في هذه الفترة من العام الماضي، انتشر حول العالم خبر استعادة حركة "طالبان" زمام السيطرة على أفغانستان، سمعنا وقرأنا شهادات أشخاص يستميتون للهرب من الطغيان القادم عليهم، والذي عملت أفغانستان بشق الأنفس في سبيل التخلص منه خلال السنوات العشرين التي سبقت.
في إطار استجابتها لحالة الطوارئ، تعهدت الحكومة البريطانية استقبال 20 ألف لاجئ أفغاني على فترة 5 سنوات ابتداء من السادس من يناير (كانون الثاني) 2022، على أن يعاد توطين خمسة آلاف منهم في غضون سنة واحدة بموجب برنامج إعادة توطين المواطنين الأفغان، ويوعد أي شخص يعاد توطينه في إطار هذا البرنامج بحق الاستقرار الدائم في المملكة المتحدة وإمكانية التقدم بطلب الحصول على الجنسية البريطانية بعد مكوثه خمس سنوات في المملكة المتحدة.
وخلال الأشهر التي تلت، ركز البرنامج على إخراج النساء والأطفال والأقليات والأشخاص المعرضين للخطر بشكل خاص من "طالبان"، من أفغانستان وإحضارهم إلى المملكة المتحدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكما شرح دنكن ويلز، رئيس وحدة إعادة التوطين في مجلس اللاجئين "في البداية، كان الوضع فوضوياً جداً لأن كل شيء حدث في اللحظات الأخيرة- وكانت عملية استجابة لحالة طوارئ، لم يملك الناس المال ولا أوراق ثبوتية واضحة، حتى إن بعضهم لم يحمل سوى ورقة بالكاد كتب عليها اسمه، في البداية، عملنا كثيراً على التحقق من هويات الجميع وعلى تحديد تقسيم العائلات، اقتلع الناس من أفغانستان ووضعوا في فندق من دون أن يشرح لهم أحد ماهية الحياة في المملكة المتحدة أو يعدهم لها، كان كثيرون مصابين بالصدمة".
بعد فترة الفوضى الأولية التي تبعت دخول اللاجئين الأفغان المملكة المتحدة، بدأت الحكومة اتخاذ خطوات للحرص على تأمين احتياجات من نجحوا بالفرار، ويقول ويلز، "من خلال خطوات بطيئة إنما أكيدة، ترتبت كل الأمور، بدأ مندوبون عن وزارة العمل ورواتب التقاعد يحضرون، وعملنا مع وزارة الداخلية لكي نحدد هويات الجميع وحرصنا على إعطائهم أوراقاً ثبوتية- مع أن البعض ما زال بانتظارها- وفي النهاية التحق كل الأطفال بالمدارس، بلغنا هذه المرحلة تدريجياً".
على الرغم من التقدم في عملية توفير الدعم للاجئين الأفغان، ما زال البعض ينتظرون في الفنادق، وأقر ويلز أنه "بحسب آخر معلومات لدي، ما زال بين 60 و70 فندقاً قيد الاستخدام، لم نتوقع أبداً أن يظل الأشخاص في الفنادق طيلة هذه المدة، وحالتهم النفسية في تدهور فعلي، بعض الفنادق أفضل من بعضها الآخر، في المدينة فندق على سبيل المثال- حيث نقدم مستوى جيداً من الدعم، ويبدو الناس سعيدين إلى حد ما هناك، لكن بعض الفنادق معزولة كثيراً ولا تتلقى دعماً منتظماً، وبعض الأشخاص لا يحصلون على أي نوع من الدعم ولذلك فإن الموجودين في هذا النوع من الفنادق يعانون فعلاً".
ولكن نظراً إلى عدم وجود ما يكفي من المساكن الملائمة لكي يستقر فيها اللاجئون الأفغان، يستمر استخدام الفنادق.
خكولا شرزاد
لم تتصور خكولا شرزاد أبداً أن شكل حياتها سيكون ما هو عليه اليوم، منذ عام واحد فقط، كانت تعمل مراسلة لقناة "بي بي سي" في كابول في أفغانستان. كانت تغادر منزل العائلة في الصباح، ولا تعود سوى مساء، بعد أن تنهي عملها في المكتب، فتقضي وقتاً مع والدتها وأخواتها الثلاث وزوجها، ولكن مع انتشار الإشاعات في شأن خطر استيلاء "طالبان" على كابول، بدأ القلق يساور خكولا.
وتقول لي الشابة البالغة من العمر 26 عاماً، "لطالما خشيت طالبان، ولكن لفترة طويلة، لم نر أياً من عناصرهم فعلياً في كابول- بل على شاشة التلفاز فقط". يوم 15 أغسطس (آب) 2021، عندما وصل مفاوضو "طالبان" إلى القصر الرئاسي لبدء عملية انتقال السلطات، استفاقت خكولا على خبر تدهور الأوضاع. "طلبوا مني عدم المجيء إلى المكتب وملازمة المنزل".
