لا أظن عاقلاً أو راشداً ذهنياً يؤيد الاعتداء البدني على أي إنسان لأن رجل دين معمماً أصدر فتوى بقتله قبل 35 عاماً.
المعمم الخميني توفي عام 1989 الذي أصدر فيه فتواه. وبعد وفاته بعشر سنوات، ولد اللبناني الأميركي هادي مطر وحين بلغ من العمر 24 سنة، هاجم بالسكاكين سلمان رشدي الذي أفتى الخميني بقتله قبل إلقائه محاضرة في ولاية نيويورك الأسبوع الماضي.
إلى وقت كتابة هذا المقال، ما زال الكاتب ينازع بين الحياة والموت في غرفة العناية المركزة، كما سيق هادي مطر إلى المحاكمة والأغلب أنه سيقضي كل حياته أو معظمها في السجون الأميركية.
كتب سلمان رشدي كتاباً سخيفاً عنوانه "آيات شيطانية" عام 1988، وثارت حوله ضجة نتيجة أسلوبه التهكمي على النبي محمد والديانة الإسلامية، وحصلت على نسخة من الكتاب لأحكم عليه، فلست ممن يعلق على أمر ما من دون أن يراه أو يسمعه أو يقرأه، وخلصت إلى أن الكتاب أتفه من التفاهة، ولو لم يثر الخميني الجدل حوله لانتهى ككتب كثيرة تسيء إلى الإسلام وتنتقده انتقاداً يعتبر تعدياً وتجنياً وشتماً لجميع المسلمين، لكن لأننا أمة لا تقرأ فلم ولن نسمع عن هذه الكتب ما لم تثر حولها ضجة كتلك التي أثيرت حول سلمان رشدي، وجاءت له بالشهرة والمال والصيت الذائع بين أوساط المفكرين والمطالبين بحرية الكلمة والنقد في جميع أنحاء العالم.
لا يحكم الشعب الراشد على شيء حتى يطلع عليه، لذا قامت أمم عدة بترجمة الكتاب لتعرف محتواه.
مترجم الكتاب إلى اليابانية قتل طعناً بالسكاكين عام 1991، وتم الاعتداء بالسكاكين أيضاً على مترجم الكتاب إلى الإيطالية، وأطلق الرصاص على صاحب دار النشر التي نشرته بالنرويجية عام 1993، ونجا روائي تركي من محاولة اغتيال بعد نشره أجزاء من كتاب رشدي، ومع أن "ناقل الكفر ليس بكافر" والمترجم كالرسول الذي يحمل رسالة ليوصلها، لكن عدم الرشد وغياب العقل دفعا إلى ارتكاب جرائم ضد بعض المترجمين وتوارى مترجمون آخرون خوفاً على حياتهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تصاعدت الغضبة ضد كتاب سلمان رشدي بيننا منذ صدور كتابه السخيف على الرغم من أننا لم نترجمه إلى العربية ولا إلى الفارسية من باب "إعرف عدوك" ولم نقرأ ما جاء فيه، لكننا أصدرنا عشرات الكتب للرد على الكتاب الذي لن نسمح بترجمته على الأقل للرد على ما ورد فيه وتفنيده.
الاعتداء على سلمان رشدي الأسبوع الماضي أعاد رواية "آيات شيطانية" إلى واجهة المكتبات بعد أن توارت عن نظر القراء، كما أعاد الاهتمام بالتعرف إلى الكتاب وزادت مبيعاته، فضلاً عن تنميط صورة المسلمين السلبية مجدداً بأنهم يقتلون الكتاب والمؤلفين. لكن الاعتداء أظهر كذلك نفاق سياسة الغرب تجاه السياسة الإيرانية الرسمية التي تتبنى العنف والاعتداءات الدامية على مواطن بريطاني داخل الولايات المتحدة الأميركية.
فهادي مطر نموذج لشاب تمت تعبئته من دولة دينية يحكمها رجال معممون وينتهجون العنف خارج الحدود لفرض سياساتهم، لكن الغرب والولايات المتحدة يفاوضان هذا النظام وتسعى الإدارة الأميركية الحالية إلى إحياء الاتفاق النووي معه وتوافق، ولو ضمناً، على سياساته التوسعية للهيمنة على المنطقة العربية، ولو أن هادي مطر كان خليجياً أو مصرياً أو عربياً ينتمي لـ"القاعدة" أو "داعش" لقامت الدنيا ولم تقعد ضد دول الخليج ومصر.
أقول هذا لمتابعتي وسائل الإعلام الأميركية حيث تم الاعتداء، وأرقب تجاهل وسائل الإعلام الغربية مصدر الاعتداء على رشدي ومنبع التحريض والتوجيه والفتوى الإيرانية الرسمية التي أيدته وفرحت له، بل حتى إمكانية صلة المهاجم بـ"الحرس الثوري الإيراني".
الإعلام الغربي طائفي النظرة بتغطيته للإرهاب باسم الإسلام، فهو يركز على الإرهاب السني ويتجاهل الإرهاب "الشيعي - الإيراني" الذي ترعاه دولة في العلن وتموله وتسانده، بل أحياناً تكون مشاركة فيه بشكل رسمي مثلما شهدنا في إدانة الدبلوماسي الإيراني في بلجيكا الذي كان وراء التخطيط لتفجير مؤتمر المعارضة الإيرانية بباريس.
قد ينجو رشدي وقد يموت نتيجة الطعنات التي تلقاها من هادي مطر، لكن الأكيد أن الرشد في التعامل مع مثل تفاهاته خان من أفتى بقتله ومن حاول تنفيذ تلك الفتوى غير الراشدة.