رست أكبر مكتبة بحرية متنقلة في العالم، السفينة "Logos Hope"، على رصيف ميناء بنغازي حاملة على متنها آلاف العناوين لكتب متنوعة، بعد 12 عاماً من الغياب عن المدينة التي رست على شواطئها للمرة الأخيرة عام 2010 وبعد 15 سنة من زيارتها الأولى 2007.
وقبل أن تحط السفينة رحالها على شواطئ بنغازي سبقها جدل كبير في شأن طبيعة المهمات التي تجوب من أجلها بحار الدنيا بلا توقف منذ سنوات طويلة، وحديث من شؤون الأوقاف الإسلامية عن مهمات تبشيرية تقوم بها لنشر الديانة المسيحية، مما خلق جدلاً واسعاً بينها وبين التيارات المدنية التي تؤيد الزيارة.
وأدار كثير من سكان بنغازي ظهورهم لهذا الجدل الذي بات معتاداً ومكرراً بالنسبة إليهم، وتوافدوا على اقتناء الكنوز المعرفية التي حملتها إليهم "Logos Hope" من وراء البحار، والتي تنوعت جواهرها الثمينة من كل ضروب العلوم والآداب.
حمولة ثقافية ضخمة
يضم المعرض العائم مجموعة كبيرة من الكتب تشمل أكثر من 5 آلاف عنوان، وتتنوع مواضيعها بين العلوم والرياضة وفن الطبخ والفنون والطب والمعاجم واللغات باللغتين العربية والإنجليزية.
ويعمل على متن السفينة متطوعون من 60 جنسية مختلفة، وتقوم منذ العام 2009 برحلات بحرية بلا توقف إلى أغلب الموانئ الدولية، محملة بعشرات الآلاف من الكتب لبيعها، وتصنف بأكبر مكتبة متنقلة في العالم.
ورحب رئيس المجلس التسييري لبلدية بنغازي الصقر بوجواري بزيارة السفينة "لوغوس هوب" للبلدية، وإقامة معرض الكتاب العائم على متنها، معتبراً أن "هذه الزيارة تأتي في إطار انتقال المدينة من حال الحرب إلى حال الاستقرار والأمن".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال رئيس طاقم السفينة الأميركي راندي جريب لـ "اندبندنت عربية"، إن "هذه الزيارة الثالثة لنا لبنغازي، فالأولى كانت عام 2007 والثانية كانت عام 2010، ونحن نجوب مختلف قارات العالم فوق هذه السفينة التي تمثل الوطن بالنسبة إليّ ولزوجتي التي ترافقني دائماً، ويعمل معنا 300 شخص من 60 جنسية مختلفة، لذلك فهذه السفينة تبدو كمنظمة أمم متحدة صغيرة، ونزور أي دولة توجه لنا الدعوة ولا نفرض أنفسنا على أحد".
وتطرق جريب للجدل الذي أثير في شأن زيارة السفينة إلى مدينة بنغازي، وقال "لقد أتينا إلى هنا لتقديم المعرفة والأمل، والمسلمون يعتقدون أن المسيحي شخص سيئ لأنهم متأثرون بالسينما الأميركية التي تعرض كثيراً أفلاماً عن الحروب بين المسيحية والإسلام، وهذه ليست الحقيقة، إن المسيحية ليست ما ترونه في الأفلام، وأنا أعرف أن هذه ليست وجهة نظركم الحقيقية، ونحن هنا لنصنع حدثاً مهماً للناس وخلق صداقات ومشاركة الكتب معهم وتقديم كل مساعدة ممكنة".
وكشف عن أن بعض الكتب طلبت السلطات في بنغازي إزالتها من العرض بعد الجدل الذي سبق الزيارة، "عملنا مع الحكومة هنا وقد أزالوا بعض الكتب التي لا أعتقد حقيقة أنهم قرأوها، وبعض الكتب التي أزالوها مخصصة للأطفال باللغة الإنجليزية، لكن هذا لم يشكل مشكلة بالنسبة إلينا، لأننا هنا لتكوين صداقات وليس لخلق المشكلات".
وأجاب جريب عن ملاحظة لنا في شأن ارتداء النساء في الطاقم للحجاب على الرغم من أن أغلبهن غير مسلمات، قائلاً "الطاقم من النساء ارتدين الحجاب احتراماً لكم ولدينكم وعاداتكم، ولم يطلب منا أحد فعل ذلك، والنساء والرجال ينامون في غرف منفصلة ولا يوجد اختلاط مثل الذي ترونه في الأفلام، وزوجتي أيضاً ارتدت الحجاب".
