رغم تأرجح أسعار النفط وسط أنباء متضاربة حول أداء أكبر اقتصادين في العالم إلا أن التوقعات تشير إلى تماسك السوق وسط أنباء التوصل لإحياء الاتفاق النووي مع إيران ما يمكن أن يعني عودة النفط الإيراني إلى السوق. وذكرت "بلاتس أناليتكس"، وحدة تحليلات الطاقة في "مؤسسة ستاندرد أند بورز"، أن انخفاض أسعار النفط على مدى اليومين الماضيين دفع المتعاملين في العقود الآجلة لشراء عقود تسليم أكتوبر (تشرين الأول) ما أدى إلى هذا الارتفاع، لكنها أضافت أن الصورة تظل ضبابية، خصوصاً في ظل استمرار الأخبار التي تشير إلى ضعف النمو المستمر في الاقتصاد الصيني والبيانات المتضاربة حول الاقتصاد الأميركي، ودفعت تلك البيانات غير المشجعة المتعاملين في العقود الآجلة للنفط إلى عمليات بيع كبيرة هبطت بالأسعار.
بيانات اقتصادية ضعيفة
كانت أسعار النفط تراجعت على مدى اليومين الأولين من هذا الأسبوع لتصل إلى أدنى مستوياتها في ستة أشهر، على أثر مخاوف من تراجع الطلب نتيجة بطء نمو الاقتصادي في الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والتوقعات المتشائمة باستمرار بطء النمو عقب إجراءات الإغلاق المتكررة لمكافحة موجة جديدة من وباء كورونا. في مذكرة له، الثلاثاء، كتب محلل الأسواق إدوارد مويا: "تهبط أسعار النفط بسبب المخاوف من أن يتباطأ النمو الاقتصادي في الصين أكثر من ذلك، وأيضاً مع زيادة احتمالات أن يغرق النفط الإيراني السوق مع اقتراب المتفاوضين من إحياء الاتفاق النووي".
كذلك أشارت البيانات حول الاقتصاد الأميركي، أكبر اقتصاد في العالم إلى التعافي الهش. فعلى الرغم من ارتفاع الناتج الصناعي في يوليو (تموز) الماضي إلى أن أسعار البيوت في القطاع العقاري الأميركي جاءت ضعيفة جداً لهذا الشهر. وقال ييب جون رونغ من شركة "أي جي"، "تراجعت مقدمات أسعار البيوت في أميركا إلى أدنى مستوى لها منذ فبراير (شباط) 2021، إلا أن الارتفاع القوي في إنتاج المصانع الشهر الماضي يشير إلى احتمالات النمو الاقتصادي... ويظل مسار رفع الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي" الأميركي كما هو مع توقعات السوق بزيادة سعر الفائدة بنسبة 1.25 في المئة أخرى هذا العام".
والواضح أن سوق النفط عادت تماماً إلى قواعد السوق الأساسية المتعلقة بالعرض والطلب، وإن بقيت العوامل النفسية مؤثراً لكن بقدر أقل، ويعني ذلك قدرة المستثمرين والمنتجين والمصدرين على تقدير أقرب للواقع لاحتمال تحرك الأسعار في المدى القريب والمتوسط.
توقعات الطلب
بحسب تقديرات "بلاتس أناليتكس" فإن عودة صادرات النفط الإيراني إلى السوق يمكن أن تضيف نحو مليون برميل يومياً من الخام إلى المعروض العالمي في الربع الأخير من هذا العام، ويعني ذلك احتمال هبوط أسعار النفط إلى مستوى 80 دولاراً للبرميل، في حال ثبات جميع عوامل السوق الأخرى المتعلقة بالعرض والطلب.
إلا أن المحللين يقدرون أيضاً أنه على الرغم من التفاؤل في شأن المفاوضات بين إيران والقوى الكبرى، فإن تلك المفاوضات يمكن أن تنهار في اللحظة الأخيرة كما حدث من قبل أكثر من مرة، لكن حتى لو تم إحياء الاتفاق وعاد النفط الإيراني للسوق، فإن الزيادة المتوقعة في الطلب العالمي كفيلة بامتصاص تأثير ذلك إلى حد كبير.
بحسب توقعات "كوموديتيز انسايتز" فإن الطلب العالمي على النفط سيرتفع في الفترة المقبلة مع تحول صناعات كثيرة إلى النفط بديلاً عن الغاز للحصول على الطاقة وسط الارتفاع المستمر لأسعار الغاز الطبيعي بسبب الحرب في أوكرانيا وضغط العقوبات المالية على روسيا التي خفضت إمدادات الغاز لأوروبا، كذلك بسبب زيادة استخدام النفط ومشتقاته لتوليد الطاقة الكهربائية في الشرق الأوسط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإضافة إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي التي تغذي زيادة الطلب على النفط، يقدر المحللون أيضاً تراجع الطاقة من مصادر أخرى مما يزيد التحول إلى النفط. فهناك مخاوف من أن انخفاض مياه الأنهار في أوروبا سيؤثر على عمل محطات توليد الطاقة من مفاعلات نووية، كما هي الحال في فرنسا، لحاجتها لمياه الأنهار لتبريد المفاعلات.
ولا يبدو أن مشكلة الغاز الطبيعي في طريقها إلى حل قريب، مما يعزز التوقعات باستمرار الطلب على النفط، فمع احتجاز إحدى التوربينات بعد عملية الصيانة في ألمانيا، تقول روسيا، إنها لا تزال غير قادرة على استعادة التوربين بسبب العقوبات، وكانت كندا اضطرت إلى إقرار استثناء مؤقت من العقوبات على روسيا لتتمكن شركة "سيمنز إنرجي" من استعادة إحدى توربينات محطات الضخ على خط الأنابيب من كندا بعد صيانته.
وسبق أن أعلنت شركة "غازبروم" أنه من بين 8 توربينات في محطات الضخ عبر الخط، هناك 5 توربينات بحاجة إلى صيانة وإصلاح وربما تجديد كامل كي يستعيد الخط كامل طاقته لضخ الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا، وتراجعت طاقة التشغيل في خط أنابيب الغاز الروسي إلى ألمانيا "نورد ستريم1" إلى نسبة 20 في المئة فقط.