يتحول الحمام الشعبي التقليدي في المغرب من فضاء لإزالة أدران البدن إلى مكان للتنفيس وتبادل "النمائم النسائية"، وأيضاً للتلصص، وأحياناً وسيلة لخطبة الفتيات.
ويشهد الحمام الشعبي في المغرب "مهنة استثنائية" قلما توجد في بلدان أخرى، هي مهنة الطيابة أو الكسالة، التي تزاولها سيدة يتعين أن تكون خدومة صبورة على حرارة الحمام، وعلى تلبية طلبات الزبونة من فرك الجسم وجلب الماء وتوفير ظروف الراحة للسيدة المستحمة، مقابل مبلغ مالي رمزي.
طقس لا بد منه
لا تستغني بعض المغربيات عن طقس ارتياد الحمام الشعبي التقليدي (البلدي) لأنه يؤدي بالنسبة إليهن وظائف عدة تتجاوز غسل الجسد، أو إزالة الطبقات الميتة من الجلد، وحتى الاسترخاء وسط الحرارة المرتفعة للحمام.
فغالباً ما تذهب المغربيات إلى الحمام الشعبي أيام الجمعة أو السبت أو الأحد، باعتبار أنها فترة نهاية الأسبوع التي تتوج أياماً حافلة بالعمل والروتين والتعب، سواء كانت السيدة موظفة أو عاملة أو حتى ربة بيت.
تقول السيدة عائشة رنان، وهي أم لطفلين، إنها لا تتصور التخلي عن طقس الذهاب إلى الحمام الشعبي مرة في الأسبوع إلا في حال المرض أو السفر، أو لغرض طارئ فوق طاقتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبخصوص الأمور التي تغريها في الحمام النسائي الشعبي، أوضحت أنها تفرغ كل طاقتها السلبية في هذا الحمام بفضل عملية الغسل والفرك، فضلاً عن كونه فرصة للقاء عدد من جاراتها وصديقاتها اللاتي يضربن موعداً معها في حمام الحي.
أما السيدة فوزية منتصر، فتقول إنها تذهب إلى حمام شعبي في حي آخر غير الحي الذي تقطنه تفادياً لملاقاة جاراتها الفضوليات، وأيضاً حتى تلتقي نساء ووجوهاً جديدة يجمعهن البوح النسائي العفوي.
تشرح المرأة "في حمام الحي، يصعب البوح بكثير من الأشياء لأن الصديقات والجارات يترصدن كل كلمة أو تعليق ويتصيدن كل خبر، بينما الحمام البعيد يمكن البوح فيه أمام نساء غريبات عن كل ما يجول في ذهني، وأسمع قصص النساء بعفوية ومن دون حواجز مصطنعة".
تجسس ونقل أخبار
يرى بوزيد الغلى، الباحث في التراث والثقافة الشعبية أن الحمام الشعبي يغص، خصوصاً يوم الجمعة بالزبائن، فلا شيء يغني عن الغسل في هذا اليوم"، متابعاً أن "الناس يظنون أنه طقس واجب ومفيد، وتضمن حرارته المرتفعة إزالة الطبقات الميتة من الجلد وانفتاح مسامه".
ويعتبر الغلى أن "حمام النساء ليس فقط فضاء للنميمة بقدر ما هو مؤسسة منفتحة على الهامش، ومنغرسة في صلب مخيال المجتمع التقليدي، ففيه يتم التعارف، ونسج العلاقات الأسرية والاجتماعية، لكنه ليس سالماً بالضرورة من خوارم المروءة وفساد الأخلاق".
ويستدرك "في بعض الحالات، يتحول حمام النساء إلى فضاء للتجسس ونقل الأخبار، وأيضاً تقع بعض الحوادث الطريفة والغريبة التي تنشرها الصحف بين الفينة والأخرى، من قبيل ضبط رجل داخل حمام للنساء، أو تصوير سيدات للمستحمات".
كما يستحضر الغلى رواية "ليون الأفريقي" التي سرد فيها أمين معلوف قصة بطل الرواية الذي يلتحف ثوب امرأة ويندس وسط النساء داخل الحمام ليتلصص على أجسادهن من طرف خفي قبل أن يغادر من دون أن يكتشف أمره".
خطابة الحمامات
وسط حرارة الحمام والازدحام، يتم أحياناً نسج علاقات أسرية واجتماعية من خلال التطفل على مستحمات بعينهن، وهكذا تحرص الخطّابة، وهي السيدة التي تتكلف البحث لرجل أو أسرة عن عروس معينة، على ولوج الحمام لهذا الغرض.
تحكي الخطابة سعاد أن مهمتها تتمثل في تنفيذ طلبات بعض الأسر التي تكلفها أحياناً معرفة تفاصيل معينة عن عروس بعينها، حتى تكون لائقة بالعريس.
وتكمل أنها تحرص على معرفة من تكون العروس المرشحة، ومواعيد ذهابها إلى الحمام الشعبي إذا كانت من زبوناته، ثم الدخول إليه بدورها على أساس أنها مستحمة عادية، لتجمع التفاصيل المطلوب تقديمها في "تقرير شفوي" لوالدة العريس.
بالتالي، يلعب الحمام النسائي الشعبي أحياناً دوراً في خطبة الفتيات ووعود الزواج من طرف النساء الخبيرات في هذا المجال، باعتبار أنه فضاء ينكشف فيه المستور.
كسالة الحمامات
وفي الحمام الشعبي النسائي أيضاً، مهنة تتطلب الجلد والصبر هي الطيابة أو الكسالة التي تضطلع بأدوار عدة منها فرك جسد الزبونة وتدليك أطرافها بالصابون البلدي، كما تعمل على خدمتها بجلب الماء لها، والوقوف إلى جانبها لحين تنتهي فترة استحمامها.
تتلقى الكسالة أجراً مالياً متواضعاً في العادة مقابل خدمتها داخل الحمام النسائي، يبدأ بمبلغ 20 درهماً (دولاران)، ويصل إلى 100 درهم (10 دولارات)، غير أن مزاولة هذه المهنة تلاقي أحياناً شكاوى من بعض الزبونات أو تذمرهن أو تعاليهن.
في هذا الصدد، يقول الباحث بوزيد الغلى إنه في حمامات النساء تقوم الطيابة بدور فاعل في تدليك أجساد النساء مقابل أجرة، مضيفاً أنها تمثل العمود الفقري للشخصيات البارزة داخل الحمام، مما يمكنها من نسج علاقات تواصلية مع مرتاداته.
ويتابع أن "نسج علاقات تواصلية مع مرتادات الحمام الشعبي يعد مقدمة أساسية لأداء وظائفها الاجتماعية، فهي عامل مساعد في اختيار الأمهات الزوجة المناسبة لأبنائهن، إذ تتحول الكسالة بذلك إلى خطابة".