يسارع الشارع المعارض شمال سوريا إلى الوقوف ضد فكرة التقارب بين دمشق وأنقرة، عقب رسائل سياسية روسية وتركية ترمي نحو إحداث تغيير في خطط ميدان المعركة بين دولتين جارتين أقفلتا خطوط التواصل بينهما منذ اندلاع الحراك الشعبي عام 2011 وحتى اليوم.
وكان ناشطون في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة للنظام السوري في شمال وشمال غربي سوريا دعوا إلى تظاهرات حاشدة الجمعة، الـ 12 من أغسطس (آب)، احتجاجاً على تصريحات لوزير خارجية تركيا مولود تشاويش أوغلو دعا فيها إلى مصالحة بين دمشق والمعارضة لتحقيق سلام دائم.
وقال تشاويش أوغلو الذي كانت بلاده منذ بداية النزاع السوري عام 2011 من أبرز داعمي المعارضة السورية سياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً خلال مؤتمر صحافي في أنقرة الخميس، "علينا أن نجعل النظام والمعارضة يتصالحان في سوريا وإلا لن يكون هناك سلام دائم".
وأثارت تصريحاته غضب معارضين سوريين، فيما صدرت تباعاً دعوات إلى الخروج في تظاهرات عقب صلاة الجمعة في كبرى مدن الشمال السوري مثل أعزاز والباب وعفرين وجرابلس التي تسيطر عليها القوات التركية وفصائل سورية موالية لها تحت شعار "لا تصالح".
كما صدرت دعوات مماثلة إلى التظاهر في مدينة إدلب الواقعة تحت سيطرة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل أخرى أقل نفوذاً، وإلى التجمع قرب المعابر الحدودية مع تركيا.
إحراق العلم الأحمر
التظاهرات المنددة بنية التقارب عمت معظم مناطق سيطرة الفصائل المعارضة من ريف إدلب في الشمال الغربي إلى رأس العين في الشمال الشرقي، وهي بالتالي مدن تخضع للنفوذ التركي.
وعلى مدى يومين اشتعلت الاحتجاجات بشكل غير مسبوق، وتشير المعلومات الواردة إلى اتساع دائرتها في شتى قرى وبلدات ريف حلب، وعلى الرغم من عدم استخدام القوة المفرطة لتفريقها إلا أن القوى الأمنية اعتقلت شباناً في مدينة جرابلس بتهمة التحريض على التظاهر، لكنها سرعان ما أفرجت عنهم بعد ساعات إثر تضامن نشطاء معهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي المقابل أطلق الأمن الرصاص في الهواء لتفريق التظاهرات التي اقتربت من القواعد العسكرية من دون إصابات، لكن الأمر وصل بالمحتجين إلى إضرام النار في العلم التركي الأحمر داخل مدن عدة، وسارع وزير الداخلية التركي سليمان صويلو إلى إعلان اعتقال شخصين أحرقا علم بلاده، وغرد عبر حسابه الشخصي على "تويتر" قائلاً "القبض على المتهمين جاء إثر عملية عسكرية مشتركة قامت بها الاستخبارات الأمنية ومديرية الأمن بكلس، والشرطة العسكرية في مدينة إعزاز".
قنبلة في بحيرة
ويرجح الناشط السياسي جابر إدلبي اتساع رقعة التظاهرات واصفاً ما يحدث بـ "انفجار قنبلة وسط بحيرة"، ويعتقد أن الأمور حتى الآن تسير بشكل طبيعي، فلا مضايقات تحدث للمتظاهرين، مستدركاً "ثمة خطأ يرتكبه بعضهم بإحراق العلم التركي، فهو رمز وطني للأتراك ومن المعروف مدى وفائهم له، وفي الشمال السوري الخاضع لتركيا ينتشر هذا العلم فوق كل المراكز والنقاط المدنية والعسكرية والشوارع، وهذا التصرف سيعقد الأمور أكثر".
في غضون ذلك حذر أعضاء ومناصرون لما يسمى "حزب التحرير" من التصعيد وإزالة الإعلام التركية في كل من ريفي حلب وإدلب وإنزالها من أعلى المؤسسات، فيما وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان أكثر من 36 نقطة تظاهر في أرياف حلب وإدلب إضافة إلى مناطق نبع السلام، وسط هتافات ضد تركيا ورئيسها.
قراءة جديدة للملف
إزاء ذلك يرجح الباحث السياسي التركي فراس أوغلو في حديثه إلى "اندبندنت عربية" حدوث التقارب في نهاية المطاف لكن في شكل مؤسساتي لا سياسي، مردفاً أن "هناك ثلاثة مطالب لتركيا، أولها جلوس المعارضة مع الحكومة وهو أمر يحتاج إلى عشرات الجلسات للتوصل إلى اتفاق، وثانياً ضمان وحدة الأراضي السورية وهو ما يتطلب قانوناً جديداً يشمل الأطراف السياسية كلها، وثالثاً البدء بإنجاز حل دائم لا موقت".
وفي المقابل يعتقد الرئيس المشترك لمجلس "سوريا الديمقراطية" رياض درار تمكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من إقناع نظيره التركي خلال "قمة سوتشي" التي انعقدت في الخامس من أغسطس الحالي بالتوقف عن شن العملية العسكرية في مناطق شمال شرقي سوريا، من خلال إبرام اتفاقات اقتصادية وتجارية بين الطرفين لها نتائج داخلية تخدم الانفتاح ودعم الليرة التركية، مما يرفع أسهم الرئيس التركي.
من جانبه أعلن "الائتلاف الوطني السوري المعارض" في بيان أصدره في الـ 12 من أغسطس الحالي تعليقاً على التظاهرات، أنه "لا بد من تأكيد رفض ما حصل من تجاوزات وحرق علم دولة شقيقة اختلط دم أبنائها بدمنا في تحرير الأرض ومحاربة الميليشيات الإرهابية، وتستضيف مشكورة نحو 4 ملايين سوري على أرضها".
"لا تصالح" العبارة التي ينادي بها المتظاهرون على الأرض وفي الفضاء الافتراضي الأزرق تعيدنا إلى المعركة التاريخية الأشهر في عصر الجاهلية وهي "حرب البسوس" حين كانت الوصية أن لا تصالح، بينما تتفاوت التنبؤات المتناقضة بين الحرب والسلام، في حين يرى متابعون أن الحل السياسي قادم في نهاية المطاف، وإلا لماذا جلست وفود المعارضة والمجتمع المدني في مقابل وفد السلطة في جنيف مطالبة بحل سياسي وتغيير للدستور؟