الهرب من ضغط السياسة
الصحافية الليبية هند الهوني ترى أن "زيارة المعرض العائم لبنغازي خطوة هامة لإنعاش النشاط الثقافي للمدينة وإخراج سكانها من ضغط الظروف السياسية والأمنية التي تعيشها البلاد بشكل عام، وهي بالنسبة إليّ تجربة مميزة، خصوصاً أن لي ذكريات مميزة مع السفينة التي زرتها حينما رست على ميناء مدينتي عامي 2007 و2010".
وحول رأيها في الكتب المعروضة على ظهر السفينة، قالت الهوني "لاحظت قلة الكتب في شق الأدب العالمي، وتميزاً في الكتب الخاصة بالطفل والمرأة، لكنني أرى أن زيارة المعرض تمثل تجربة فريدة للأطفال مع تخصيص جناح مميز ازدان بروائع أدب الطفولة، إضافة إلى نشاطات مميزة بأفكار جديدة عليهم".
جدل يسبق الزيارة
وكان مكتب الأوقاف والشؤون الإسلامية في بنغازي فتح الباب لجدل جديد مع التيارات المدنية بعد اعتراضه على زيارة السفينة وطبيعة المهمات التي تجوب من أجلها محيطات العالم بلا توقف، ودعا "سكان المدينة بخاصة والليبيين عامة إلى عدم التعامل مع السفينة ’لوغوس هوب‘ التي يقام على متنها معرض عائم للكتاب، سواء بالشراء أو بالقراءة أو التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي".
وأعرب مكتب الأوقاف في بيان عن أسفه لوصول السفينة إلى ميناء المدينة، واصفاً إياها بـ "التنصيرية"، وقال إن "نشاط هذه السفينة يتمثل في العمل التنصيري تحت غطاء المنظمة التبشيرية التنصيرية (OM)".
وطالب المكتب سكان بنغازي بـ "عدم الانجراف خلف الدعوات المضللة التي تزين الباطل في صورة الثقافة والتعلم وتقبل الآخر وحرية الاعتقاد".
وأواخر يوليو (تموز) الماضي ألغى المجلس البلدي بمصراتة استضافة المعرض العائم بسبب تلقيه عدداً التحفظات من جهات اعتبارية رأت أن المعرض قد يؤدي إلى توجيه رسائل عبر جهات تتعارض في أنشطتها مع قوانين الدولة الليبية، وقال إن "قراره جاء بعد أن كلف مجموعة من المستشارين والمتخصصين للبحث عن حقيقة وخلفيات وصحة هذه التحفظات، إذ قرر ضرورة إلغاء هذه التظاهرة وإيقاف استضافة السفينة المعنية بميناء مصراتة البحري، حرصاً على عدم إثارة أي لغط".
دعم واعتراض
الإعلامي الليبي محمد بزازة دعم موقف مكتب الشؤون الإسلامية وقال "بغض النظر عن هوية السفينة وخلفيتها لكن البيان يؤكد أن بنغازي ليست ’وكالة من دون بواب‘، وأن ما هو مخالف لهويتنا قد تمت إزالته، كما ستتم إزالة ما قد يثبت مخالفته لاحقاً".
وأضاف بزازة، "بعيداً من جدل السفينة واصطياد بعضهم في الماء العكر، شخصياً سأنتظر ’سيلفيات‘ كل من همز ولمز وأثار الجدل من شريحة المثقفين ومحبي الاطلاع بجانب الكتب داخل السفينة، ويبقى الواعظ بنية الإصلاح وبدافع الغيرة والمسؤولية مجتهداً في دوره الدعوي الإرشادي دونما إجبار أو عنف كما يدعي بعضهم، وهو دور دعوي أصبح يصفه المذبذبون في زمن الغربة عناداً وجهلاً بأنه وصاية على العقول".
انغلاق فكري
من جانبه، اعتبر الصحافي الليبي هشام يوسف أن "ما أثير من إشاعات ومخاوف حول زيارة السفينة لبنغازي دليل على انغلاق فكري عند بعض التيارات الدينية، ولا داعي له ولا أساس من الصحة".
وأضاف، "نحن بحاجة في هذه المرحلة أكثر من غيرها إلى فتح بواباتنا لمثل هذا التبادل الثقافي والتعرف على النتاج الفكري والأدبي المميز التي تجود به أفكار الكتاب في قارات الدنيا، ومحاولة الحجر على الأفكار والثقافات عفا عليها الزمن في العهد السيبراني الجديد".
وأشار إلى أن "الأفكار التي يخشاها بعضهم موجودة على الإنترنت ويمكن الوصول إليها بسهولة وبعيداً من عيون أي رقيب، ولذلك علينا أن نفكر بطريقة مختلفة لأن العصر مختلف ويجب مسايرته بأفكار أكثر انفتاحاً وتقدمية".