بعيداً من الأحداث السياسية الساخنة في العاصمة الليبية طرابلس، عاد الملف الخاص بالعنف ضد النساء إلى دائرة الضوء خلال اليومين الماضيين بحدثين متزامنين، الأول تشكيل لجنة برلمانية لتجريم العنف ضد المرأة، والثاني إطلاق المفوضية العامة للانتخابات برنامجاً خاصاً برصد هذه الظاهرة في سياق العملية الانتخابية.
وفي بلد مثل ليبيا، تُصنف الأوضاع الأمنية فيها بالهشة والخارجة عن سيطرة الدولة والمجتمع، تعتبر الفئات الضعيفة مثل المرأة من أكثر الفئات المتأثرة بهشاشة الظرف الأمني، على جميع المستويات، وهو ما تؤكده مؤشرات العنف ضد النساء في البلاد، التي يزيد عداد الحالات المسجلة فيها سنوياً بشكل ملحوظ.
العنف الانتخابي
في طرابلس، أطلقت المفوضية العليا للانتخابات فعاليات البرنامج التدريبي "رصد العنف ضد المرأة في الانتخابات بليبيا"، الذي تنظمه المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، وذلك بمركز التدريب بمقر المفوضية.
وقالت عضوة مجلس المفوضية رباب حلب، إن "هذا البرنامج وهو نتاج لعديد البرامج والاجتماعات وحلقات النقاش التي نظمتها وحدة دعم المرأة بالمفوضية مع متخصصين وخبرات وطنية وإقليمية في هذا المجال، استعرضوا خلالها منهجيات وخطط عمل رصدت عينات ونماذج من العنف والجرائم الإلكترونية الموجهة ضد المرأة على وسائل التواصل الاجتماعي".
وأوضحت أن "ما تم جمعه من بيانات من خلال الاستبيانات رصد تراجع النساء عن المشاركة في العملية الانتخابية، وتوصلنا لنتيجة مفادها بأنه كلما زادت نسبة مشاركة النساء في الانتخابات زاد العنف الانتخابي، وهو ما أعطى مؤشراً على أهمية وجود منصة قوية لرصد العنف الإلكتروني والمخالفات الانتخابية، تسهم في وضع استراتيجية لمعالجته والحد منه، وتقديم توصيات تنبه لضرورة صياغة قوانين تكون رادعاً لكل من يتعدى على حق المرأة في المشاركة بالعملية الانتخابية."
وأشارت حلب إلى أن "هذا البرنامج يأتي ضمن البرامج التوعوية التي تنفذها وحدة دعم المرأة بالمفوضية، حيث يعتبر من البرامج الحساسة والمهمة، كونه يؤسس لوضع قاعدة بيانات للتحقق من العنف الواقع على المرأة، ويسهم في تقديم توعية مجتمعية نوعية بما يتناسب مع متطلبات المجتمع".
خطة التصدي للعنف
وبحسب المفوضية العليا للانتخابات، يتضمن البرنامج محاور عدة، تبدأ بـ"مقدمة عامة حول عملية رصد مواقع التواصل الاجتماعي خلال الانتخابات ومحاربة الأخبار المضللة والمغلوطة، والعنف ضد المرأة في الانتخابات على الإنترنت".
وأفادت مسؤولة وحدة المرأة في المفوضية سوزان حمي بأن "البرنامج أحد أهم مشاريع خطة الوحدة للعام 2022 التي تعمل المفوضية على تنفيذها في إطار تعزيز جاهزيتها للانتخابات المرتقبة، وهو يستهدف تدريب موظفي قسم الرصد بالمفوضية تمهيداً لانطلاق منصة متخصصة برصد العنف ضد المرأة في الانتخابات التي تعمل المفوضية على إطلاقها خلال الفترة المقبلة".
وأضافت أن "مدة البرنامج ثلاثة أيام، سيتلقى خلالها المشاركون برنامجاً متكاملاً تحت إشراف عدد من الخبراء المتخصصين في مجال الرصد والتحقق من المعلومات".
قانون برلماني لدعم المرأة
في طبرق، قالت لجنة شؤون المرأة والطفل بمجلس النواب، أمس الأحد السابع من أغسطس (آب)، إنها "عاكفة وبكل جدية على إصدار قانون يجرم العنف ضد المرأة بجميع أنواعه وأشكاله في القريب العاجل".
جاء ذلك في بيان إدانة من اللجنة لما تعرضت له بعض النساء في ليبيا من عنف أسري أدى إلى قتلهن عمداً لأسباب يدينها الشرع والقانون.
