في خضم واحدة من أسوأ فترات الجفاف في التاريخ البريطاني، أعطى كوازي كوارتنغ، وزير الطاقة البريطاني العضو في "حزب المحافظين"، موافقته أخيراً على استهلاك محطة نووية جديدة لإنتاج الكهرباء ما يربو على 20 مليار ليتر من المياه.
في الحقيقة، سيتعين على فرد بريطاني إغلاق جميع الصنابير لديه طوال 385 ألف سنة بغية توفير هذا القدر من المياه. وما يزيد الطين بلة، أن محطة الطاقة الجديدة واسمها "سايزويل سي" Sizewell C ستقام في إيست أنغليا East Anglia، علماً بأنها إحدى أكثر المناطق جفافاً في بريطانيا.
عليه، ليس مستغرباً أن تتقدم مجموعة "توغيزر أغينست سايزويل سي" (معاً ضد سايزويل سي) Together Against Sizewell C (TASC) بطعن قانوني ضد قرار الحكومة البريطانية.
وافق كوارتنغ على أن تستهلك المحطة النووية تلك الكمية من المياه على الرغم من أن التحقيق في شأن المخطط يوصي بالرفض للسبب التالي تحديداً: عدم الوضوح حيال المصدر الذي ستتأتى منه المياه اللازمة لإنشاء محطات الطاقة النووية وتشغيلها. أضف إلى ذلك أنهم لا يعرفون أين ستلقى المخلفات النووية!
الأسبوع الحالي اضطرت فرنسا إلى تقليص عملياتها المتصلة بتشغيل محطات الطاقة النووية لأن مياه الأنهار الباردة لم تكن كافية أو كانت ساخنة جداً، في خضم صيف آخر شديد الحرارة تقاسيه البلاد.
طلب إلينا، وذلك عين الصواب، الترشيد في صرف المياه من قبيل الابتعاد عن استعمال خراطيم المياه وعدم فتح صنابير المياه إلا عند الضرورة، ولكن النقاش حول حماية مياه الشرب والحياة البرية يعوزه التطرق إلى المياه المستهلكة بواسطة محطات الفحم والغاز والطاقة النووية في بلادنا.
في الواقع، يستحوذ إنتاج الطاقة على 44 في المئة من كل استخدامنا للماء في مختلف أنحاء أوروبا، أي ما يزيد على ضعف ما يجد طريقه إلى إمدادات المياه العامة لدينا.
صحيح أن البحر ربما يشكل المصدر الرئيس للمياه التي تستهلكها محطة "سايزويل سي"، غير أن مجرد بناء المفاعلات النووية سيلزمه ما يصل حتى 12.75 مليار ليتر من المياه العذبة (3.5 مليون يومياً على مدى عشر سنوات ستستغرقها أعمال البناء) ثم 7.3 مليار أكثر في السنوات العشر الأولى من التشغيل، أي ما يعادل مليوني ليتر من المياه يومياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حكومة بوريس جونسون/ ليزا تراس وعدت ببناء ثماني محطات نووية، في مشروع سيتطلب ما يصل حتى 80 مليار ليتر من المياه لإنشائها وتشغيلها طوال عشر سنوات. للأسف، هذه كميات مهولة من المياه ليست متوفرة لدينا.
عندما سألت وزارة كوازي كوارتنغ من أين ستأتي هذه المياه، لم أتلق إجابة عن السؤال، لكن المعنيين قالوا إن "محطات الطاقة النووية لا بد من أن تفي بمعايير صارمة تشرف عليها جهات تنظيمية مستقلة من قبيل "مكتب التنظيم النووي" و"وكالة البيئة."
ولكن لما كانت أنهارنا تفيض أصلاً بمياه الصرف الصحي وتكابد [مشكلات] الاستغلال المفرط، بسبب تراجع قدرة "وكالة البيئة" على الإشراف على المعايير اللازمة منذ أن حرمتها حكومة حزب المحافظين التمويل المطلوب- يبدو أن التصريح المذكور يستخف بذكاء الناس.
في حال إنشاء هذه المحطات النووية الباهظة الكلف، ستشغل بحلول أواخر أربعينيات القرن الحادي والعشرين، وبحلول ذلك الوقت سيتساقط فوق بريطانيا 15 في المئة أقل من الأمطار، وفق "وكالة البيئة".
نظراً إلى عدم وجود شبكة مياه محلية كافية لتزويد مبنى "سايزويل سي" الذي وافق عليه مفتش التخطيط، أشار البعض إلى اقتراح يقضي باستخدام أسطول من ناقلات المياه، أو خط أنابيب مياه من نهر "ويفيني"، أو بناء محطة تحلية مؤقتة.
بيد أنه، وفيما أكتب، قد نضبت أجزاء من نهر "ويفيني" تماماً من المياه في غمرة الجفاف. وتعتقد "وكالة البيئة" أن حماية الحيوانات البرية والبحرية التي تعتمد على النهر تقتضي أصلاً خفض استخراج المياه منه بنسبة 60 في المئة.
بالنسبة إليَّ يبدو جلياً أن فقط حكومة استولت عليها الصناعة النووية تمنح الضوء الأخضر لأسطول على هذه الشاكلة من محطات الطاقة التي تستهلك كميات مهولة من المياه، لا سيما في خضم أزمة المياه (ولكن، لم يكن أداء "الحزب الليبرالي الديمقراطي" أو "حزب العمال" أفضل كثيراً في ما يتصل بهذه المسألة). بالمقارنة مع محطات الطاقة النووية، البصمة المائية للطاقة النظيفة وتخزين الطاقة من مصادر متجددة، بمعنى كمية المياه التي يستهلكانها من مصادر المياه السطحية أو الجوفية، ضئيلة وتنتجان كهرباء أقل كلفة بأشواط.
مع تفاقم الضغط على إمدادات المياه، ستزداد الحاجة إليها من أجل الحفاظ على محاصيلنا وحياة الحيوانات. النبأ السار أن الناس بغالبيتهم الساحقة يدعمون مصادر الطاقة المتجددة أكثر بكثير من الطاقة النووية.
أما النبأ السيئ فهو أن بارونات الصحافة اليمينية الذين يباركون وصول ليز تراس إلى منصب رئيسة وزراء هم أيضاً من مشجعي لوبي الشركات النووية، ولكن في هذه المعركة، لا بد من أن ينتصر الشعب.
© The Independent