تداولت وسائل إعلام سودانية خلال اليومين الماضيين، ما يفيد بأن البلاد تتجه لإبرام صفقة لشراء طائرات مقاتلة من الصين من نوع "جي – 10 سي إي" (J-10CE)، وذلك لتعزيز قدراتها العسكرية للتصدي للتحديات التي تواجهها من سلاح الجو الإثيوبي، إثر الخلاف الحدودي بين البلدين على أراضي الفشقة التي استردتها الخرطوم نهاية عام 2020، بعدما كانت تسيطر عليها جماعات إثيوبية لفترة ربع قرن.
ومعلوم أن السودان والصين ارتبطا بعلاقات متميزة خلال الأعوام الثلاثين الماضية، إبان حكم الرئيس السابق عمر البشير، فكانت بكين مورد الأسلحة الرئيس للخرطوم، في ظل حظر غربي على بيع الأسلحة للسودان بسبب اتهامه برعاية الإرهاب. ووقع البلدان عام 2015 اتفاقاً للتعاون العسكري، وعلى منحة مقدمة من الصين لدعم برامج التعليم في المؤسسات التابعة للجيش السوداني.
لكن كيف ينظر المراقبون إلى خطوة التعاون العسكري بين الجانبين في ظل تطور علاقات الخرطوم مع واشنطن بعد عزل البشير في أبريل (نيسان) 2019، واهتمام الجانب الأميركي أخيراً بإيجاد موطئ قدم في القارة الأفريقية وتوسيع العلاقات معها؟
وسبق لرئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان أن وصف العلاقات السودانية - الصينية بـ"الأزلية"، مشيراً إلى أنها "تسير بخطى ثابتة نحو الأفضل"، بخاصة في المجال العسكري.
شريك استراتيجي
في السياق، صرح نائب رئيس هيئة الأركان، المتحدث الرسمي الأسبق باسم القوات المسلحة السودانية، الفريق أول ركن محمد بشير سليمان أن "تعاون بلاده عسكرياً مع الصين يأتي في إطار صراع المحاور بين الشرق والغرب ضمن مرحلة الحرب الباردة التي عادت مرة أخرى. وبحكم الواقع لا يمكن أن تقف أي دولة في العالم مكتوفة الأيدي وأمنها القومي مهدد، ولعلها فرصة سانحة للصين وروسيا في ظل وجود قوة متحكمة وذات نفوذ كأميركا، أن تجدا لهما دولة حليفة تتمتع بأفضل موقع جيوستراتيجي لم يستغل الاستغلال المفيد، وظلت كل من واشنطن وتل أبيب تبحثان عنه طيلة الأعوام الماضية باستخدام كل السبل والإغراءات". وأضاف، "كما هو معلوم أن معظم التسليح السوداني صيني الصنع، ومن البديهي أن تتجه أي دولة لتأمين حاجات قواتها المسلحة من القطع المختلفة من خلال البحث عن شريك استراتيجي يؤمن لها حاجاتها الدفاعية. ومؤكد أن أميركا في إطار حماية سياساتها الخارجية وما تتبعه من معايير مزدوجة واستهداف للسودان، ستسعى إلى التأثير في أهم ما تحتاجه الأخيرة من وسائل الدفاع، لكن في تقديري أن الصين لا تلقي بالها لذلك بحكم الصراع القائم بين الدول العظمى".
وأوضح سليمان أن "العلاقات بين السودان والصين في المجالات كافة أخذت بعداً استراتيجياً لأكثر من 30 عاماً، وكان بالغ تأثيرها في إطار البعد السياسي وتطور بدخول الصين كمورد أساسي للسلاح في البلاد"، مؤكداً أن "معظم الدول التي من حولنا تعتمد على السلاح الصيني".
