في محاولة لإحباط قدرات الفصائل الفلسطينية في غزة ومنعها من الوصول إلى الأراضي الإسرائيلية لتنفيذ عملية مسلحة، أعلن جيش تل أبيب تحييده نفقاً هجومياً تابعاً لحركة "حماس" وإخراجه عن الخدمة العسكرية بشكل نهائي.
لكن في رواية مخالفة لما نشرته إسرائيل حول تحييدها لأحد السراديب تحت الأرض، التي تمكنت من اجتياز المنطقة الحدودية الفاصلة مع غزة، اعتبرت حركة "حماس" أن إعلان الجيش مضلل، وجاء لتسويق "انتصارات وهمية تعتقد القيادة الأمنية في تل أبيب أنها حققتها"، في حين لم يجر أي نشاط ضد أهداف تابعة لها.
نفق متطور لنقل مسلحين
وبحسب الرواية الإسرائيلية، فإن القوات الجوية تمكنت أثناء مهمة تدمير البنية التحتية لـ"حماس" في قتال مايو (أيار) 2021، من استهداف نفق هجومي متطور شمال مدينة غزة، وأخرجته عن الخدمة حينها، إلا أن "مسلحي الحركة أعادوا بناءه وتطويره إلى أن أصبح متشعباً لفرعين يسيران باتجاه الأراضي الإسرائيلية، لكن من دون أن ينجح في اجتياز العائق الذكي". وبفضل الإشارات التي وردت من الجدار الأمني تمكنت "فرقة غزة" من اكتشاف منطقة وجوده، والعمل على تحييده بطريقة يستحيل بعدها إعادته للخدمة العسكرية.
يقول قائد فرقة غزة في الجيش الإسرائيلي نيمرود ألوني: "نحن نتحدث عن نفق متطور جداً، يهدف إلى نقل مسلحين إلى داخل إسرائيل لمهاجمة المواطنين، وعقب إجراء بحث أمني تم اكتشاف نفق ذي شقين، ومنذ أسابيع نحن على علم بهذه السراديب لكننا انتظرنا انتهاء العملية الأخيرة قبل أن نتحرك".
تأخير الإحباط!
ويضيف ألوني، "لم ترصد المؤسسة الأمنية أي محاولات من قبل حماس لتنفيذ هجوم باستخدام النفق، لكن كان من المهم تحييده لمنع مثل هذا الاحتمال في المستقبل، فيما جرى تأخير إحباطه لأنه لم يشكل خطراً على السكان القريبين في أي مرحلة، فهو لم يجتز العائق الذكي، كما أننا كنا حريصين على عدم تعرض قواتنا لأي محاولة إطلاق نار أثناء العملية العسكرية الأخيرة".
ووفقاً لألوني، فإنهم أحبطوا النفق عن طريق عملية غير حركية، بمعنى أن إسرائيل أغرقته، وبحسب هيئة البث الإسرائيلية الرسمية "كان"، فإن تحييد السراديب تم عبر ضخ مواد غير قابلة للتسرب داخله.
ويشير ألوني إلى أن إحباط النفق يعد جزءاً من سلسلة طويلة من العمليات العلنية والسرية، التي ألحقت أضراراً جسيمة بمشروع أنفاق الاقتحام التابعة لـ"حماس"، في حين أنها لا تزال تعمل على تشييدها وإعادة ترميم المتضرر منها جراء الغارات الجوية. وأكد أن الجيش الإسرائيلي مستعد لمجموعة واسعة من السيناريوهات في قطاع غزة بعد العملية الأخيرة، وقد تطال حركة "حماس".
وظهرت الأنفاق للمرة الأولى في غزة عام 2006، وحينها استخدمتها الحركة لأسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وبعدها كثفت حفرها، لمباغتة القوات البرية إبان العملية العسكرية عام 2014، ومنذ ذلك الحين تطور إسرائيل تقنيات لرصدها وتحييدها، ومن أجل ذلك أنشأت عائقاً ذكياً مزوداً بتقنيات تكنولوجية متطورة، يمكنها رصد أي أنشطة تحت الأرض.
"حماس": نعمل وفقاً للأعراف والقوانين الدولية
ويقول متحدث "حماس" فوزي برهوم، إن "ادعاءات إسرائيل باكتشاف نفق للفصائل شمال غزة مضللة، وتهدف تل أبيب منها للتغطية على جرائمها التي ارتكبتها بحق أطفال القطاع، كما أنه يأتي في إطار تسويق إنجازات وانتصارات وهمية للمجتمع الإسرائيلي لاستخدامها في البازار الانتخابي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب برهوم، فإن لـ"حماس" والفصائل الأخرى "الحق المشروع والمكفول في الأعراف والقوانين الدولية في مقاومة الاستعمار، باعتبار أن إسرائيل مصنفة أنها دولة احتلال للأراضي الفلسطينية، وفقاً للأمم المتحدة". وأكد أن "الفصائل تعمل بجميع الطرق لتعزيز إمكاناتها وتطوير قدراتها أمام غطرسة وإجرام جيش تل أبيب، الذي يرتكب المجازر بحق الفلسطينيين".
لماذا اهتمت إسرائيل بالنفق؟
على أي حال، لا تقتصر أهمية إعلان إسرائيل تدميرها النفق الهجومي المتطور، لمجرد أن حركة "حماس" أعادت ترميمه وتطويره بعد أن قصفته الطائرات المقاتلة قبل أكثر من عام بشهرين، ولكن أهمية الكشف عنه جاءت في ظل حملة انتقادات يتعرض لها المستوى السياسي والأمني في تل أبيب بسبب عدم استهداف حركة "حماس" خلال العملية العسكرية الأخيرة ضد حركة "الجهاد".
ومن بين الانتقادات، كان حديث الناطق السابق بلسان جيش إسرائيل روني ملنيس، عندما قال إن "عدم محاسبة حماس على العمليات التي تنفذها المنظمات الأخرى يمنح حصانة وحرية كبيرة في تطوير قدراتها العسكرية لمحاربة جيش بلادنا".
وإلى جانب ذلك، قال المعلق العسكري تال ليف رام لصحيفة "معاريف"، إن تدمير الجيش أنفاق "حماس" ومهاجمتها ليس نهاية الملف، لأن الحركة "تواصل محاولة حفر الأنفاق بعمليات سرية تحت الأرض من دون أن تعير أي أهمية لخطط تدميرها، وهذا يجعلنا غير أمنيين".
أما من ناحية أمنية، فيرى الباحث في المجال هشام مغاري، أن اكتشاف الأنفاق ليس غريباً، لكن إسرائيل حاولت هذه المرة تضخيم هذا الحدث بهدف الحفاظ على هيبة جيشها، إضافة إلى تبرير أفعالها في غزة أمام المجتمع الدولي.
ويوضح أن إسرائيل تحاول إيصال رسالة أنها تمكنت من كسر قواعد الاشتباك مع غزة، وما زالت تحصد إنجازات متتالية في هذا الملف، بعد أن استعادت قوة الردع عسكرياً وأمنياً.