وعدت اللجنة هذه الأعمال "إجحافاً في حق الضحايا وإنهاء حياتهن بطريقة بشعة تنم عن وحشية مرتكبيها وفقدانهم للإنسانية، وتتطلب من الجهات القضائية وجميع الجهات المسؤولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعاقبة مرتكبيها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويأتي ذلك عقب حوادث مأساوية شهدتها مدن ليبية عدة، راح ضحيتها عدد من النساء، حيث قتل مواطن ونجله من بنغازي اثنتين من بناته وحاول قتل نجلته الثالثة، وشهدت بنغازي أيضاً في يونيو (حزيران) الماضي، جريمة قتل أب لابنته في منطقة "النواقية" بضواحي المدينة.
وفي الأسبوع الماضي، كشفت مديرية أمن غريان جنوب طرابلس ملابسات جريمة قتل ارتكبها شخص بحق عمه وزوجة عمه وابنة عمه، بمنطقة أولاد بن يعقوب.
ولم تقتصر حالات العنف ضد المرأة في ليبيا بالسنوات الماضية على الحالات الخاصة بالعنف الأسري، بل شهدت البلاد وقوع عدد من النساء ضحايا للعنف السياسي، أبرز هذه الحوادث مقتل الناشطة الحقوقية المعروفة سلوى بوقعيقيص في منزلها على يد عناصر من تنظيم داعش في بنغازي عام 2014، والإخفاء القسري للنائبة سهام سرقيوة منذ بداية 2017 .
دعم دولي
وحظيت قضايا العنف ضد المرأة في ليبيا وحرمانها من حقوقها السياسية والمدنية باهتمام كبير من المجتمع الدولي ممثلاً في بعثته بليبيا، ودعوات متكررة للعمل على إيقاف هذه الاعتداءات ضد النساء.
وأثارت المستشارة الخاصة للأمين العام في شأن ليبيا ستيفاني وليامز القضية الأسبوع الماضي، في آخر بيان لها قبل مغادرتها لمنصبها، حثت فيه على "إيقاف العنف ضد المرأة".
ودعت وليامز قادة ليبيا ومؤسساتها إلى "الالتزام الجاد بحماية مشاركة المرأة في الحياة العامة"، مؤكدة أنها "دافعت أيضاً عن كثير من النساء اللائي تعرضن للاعتداء والإيذاء والاعتقال غير القانوني والاختفاء والقتل بسبب أفكارهن السياسية".
وكان المجلس الأعلى للقضاء في ليبيا قد اتخذ قراراً مهماً لدعم المرأة في مواجهة العنف، في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، نص على تشكيل محكمة خاصة للنظر في حالات العنف ضد المرأة وإضافتها إلى دائرة الأحوال الشخصية بمحكمة استئناف طرابلس، ودائرة أخرى بمدينة بنغازي التي تعد أول محكمة على مستوى الدول العربية وشمال أفريقيا تنظر في دعاوى العنف ضد المرأة بجميع صوره وأشكاله الجسمانية أو النفسية.
وأرجع المجلس أسباب تشكيل المحكمة التي باشرت أعمالها، إلى أن "العنف ضد المرأة من أكثر الانتهاكات لحقوق الإنسان المنتشرة في العالم، وله عواقب جسدية ونفسية واقتصادية خطيرة، غير أنه لا يتم التبليغ عنه بسبب العادات والتقاليد المجتمعية أو الثغرات القانونية وقصور التشريعات التي تسمح للجناة بالإفلات من العقاب".
وأكدت أن "ظاهرة العنف ضد المرأة في ليبيا زادت بمعدلات كارثية خاصة بعد الانتهاكات والحروب التي شهدتها البلاد أخيراً"، مشيرة إلى أن "أغلب الدعاوى التي تقدم للمحاكم من النساء، تتمثل في قتل الزوجة بوحشية وضرب الزوجات والإساءة لهن".
ورحبت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وقتها بتعيين 5 قضاة نساء، للعمل في محكمتين متخصصتين تم إنشاؤهما في بنغازي وطرابلس للنظر في قضايا العنف ضد النساء والأطفال.
واعتبرت البعثة أن "إنشاء هاتين المحكمتين المتخصصتين فضلاً عن تعيين القاضيات الخمس، يشكل خطوة مهمة نحو تعزيز حقوق المرأة والطفل في ليبيا، وأنه مع إنشاء المحاكم المتخصصة فإن استجابة العدالة الجنائية لقضايا العنف ضد النساء والأطفال ستتحسن إلى حد كبير".