حتى الوقت الراهن، من المعروف أن المراسلين العاملين لصالح المنظمات الإخبارية الدولية غير مرحب بهم في أفغانستان في ظل حكم "طالبان"، وفي المقابل، واجهت الصحافيات مثل خكولا تحديداً الخطر في الماضي، وما زلن يواجهنه الآن.
بعد شهر من الاختباء داخل منزلها قيل لخكولا، إن "بي بي سي" يمكن أن تساعدها في تقديم لطلب تأشيرة دخول ومغادرة كابول، وفي 25 سبتمبر (أيلول) سافرت خكولا وزوجها جواً إلى باكستان، وبعد شهر من ذلك إلى إنجلترا.
وتقول خكولا أثناء حديثها عن والدتها وأخواتها، "كان من الصعب جداً أن أودع عائلتي، شعرت بالخوف لأنني تركتهم في ذلك الوضع، حيث تسلب حقوق النساء منهن، وهن الآن وحيدات".
لدى وصولها إلى مطار هيثرو، اصطحبت خكولا إلى فندق لكي تقضي 10 أيام في الحجر الصحي. وتضيف: "أسعدني أنني بأمان في المملكة المتحدة، ولكنني تذكرت في الوقت نفسه الأيام العصيبة التي تواجهها أفغانستان، أصبت باكتئاب شديد طيلة فترة العشرة أيام تلك، كنت أصحو كل يوم وأنا أبكي".
حين انتهت فترة العزل، نقلت خكولا إلى فندق في كنت بصحبة زوجها وعدة عائلات أفغانية أخرى هربت من البلاد. وتقول: "لا نزال في هذا الفندق الآن، الوضع ممل جداً بالنسبة إلينا، بعد مكوثنا في الفندق لمدة ثمانية أشهر، ولكنني أحاول أن أشغل نفسي بالتدريب وبدروس اللغة الإنجليزية، أرغب في الحصول على شهادة الماجستير في اختصاص مرتبط بالعلوم السياسية والعمل في الإعلام مجدداً أو ربما الشؤون الإدارية". يأمل زوج خكولا أن يباشر الدراسة قريباً للحصول على شهادة الماجستير الثانية في القانون التجاري الدولي، فيما يواصل العمل كمترجم فوري.
في غضون أسابيع، تخطط خكولا لولادة طفلها الأول، وهي نعمة تحمل في طياتها شيئاً من المرارة وسط كل ما قاسته. وتقول خكولا، "حين علمت والدتي بحملي، كانت سعيدة جداً ولكنها كانت تبكي. أنا وحدي هنا، ولا أملك أي تجربة في التعامل مع الأطفال- الوضع صعب جداً بالنسبة إلي، كيف سأتمكن من رعاية طفلي من دون مساعدة أحد؟".
مع أن خكولا راضية جداً بالوجبات التي يقدمها الفندق، فهي تشتهي بين الحين والآخر الأطعمة الأفغانية التقليدية وتقصد متجراً محلياً لشراء أطعمتها المفضلة.
وحين لا تنشغل بالدراسة أو التدريب، تقضي خكولا وقتها في التحدث إلى عائلتها في أفغانستان، التي قد تتصل بها ثلاث مرات في اليوم الواحد، وفي تكوين الصداقات مع نزلاء الفندق الآخرين. وتبتسم وهي تقول، "أصبح لدي كثير من الأصدقاء، اثنان أو ثلاثة منهم فتيات إنجليزيات يعملن في مكتب الاستقبال، هذا جيد جداً. أحاول التحدث معهن في شأن مستقبلي ومخططاتي للحياة، وكيف يمكنني متابعة التعليم وتحسين مهاراتي".
وعلى الرغم من حصولها على الإقامة البريطانية في يونيو (حزيران)، ما زالت خكولا بانتظار تأمين المسكن، ولكن إلى حين منحها منزلاً، أصبحت فرداً من جالية تعيش في الفندق. وتقول، "نمكث في هذا الفندق مع أفغان كثيرين، ونتكلم عن الوضع في أفغانستان ونتشارك قصصنا، وأحياناً أفكر في أنه عندما انتقل إلى منزل خاص، سأشعر بالوحدة".
قد تكون خكولا مقيدة في فترة انتظار وغير واثقة بما سيحدث معها تالياً، ولكنها أكثر من ممتنة لكونها آمنة في بلد يمكنها تربية طفلها فيه من دون خوف.
منذ أغسطس 2021، دخل آلاف اللاجئين الأفغان أصحاب المهارات والكفاءات الجيدة الأراضي البريطانية، وهم مستعدون للاندماج في مجتمعاتهم وعرض مهاراتهم. وفي هذا الصدد. تقول جنفيف كاستون، رئيسة البرامج البريطانية في لجنة الإنقاذ الدولية "رأينا اندفاعاً كبيراً لدى عملائنا الأفغان، وقد حصل 42 في المئة من هؤلاء العملاء المدرجين في برنامجنا المخصص للتوظيف على وظائف بالفعل، ومنها في مجال الصحافة والترجمة الفورية والزراعة والإنتاج والتقديم التلفزيوني والتعليم والضيافة والمخازن".
