يحذر اقتصاديون من أن البريطانيين يواجهون احتمالات ضربة أكبر على مستويات المعيشة وركوداً لفترة أطول مما توقعه بنك إنجلترا (المصرف المركزي البريطاني) فيما تهدد روسيا عمليات إمدادات الغاز إلى أوروبا.
وقال الخبراء إنه حتى السيناريو الأكثر تشاؤماً الذي وضعه المصرف لم يأخذ في الاعتبار احتمال استمرار ارتفاع أسعار الغاز التي تضاعفت خلال ثلاثة أشهر.
وأشار مصرف "يو بي إس" UBS إلى أن هذه الحسابات تبدو الآن "متفائلة على نحو متزايد"، في حين حذر محللون في شركة التحليل والاستشارات المالية "كابيتال إيكونوميكس" Capital Economics من أن إيقاف فلاديمير بوتين تدفق الغاز من روسيا إلى أوروبا بالكامل أصبح الآن "أمراً مرجحاً".
وعلى الرغم من التحذيرات الشديدة على نحو متزايد من خطر نقص الغاز في أوروبا، أفاد بنك إنجلترا بأنه لا يحتاج إلى النظر في الأثر المحتمل لهذا السيناريو.
وقال مصدر في المصرف إن الهدف من تقريره لم يكن "رسم السيناريو الأسوأ من خلال شمول مسارات محتملة تضخمية في شكل متزايد في مجال الطاقة".
جاء ذلك بعدما أصدر المصرف واحداً من أكثر التوقعات الاقتصادية تشاؤمية يوم الخميس، في حين رفع معدلات الفائدة وزاد الضغط على موازنات الأسر.
ويتوقع المصرف أن يحل ركود عميق قبل عيد الميلاد [25 ديسمبر] ويستمر طوال العام المقبل، مع انخفاض المداخيل بمقدار قياسي وارتفاع معدل التضخم إلى 13.3 في المئة، وغياب أي نمو اقتصادي تقريباً حتى نهاية عام 2025.
لكن أياً من سيناريوهات المصرف لم يحتسب ارتفاع أسعار الغاز، وهو سيناريو يعتقد المحللون بأرجحية حصوله بنسبة واحد إلى خمسة، ولفتت شركة التحليل الاقتصادي "أوكسفورد إيكونوميكس" Oxford Economics إلى صعوبة وضع حد أقصى لمدى ارتفاع أسعار الغاز إذا بدأت الإمدادات الانخفاض.
وقال بول ديل، كبير الخبراء في الاقتصاد البريطاني لدى "كابيتال إيكونوميكس"، إن زيادة الأسعار الآن أكثر احتمالاً من انخفاضها، ولفت "يمكنكم أن تروا مزيداً من الارتفاع في أسعار الغاز التي ستظل بعد ذلك عند مستويات أعلى لفترة أطول، ولا نتوقع أن تهبط أسعار الغاز بسرعة".
وأضاف، "يتوقع المصرف في الأساس ركوداً تضخمياً ويقترح أن الدواء يكمن في رفع معدلات الفائدة. إنه أمر لافت حقاً".
وعلى الرغم من أن المصرف لم يحلل تأثير أسعار الغاز الأعلى، تشير الأرقام التي نشرها إلى أن كل زيادة بنسبة 25 في المئة في أسعار الغاز من شأنها أن ترفع معدل التضخم بنسبة واحد في المئة، وأن تخفض الناتج الاقتصادي بنسبة 0.6 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإذا تضاعفت أسعار الغاز مرة أخرى هذا الشتاء فسيبلغ معدل التضخم 17.3 في المئة وسيتقلص الاقتصاد بنسبة 4.6 في المئة ضمن تراجع سنوي يفوق ما حصل خلال الأزمة المالية العالمية عام 2009.
وقال إدوارد غاردنر، وهو متخصص في السلع لدى "كابيتال إيكونوميكس"، إن أسعار الغاز ستظل "مرتفعة للغاية" خلال الأجل القريب.
