تعيش الجزائر خوفاً من صراع هوية قد يشتعل في أي لحظة، بعد تأويلات وتصريحات تلت خطاب قائد الأركان أحمد قايد صالح، الذي قال إن هناك جهات تحاول اختراق المسيرات السلمية بعد تعدد الرايات المرفوعة لدرجة أنها غلبت الراية الوطنية. وهدد كل من يرفع راية غير الوطنية في المسيرات، بتطبيق القانون.
وعلى الرغم من أن قايد صالح شدد في خطابه الأربعاء 26 يونيو (حزيران) على أن الذين يعرقلون حل الأزمة يطعنون في صدقية كل مسعى، في إشارة ضمنية إلى أطراف تثير مسألة الهوية وتدفع إلى فهم خاطئ لتصريحات قائد الأركان، وتحرض على مواجهة بين الشعب والجيش خدمة لمصالح ضيقة.
من تغيير النظام إلى صراع الهوية؟
تغير المشهد في الجزائر من تغيير النظام إلى صراع حول الهوية. تحاول أطراف معروفة بإثارتها الفتن، اللعب على أوتاره للوصول إلى ما فشلت في تحقيقه في مناسبات ومواعيد عدة. وقد استغلت خطاب قائد أركان الجيش، لإشعال "معركة" بين أبناء الجزائر، في ما يتعلق بالأمازيغ والعرب، وهو الموضوع الذي عملت عليه فرنسا إبان استعمارها الجزائر. وتتخذه منذ الاستقلال، وفق ما يعتقد كثيرون من الجزائريين، ورقة ضغط وتهديد كلما حاول طرف "وطني" معروف في النظام الجزائري التحرك عكس سياستها ومصالحها، أي ما يحصل حالياً بعد الإسراع في تأويل جملة جاءت في تصريحات قايد صالح، بخصوص رفع رايات مختلفة خلال المسيرات على حساب الراية الوطنية، من دون أن يشير إلى الراية الأمازيغية أو الفلسطينية أو الصحراوية أو رايات أندية كرة القدم، لتتسارع الانتقادات وتتسابق التأويلات لتثير قضية أمازيغي وعربي.
تربص بالمؤسسة العسكرية
وتطورت الأمور بشكل متسارع ومثير عبر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، إذ حصل ما يشبه الانقسام بين مؤيد للجيش ومعارض له.
وزاد حالة الاحتقان اعتقال قوات الأمن متظاهرين حملوا رايات ترمز إلى الثقافة الأمازيغية، وإحالتهم إلى العدالة.
وأشار ناصر جابي، الباحث في علم الاجتماع السياسي إلى "نخب محافظة ويمينية تحاول أن تفتعل وتلعب على الشروخ الموجودة بدرجات متفاوتة، بغية تحقيق مكاسب انتخابية أو استمالة جزء من الرأي العام"، معرباً عن اعتقاده بأن المجتمع الجزائري سينجح في تجاوز القضية الهوياتية، اعتماداً على قاعدة صلبة يمكن القول إنها "سوسيو ديمغرافية"، متعلقة بالمصاهرات والتواصل ذي الطابع الاقتصادي والاجتماعي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال إن صراع الهوية مرتبط أكثر بالأجيال الكبيرة في السن، في حين أن غالبية المجتمع الجزائري الشاب تحاول أن تجاوز ذلك، ما تم التعبير عنه بنجاح في المسيرات التي أكدت بقوة تلاحم المكون العربي والأمازيغي في البلاد. وختم "لقد أثبت الجزائريون وحدتهم الوطنية برفضهم الدخول في حرب هوية".
تصريحات قائد المؤسسة العسكرية جاءت بعد رفع متظاهرين رايات أجنبية، وأخرى تشبه راية التنظيم الإرهابي "داعش" باللون الأبيض، وأخرى خاصة بحركة "الماك" التي تطالب بانفصال منطقة القبائل عن الجزائر، إضافة إلى رايات السكان الأمازيغ، التي سجلت حضوراً منذُ التظاهرات الأولى للحراك الشعبي.
فرنسا تحرك النعرات
في سياق متصل، أكد عبد الرحمن فاروقي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة الجزائر، في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن الراية الأمازيغية التي تُرفع في المسيرات منذ 22 فبراير (شباط)، تعبر عن جزء من الهوية المشتركة لسكان شمال أفريقيا، وليست خاصة بمنطقة محدّدة.
وعليه، لا تشكل تهديداً للوحدة الوطنية، لكن العلم الانفصالي السياسي، المرفوض شعبياً ورسمياً، حقيقةً يهدد تماسك الوحدة السياسية والترابية للبلاد، في ظل الدعم الذي يتلقاه من الخارج ومن فرنسا بشكل خاص، وهو من كان يقصده قائد الأركان. ورأى أن التفاعل بشكل سلبي مع خطاب قايد صالح، يعود إلى "حقد" على المؤسسة العسكرية من جهات مكلفة بمهمة لصالح الخارج، كما يعود لارتباطات مع "العصابة" من أجل إحداث فوضى، قد تُخلي سبيل رؤوس الفساد وتبعدهم عن العدالة.
قائد الأركان... "الجزائر وجهتنا"
وخرج الأربعاء، قائد الأركان بخطاب يبطل محاولات ضرب علاقة الثقة بين الشعب وجيشه، ويفضح المؤامرات التي تُحاك ضد الحراك، فقال إنه "ننتظر من شعبنا في كل ربوع الوطن، بل في كل شبر من أرض الجزائر الشريفة، بأن ينظر إلى كل خطوة نخطوها، وإلى كل مسلك نسلكه، وإلى كل عبارة ننطقها، وإلى كل وجهة نتجه إليها، وإلى كل نهج نعتمده. ننتظر من شعبنا تفهماً يرتقي إلى مستوى رصيد الثقة التي تجمع الشعب بجيشه".
وأكد أنه "من كانت الجزائر الأصيلة التي استشهد من أجلها الملايين وجهته الرئيسية، فلا شك أنه سيلتقي في هذه الوجهة السليمة مع الغالبية الغالبة من الشعب الجزائري الأصيل".
وأشار قايد صالح إلى مختلف العراقيل التي تعترض المسلك الذي تنتهجه المؤسسة العسكرية، قائلاً "هناك أشخاص يرون في كل عمل جدي ومخلص للوطن مساساً بمصالحهم ومصالح أسيادهم".