مع عودتهم إلى بساتينهم بعد حرب دارت رحاها أعواماً، تبددت أحلام مزارعي الفستق السوريين الذين كان يحدوهم الأمل بإحياء محصولهم الثمين، وذلك بسبب احتراق الأشجار والأضرار الناجمة عن تغير المناخ.
شجرة الفستق التي تزينها عناقيد من الحبوب كستنائية اللون، ويجري حصادها في الصيف، تعرف بأنها "شجرة ذهبية في تربة فقيرة"، ما يعكس قيمة هذا المحصول الذي يصدر منذ أمد طويل إلى الشرق الأوسط وأوروبا.
فستق الصراعات
يقول المزارع نايف إبراهيم إن المزارعين بالقرب من قرية معان شمال غربي سوريا يحصدون ربع المحصول الذي كانوا يجمعونه قبل اندلاع الحرب.
ترك إبراهيم وأفراد عائلته مزارعهم عندما امتد القتال إلى المنطقة خلال الصراع الذي نشب عام 2011. وعادوا بعدما طردت القوات الحكومية مقاتلي المعارضة في 2019.
إبراهيم أكد أنهم وجدوا أشجار الفستق مقطوعة أو محترقة بسبب الصراع، وتحتاج الأشجار الجديدة التي غرسوها إلى 12 عاماً لتؤتي ثمارها.
ويوضح أن جني حصاد وفير من مزرعته سيستغرق وقتاً أطول على الأرجح في ظل تباطؤ الانتعاش، بسبب "قلة الأمطار مع التغير المناخي بشكل عام، ونقص المواد الأساسية التي يحتاج إليها الفلاح من أسمدة وأدوية ومبيدات".
وشهدت سوريا أسوأ موجة جفاف في ما يربو على 70 عاماً خلال السنة الماضية، إذ تضررت المحاصيل في جميع أنحاء البلاد بشدة، وفقاً للجنة الإنقاذ الدولية.
وقدر إبراهيم أن حقوله شهدت نصف كمية الأمطار التي كانت تسقط في الأعوام السابقة، وليس لديه أي خيار آخر في ظل ارتفاع كلف الوقود المطلوب لضخ المياه.
وقال إن التربة الغنية بالمغذيات التي يمكن أن تساعده على زيادة الإنتاج إما غير متوافرة أو تحتاج إلى كلف كبيرة.
وأضاف "أحتاج إلى سماد. لكن لا يوجد أي شيء. وأحتاج إلى الماء. ولا يوجد أيضاً".
حصاد الفجر
تعطل استيراد الوقود والأسمدة والمستلزمات الزراعية الأخرى في سوريا بسبب العقوبات الغربية المفروضة منذ ما يقرب من عقد وانهيار العملة المحلية، والآن الصراع في أوكرانيا، كلها عوامل أدت إلى ارتفاع الأسعار العالمية.
وشدد الغرب عقوباته على الحكومة السورية منذ اندلاع الصراع في 2011 بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، لكن عدداً من السوريين يقولون إن المواطنين العاديين هم من تحملوا وطأة هذه العقوبات.
وقال إبراهيم "اليوم ليست لديّ مبيدات، فمن الصعب تأمينها بسبب الحصار الاقتصادي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حاول بعض المزارعين إيجاد حلول بديلة عن طريق تركيب ألواح شمسية في أحد بساتين الفستق لتشغيل آلات الري.
ويتم حصاد الفستق عند الفجر وغروب الشمس، وهو الوقت الذي تنفصل فيه قشرته بشكل طبيعي، لتصدر صوت قرقعة يرشد المزارعين إلى الثمار التي حان وقت قطافها.
يوضع الفستق في آلات لتقشره وتصنفه بحسب الحجم قبل تعبئته في أجولة بوزن 50 كيلوغراماً مكتوب عليها "الفستق الحلبي"، وهو الاسم الذي يشتهر به في معظم أنحاء الشرق الأوسط.
خيبة أمل
يقول المزارع يوسف إبراهيم بينما يمسك بحفنة من الفستق الطازج في يده، إنه يشعر بخيبة أمل من حجم الحبوب، فـ"هذا العنقود لو كان هناك ري كافٍ من المفروض أن تكون حبته أكبر من ذلك".
يعاني المزارعون في جميع أنحاء سوريا من مشكلات مماثلة، وسط مؤشرات إلى ضعف محصول القمح، مما يزيد المخاوف في شأن الإمدادات الغذائية في بلد تقول الأمم المتحدة إن عدد من يحتاجون إلى مساعدات فيه أصبح أكبر من أي وقت مضى منذ عام 2011.
وشرح المهندس جهاد محمد، مدير "مكتب الفستق الحلبي" في وزارة الزراعة السورية أن زراعة الفستق عانت بسبب الحرب، مشيراً إلى انتشار قطع الأشجار في المناطق التي يزرع فيها.
وأضاف أنه "على الرغم من ذلك، استمرت صادرات الفستق السوري إلى أسواق عربية، أولها السعودية، ثم مصر والأردن ولبنان وبعض الدول الأجنبية".