تمكنت شركة "ديب مايند للذكاء الاصطناعي - DeepMind AI" التابعة لـ"غوغل" (وهي شركة بريطانية رائدة في الذكاء الاصطناعي استحوذت عليها "غوغل" في عام 2014) من توقع البنية ثلاثية الأبعاد لمعظم البروتينات المعروفة علمياً، وهو تقدم من شأنه أن يقود إلى إدراك أفضل للأمراض الوراثية النادرة، والمساعدة أيضاً في تطوير لقاحات وأدوية جديدة.
هذا وكانت شركة "ديب مايند" قد أعلنت في الثامن والعشرين من يوليو (تموز) الماضي أن برنامجها "ألفا فولد للذكاء الاصطناعي - AlphaFold AI" قد تمكن من تفكيك بنية أكثر من 200 مليون بروتين – وهو ما يمثل كامل "عالم البروتينات" التي تمكن العلماء من معرفتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعد البروتينات اللبنات الأساسية للحياة (فهي جزيئات حيوية ضخمة تدعم كل عملية بيولوجية في كل كائن حي) وتضطلع بوظائف كثيرة ومتنوعة منها توفير بنية حيوية للخلايا والكائنات، ونقل الجزيئات من مكان إلى آخر، وتحفيز التفاعلات الكيماوية الحيوية في الجسم كالإنزيمات. ويضطلع الهيكل ثلاثي الأبعاد الفريد من نوعه الذي تتخذه كل من هذه البروتينات في الجسم، عن طريق طي السلاسل الخطية من بقايا الأحماض الأمينية المكونة لها، بدور رئيس في وظيفتها.
لعقود خلت، حاول علماء الأحياء توقع البنية الهيكلية لهذه البروتينات من خلال مجموعة من الوسائل التجريبية الباهظة التكلفة، بما فيها استخدام أساليب مضنية كانت تستغرق وقتاً طويلاً مثل علم التصوير البلوري بالأشعة السينية أو المجهر الإلكتروني.
لكن مع ظهور أجهزة الكمبيوتر بنى الباحثون نماذج افتراضية لطريقة طي سلاسل الأحماض الأمينية المكونة للبروتينات في ظروف مختلفة، وسبل توصلها إلى بلورة البنية ثلاثية الأبعاد المجملة للبروتينات.
ومع إطلاق برنامج "ألفا فولد" في عام 2020 استخدم أكثر من نصف مليون باحث في مختلف أنحاء العالم تطبيق الذكاء الاصطناعي هذا لاختراق بنية "جميع البروتينات المفهرسة تقريباً والمعروفة للعلم".
وكشفت الشركة عن أن برنامجها هذا قد تعامل مع نحو 100 ألف كتلة بروتينية مطوية معروفة (عملية ثني سلسلة البولي ببتيد لتصبح بروتيناً نشطاً بيولوجياً في الهيكل الأصلي ثلاثي الأبعاد) -سبق أن فككها العلماء- ومنها تعلم الذكاء الاصطناعي طرق فك شيفرة الباقي.
التطور الجديد، كما تقول شركة "ديب مايند"، سيوسع "قاعدة بيانات بنية البروتينات لبرنامح "ألفا فولد" Protein Structure Database (AlphaFold DB) من نحو مليون بنية إلى أكثر من 200 مليون بنية، مع إمكان تسريع وتيرة التقدم في حل بعض معضلات العالم، "بدءاً من التلوث البلاستيكي، وصولاً إلى مقاومة المضادات الحيوية".
وأشارت الشركة في بيان صادر عنها إلى أن التحديث الجديد أضاف البنيات المتوقعة للبروتينات الموجودة في النباتات والبكتيريا والحيوانات والكائنات الحية الأخرى، والتي قد تساعد في حل مشكلات عالمية مهمة، "بما فيها الاستدامة، الأمن الغذائي وكذلك الأمراض المهملة (التي لا تلقى اهتماماً عالمياً كافياً)".
ديميس هاسابيس رئيس شركة "ديب مايند" قال في مؤتمر صحافي، "يمكن النظر إلى الموضوع باعتبار أنه يغطي عالم البروتين بأكمله. نحن الآن على مشارف حقبة جديدة من البيولوجيا الرقمية".
من خلال التوقعات الجديدة لبنيتها، سيكون بمقدور العلماء الآن تكوين فهم أفضل فيما إذا كان هنالك أي ارتباط بين الأشكال المتنوعة للبروتينات من جهة، والتي تكون مختلفة بين الأفراد، وبين بالأمراض من جهة أخرى. فعلى سبيل المثال، تساعد بنى البروتينات التي توقعها برنامج "ألفا فولد" في تطوير أدوية للأمراض المدارية المهملة (تكثر في المناطق الاستوائية أو شبه الاستوائية نتيجة للطقس الحار والرطوبة المرتفعة) مثل داء "الليشمانيات" Leishmaniasis (مرض طفيلي تسببه لدغة من ذباب الرمل) ومرض "تشاغاس" Chagas (يسببه طفيل ينتقل إلى الحيوانات والبشر)، وهي أمراض تؤثر بشكل غير متناسب في الناس في المناطق الفقيرة من العالم. وكذلك في أبريل (نيسان) من العام الحالي استخدم علماء في "جامعة ييل" الأميركية قاعدة بيانات برنامج "ألفا فولد" لتطوير لقاح جديد لداء الملاريا.
فمن خلال اختراق بنية البروتينات الرئيسة في الجسم، والمرتبطة بالأمراض، سيتمكن العلماء من تصميم أدوية من شأنها أن تنشط تلك البروتينات المختلة، أو أن تأخذ دورها، أو أن تقمع تلك التي تسبب الأمراض.
وفك شيفرة تركيبة البروتينات لا يساعد في علاج الأمراض فحسب، بل يمكن أن يسهم أيضاً في وضع حلول للقضايا البيئية العالمية. وكمثال على ذلك، تعاون باحثون مع شركة "ديب مايند للذكاء الاصطناعي" من أجل تطوير إنزيمات سريعة المفعول تساعد على تحلل وإعادة تدوير بعض المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد والأشد تلويثاً للبيئة.
إريك توبول مؤسس ومدير "معهد سكريبس ترانسليشونال ريسيرش - Scripps Research Translational Institute " قال إن "برنامج "ألفا فولد" يعد التقدم الفريد والمهم في علوم الحياة والذي يبرهن على قوة الذكاء الاصطناعي. ففيما كان تحديد البنية ثلاثية الأبعاد للبروتين يستغرق شهوراً أو سنوات عدة بات الأمر لا يستغرق سوى بضع ثوان في الوقت الراهن".
وخلص توبول إلى القول إن "الشركة قد قامت بالفعل بتسريع وتمكين الاكتشافات العلمية الضخمة، بما في ذلك اختراق بنية «مجمع المسام النووي - Nuclear Pore Complex» (بوابات تربط بين نواة الخلية والسيتوبلازم، وتتكون من أكثر من 30 بروتيناً مختلفا). ومع هذه الإضافة الجديدة للبنى، والتي تضيء تقريباً على كامل عالم البروتين، يمكننا أن نتوقع حل مزيد من الألغاز البيولوجية كل يوم".
© The Independent