وأضاف، "ثمة خطر محتمل واضح يحيط بالأسعار لأن أوروبا لا تزال تعتمد على الغاز الآتي من روسيا. إذا قطعت روسيا الإمدادات تماماً واضطررنا إلى التعامل مع شتاء بارد فسيكون الوضع عبارة عن سيناريو عاصفة كاملة".
وتسجل أسعار الجملة 10 أضعاف ما كانت عليه قبل أكثر من سنة بقليل مع تسبب الارتفاع الأخير في بلوغ سعر الـ "ميغاواط /ساعة" مستوى غير مسبوق عند 200 يورو (نحو 204 دولارات تقريباً) بعدما قامت شركة الطاقة الروسية العملاقة المملوكة للدولة "غازبروم" بخفوض إضافية في إمدادات الغاز إلى أوروبا الشهر الماضي.
وطبقاً لتقديرات "كابيتال إيكونوميكس" سيصل السعر [ميغاواط/ ساعة] إلى 250 يورو (211 جنيهاً استرلينياً) إذا قلصت روسيا المعروض بنسبة إضافية، ومع ذلك قال السيد غاردنر إن الأسعار يمكن حتى أن ترتفع أكثر بكثير.
وأوضح، "عندما يقع نقص في السلع التي يحتاج إليها الناس لتلبية حاجاتهم الأساس، يدور السؤال حول من يملك كمية أكبر من المال لشرائها، وللأسف فالعديد من الناس لن يتمكنوا من مجاراة هذه الأسعار".
وأضاف، "تسبق روسيا بخطوة رغبة أوروبا في تقليص اعتمادها على الغاز الروسي تدريجياً، وتريد أوروبا أن تخفض اعتمادها على روسيا بمقدار الثلثين بحلول نهاية هذا العام، وقد أقدمت روسيا على ذلك بالفعل، ومن الواضح أن الخطر قائم في إرغام أوروبا على الحد من اعتمادها في شكل أكبر".
ولم يستبعد أندرو غودوين، كبير الخبراء في الاقتصاد البريطاني لدى "أوكسفورد إيكونوميكس"، خفضاً كبيراً آخر في إمدادات الغاز، مشيراً "من المؤكد أنه أمر مرجح وشيء يستعد له عملاؤنا".
ولفت "سيسبب الأمر ضرراً بالغاً، ونعتقد بأن هذا يعني انخفاض الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة بنسبة 2.5 في المئة العام المقبل".
وقال فيليكس هويفنر، أحد كبار الاقتصاديين لدى مصرف "يو بي إس"، إن البيانات الاقتصادية من مختلف أنحاء أوروبا "تشير كلها إلى أن الأمور تزداد ضعفاً، ويستند السيناريو الرئيس لدينا إلى عدم حصول تقنين للغاز، أو أي تراجع إضافي في الإمدادات إلى أوروبا، وهذا يبدو تصوراً متفائلاً على نحو مفرط الآن"، مضيفاً "لقد ارتفعت في شكل حاد الأخطار السلبية، لا سيما أننا بتنا نشهد أسعاراً أعلى وتقنيناً للطاقة".
وفي مختلف أنحاء أوروبا تتعامل الحكومات بجدية مع احتمالات حدوث مشكلات كبرى في إمدادات الغاز، فقد بدأت ألمانيا في تقنين المياه الساخنة وتخفيف أضواء الشوارع وإغلاق المسابح الشهر الماضي، وأخيراً وافقت بلدان الاتحاد الأوروبي على اقتراح تقنين إمدادات الغاز.
وفي الوقت نفسه نشر صندوق النقد الدولي توقعاً يشير إلى أن عدة بلدان أوروبية ستغرق في فترات ركود عميقة إذا فقدت إمدادات الغاز الروسي، وستتقلص اقتصادات المجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك بنسب تصل إلى ستة في المئة. وأضاف صندوق النقد الدولي أن ألمانيا وإيطاليا ستعانيان بشدة أيضاً.
نشر في اندبندنت بتاريخ 6 أغسطس 2022
© The Independent