للرئيس الكولومبي، في دولة حكمتها تاريخياً نخبة من الذكور البيض.
ورأى المحلل خورخي ريستريبو، من مركز الموارد لتحليل النزاعات، إن بيترو يبدأ عهده في "منصب يُحسَد عليه، ومع غالبية كبيرة في البرلمان، ويتمتع على مستوى الشارع بدعم لم تحصل عليه أي حكومة في السنوات الأخيرة".
وشكّل بيترو حكومة تعددية تضم نساءً سيتولين حقائب وزارية عدة، وتهدف إلى الدفع قدماً بالإصلاحات التي ستبدأ مسارها التشريعي، الإثنين.
تقليص الفجوة
وفي إطار البحث عن موارد لتمويل خطط الإصلاح الاجتماعي، هناك مشاريع قوانين لزيادة الضرائب على الأكثر ثراءً، وتحسين عملية تحصيل الضرائب، وفرض ضرائب على المشروبات السُكَّرية.
لكن دانيال روخاس، أحد منسقي اللجنة الانتقالية مع حكومة سلفه إيفان دوكي (2018-2022)، قال إن "مستوى الدين والعجز المالي الذي اكتشفناه كبير".
وعلى الرغم من ذلك، يعتزم بيترو الوفاء بوعده تقليص الفجوة بين الأكثر غنى والأكثر فقراً من خلال تطوير الوصول إلى الائتمان وزيادة المساعدة والتشديد على التعليم. وقال، "سأناضل من أجل العدالة الاجتماعية".
وبينما تعافى الاقتصاد الكولومبي من جائحة كورونا وعاد إلى النمو، يشكل التضخم السنوي والبطالة (11,7 في المئة)، والفقر (39 في المئة) عوامل ستجعل التحديات أكبر بالنسبة إلى بيترو.
وحذّرت أستاذة العلوم السياسية في جامعة خافريانا باتريسيا مونيوز من أن "الناس يتوقعون أن يتم سريعاً تنفيذ بعض التغييرات الموعودة خلال الحملة، وهو ما سيؤدي، إضافة إلى الوضع الاقتصادي، إلى إثارة جو من التوتر".
تنشيط العلاقات الدبلوماسية والتجارية
ودولياً، سيُعيد بيترو تنشيط العلاقات الدبلوماسية والتجارية المقطوعة منذ 2019 مع فنزويلا المجاورة برئاسة نيكولاس مادورو، وسيسعى إلى الحصول على الدعم لاستئناف محادثات السلام مع جيش التحرير الوطني، آخر مجموعة مسلحة معترف بها في البلاد.
وعلى الرغم من أن اتفاق السلام الموقع مع حركة "القوات المسلحة الثورية الكولومبية" (فارك) في 2016 أدى إلى تراجع العنف، لم تُنهِ كولومبيا بعد آخر نزاع مسلح داخلي في القارة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإضافة إلى جيش التحرير الوطني تفرض عصابات قوية من مهربي المخدرات مثل مجموعة "ديل غولفو" بقيادة البارون "أوتونييل" الذي سُلّم هذا العام إلى الولايات المتحدة، قوانينها في مناطق عدة من البلاد، كما أن منشقين عن "فارك" يتحدون الدولة من خلال ما يحصلون عليه من موارد جراء عمليات التعدين غير القانوني وتهريب المخدرات، إذ إن كولومبيا تبقى أكبر منتج للكوكايين في العالم.
وعرض بيترو على هذه المجموعات المسلحة أن يتم إحلال السلام في مقابل برامج لتخفيف الأحكام، مثل الاتفاق مع "فارك". وقال في خطاب تنصيبه، الأحد، "ندعو جميع المجموعات المسلحة إلى نبذ السلاح، والقبول بالمزايا القانونية، في مقابل السلام وفي مقابل وقف العنف نهائياً".
حماية منطقة الأمازون
واقترح غوستافو بيترو في خطاب تنصيبه إنشاء صندوق دولي لحماية منطقة الأمازون التي تشهد عمليات إزالة للغابات.
وسأل أول رئيس يساري في تاريخ كولومبيا، "أين الصندوق العالمي لإنقاذ غابات الأمازون؟"، مضيفاً، "يمكننا أن نجعل من سكان (منطقة) الأمازون الكولومبية مجموعة سكانية تحمي الغابة، لكننا نحتاج إلى تمويل من كل أنحاء العالم لتحقيق ذلك".
وسعياً إلى حماية "رئة الكوكب"، اقترح بيترو على المجتمع الدولي خفض الدين الخارجي لصالح تمويل إجراءات "من أجل إنقاذ غاباتنا واستعادتها".
وقال، "فلنخفض الدين الخارجي، ولننفق الفائض لإنقاذ الحياة الإنسانية. إذا ساعد صندوق النقد الدولي في تحويل الدين إلى إجراءات ملموسة ضد أزمة المناخ، فسنحصل على اقتصاد مزدهر جديد وحياة جديدة للبشرية".
وبنى بيترو حملته خصوصًا على وعد بتسريع الانتقال إلى مصادر طاقة نظيفة والحد من إزالة الغابات في منطقة الأمازون التي يعد نظامها البيئي مهماً لامتصاص الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
وفقدت كولومبيا خلال ولاية سلفه إيفان دوكي (2018-2022) مساحة غابية لا تقل عن 7.018 كلم مربع، وفقاً لمنظمات معنية بحماية البيئة.
وتعد الحرائق الهائلة السبب الرئيس لتراجع مساحة الغابات في منطقة الأمازون.
كما دعا الرئيس الكولومبي الجديد في خطابه إلى إنهاء الحرب على المخدرات، معتبراً أنها فشلت، وإلى الانتقال إلى "سياسة قوية للوقاية من المخدرات" في الدول المتقدمة.
وقال، "حان الوقت لكي تكون هناك اتفاقية دولية جديدة تقر بفشل الحرب على المخدرات".
ويعتزم الرئيس إصلاح شرطة مكافحة الشغب المتهمة بارتكاب انتهاكات عدة لحقوق الإنسان خلال القمع العنيف للتظاهرات التي شهدتها ولاية سلفه.