وأردف أن "واشنطن وفي ظل سعيها للاستقطاب السياسي للدول، لا تعطي السلاح المتطور المزود بالتقنية المتقدمة ذات التحكم عن بعد، بل تعطي السلاح ومن ضمنه الطائرات المقاتلة من دون وسائل تقنية ليصبح كما هو السلاح الصيني، بالتالي لا يفيد كثيراً، فهذه سياسة أميركا واستراتيجيتها في التعامل مع شركائها وحلفائها التجاريين، وهي تحتفظ بإنتاجها المتفوق في مجال التقنية العسكرية من أجل حماية إسرائيل وأمنها القومي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تنوع السلاح
في السياق، أفاد نائب رئيس تجمع قدامى المحاربين السودانيين، العميد معاش السر أحمد سعيد بأن "الصين ترتبط بعلاقات حميمية مع السودان منذ فترة الثورة المهدية (1885- 1898) ومقتل الحاكم البريطاني للسودان غردون باشا الذي كان يلقب بـ"غردون الصيني"، فهذه الحادثة خلقت نوعاً من الحميمية بين البلدين، وتعمق تعاون الدولتين خلال حكم الرئيس جعفر نميري (1969- 1985)، بخاصة في مجال البنية التحتية، بحيث تمت الاستفادة من الخبرات الصينية في هذا المجال، لكن لم يصل التعاون إلى مستوى التحالف السياسي أو الاقتصادي أو العسكري، ليكون التطور الأكبر في العلاقات من الناحية العسكرية خلال عهد البشير (1989- 2019) نتيجة للعقوبات التي فرضتها واشنطن على نظام الخرطوم لرعايته الإرهاب، ما جعله يبحث عن شريك يؤمن له حاجاته العسكرية وغيرها".
وتابع سعيد، "بصورة عامة، إن التعاون مع الصين عسكرياً مهم جداً من ناحية تنوع السلاح حتى لا تقع البلاد تحت رحمة دولة واحدة، فضلاً عن أن دول العالم الثالث كافة تعتمد على بكين في تأمين حاجتها الدفاعية، لكن عملية التعاون العسكري تتطلب أن تكون ملماً بأصول وفنون اللعبة في هذا المجال. وهذا لا يمنع أن تتعاون مع كل الأطراف من أجل إيجاد التوازن في العلاقات، فمن المعلوم أن ليس هناك عداء دائم بين الدول، فالمهم أن تدير علاقاتك الدولية بشيء من الحنكة والذكاء والحذر".
ونوه نائب رئيس "تجمع قدامى المحاربين السودانيين" إلى أن "عملية التحديث مهمة جداً في المجال العسكري سواء في المعدات أو التدريب وغيره، بخاصة أن السودان يمتلك حدوداً واسعة مع دول ملتهبة من ناحية الصراعات كتشاد وجنوب السودان وإثيوبيا وليبيا. وتملك الصين مقدرات عالية في الصناعات الحربية وإن كانت لا تصل إلى مستوى كفاءة الأميركيين، لكن تؤدي الغرض والمهمات بالشكل المطلوب".
دعم لوجستي
وكانت مصادر عسكرية صينية أفادت بأن السودان يعد من أكثر الدول حماسة في أفريقيا لاستخدام أنظمة الأسلحة الصينية، كونه يدرك ويفهم استخدام وتدريب الطائرات المقاتلة الصينية. بيد أن تطور العلاقات وازدهارها بين الدولتين بشكل ملحوظ ولافت في المجالات شتى، لا سيما صناعة الطيران والقوات الجوية الصينية، دفعا بكين إلى إنشاء نظام للدعم اللوجستي للطائرات المقاتلة الصينية في السودان.
وتأكيداً على متانة العلاقات بين البلدين، أعلن السودان على لسان وزير خارجيته المكلف علي الصادق تأييده لمبدأ "صين واحدة" باعتبار تايوان جزءًا لا يتجزأ من التراب الصيني. وأضاف الصادق، "كما تؤيد الخرطوم جهود جمهورية الصين الشعبية في الدفاع عن سيادتها ووحدة أراضيها"، لافتاً إلى أن "السودان يحتفظ منذ إنشاء التمثيل الدبلوماسي مع جمهورية الصين الشعبية بعلاقات تعاون سياسي واقتصادي ودبلوماسي متميزة مع بكين، ويتبادل البلدان المنافع والمصالح المشتركة، كما يتبادلان الدعم والمساندة في المحافل الإقليمية والدولية".