ومع ذلك واجه العديد منهم عراقيل اعترضت سبيل توظيفهم، وتابعت كاستون بقولها، "على سبيل المثال، بعض عملائنا الأفغان الذين وصلوا إلى هنا منذ عام واجهوا تأخيراً في الحصول على تصريح العمل البيومتري (الإلكتروني) الضروري من أجل قبول أي عرض توظيف، ومن المهم جداً كذلك أن تستمر الحكومة البريطانية في بذل وتكثيف جهود توفير دعم لغوي للاجئين الأفغان، لكي يتمكنوا من استخدام الخدمات البريطانية أفضل، ويشاركون في الحياة الاجتماعية".
محمد ناصر لودين
قبع محمد ناصر لودين يومين كاملين في مطار كابول برفقة زوجته الحامل وولديه بانتظار صعودهم على متن طائرة تخرجهم من أفغانستان، قبل أن يركبوا طائرة إجلاء عسكرية في 27 أغسطس.
ويعود محمد بالذاكرة فيقول، "لم يكن من مكان للجلوس، اضطررنا للوقوف أربع أو خمس ساعات متواصلة، غير قادرين على الحركة، لم يكن بحوزتنا ما نأكله أو نشربه، ضربني عناصر طالبان في المطار، وكان ذلك صعباً جداً، كانوا يطلقون النار وابنتي تصرخ (لا تطلقوا النار، لا تطلقوا النار)، ذانك اليومان أسوأ فترة في حياتي".
قبل أيام من هروبه بعد استيلاء "طالبان" على كابول، كان محمد يمارس روتينه اليومي، ويتابع عمله كمسؤول الشؤون اللوجيستية في الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة.
ويقول محمد، "تلقيت اتصالاً من صديق أخبرني بأن عناصر "طالبان" اقتربوا من مدينة كابول وهم يقاتلون، وبدأت الأمور تتدهور شيئاً فشيئاً ثم دق مسؤولو الأمن في مكتبنا ناقوس الخطر وطلبوا منا مغادرة المكتب".
حين استولت حركة "طالبان" على السلطة، أطلقت سراح سجناء لا بد أن العديد منهم يعلم نوع العمل الذي قام به لودين.
سارع محمد للالتحاق بزوجته وطفليه اللذين كانا في السابعة والخامسة من العمر حينها، ويتذكر "عمت الفوضى بعد ذلك، سمعت أن الناس يفرون، كان الجميع يتوجه نحو المطار، غرقت كابول في صدمة كبيرة". أيقن محمد أنه في غياب وضع حرج أو تأشيرة مناسبة، لم يكن يملك أي فرصة للإجلاء.
ومع أنه تقدم بطلب إلكتروني الحصول على تأشيرة تخوله دخول المملكة المتحدة، ساورته الشكوك في أن يقبل طلبه. ويقول، "لم أظن يوماً بأنني سأتمكن من مغادرة البلاد".
ذات مساء، توجه محمد إلى منزل صديق له من أجل استخدام الإنترنت وإعادة تقديم الطلب. "أوقفني حاجز لطالبان. طلبوا مني هاتفي. كانت كل المعلومات المتعلقة بي على الهاتف إذ كنت أرسلها إلى الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة. قبضوا علي وضربوني وعذبوني في الشارع لمجرد أنهم عثروا على وثائق مكتوبة بالإنجليزية داخل سيارتي. تملكني الرعب بعد أن وصلت إلى المنزل".
في اليوم التالي، تلقى محمد بريداً إلكترونياً يعلمه بضرورة التوجه إلى المطار في أسرع وقت ممكن لكي يخرج من أفغانستان.
بعد وصوله إلى مطار هيثرو في 27 أغسطس، قضى محمد وعائلته 14 يوماً من الحجر الصحي في فندق كراون بلازا، قبل الانتقال إلى فندق هوليداي أن إكسبرس في ساوثهامبتون. ويسرد محمد أحداث تلك الفترة فيقول، "في هذا الفندق، بدأت زوجتي تنزف. أخذتها سيارة الإسعاف إلى المستشفى، وأخبرونا بأننا فقدنا الجنين. كانت حاملاً في الأسبوع الرابع عشر. أعتقد أن ذلك حدث بسبب كل الضغط الذي تعرضنا له في المطار".
على الرغم من أن خسارة الجنين شكلت تجربة مؤلمة أخرى، تضاف إلى كل ما قاسته العائلة بالفعل، عاش محمد بعض لحظات الفرح أثناء إقامته في ساوثهامبتون لمدة ثلاثة أشهر. ويقول، "تصرف الناس بود كبير. أخبروني في السابق أنه بسبب ديانتي، ولأنني مسلم، لن أروق للناس في المملكة المتحدة، لذلك اعتقدت أنهم سيتصرفون بشكل غريب معنا. وكان ذلك مصدر قلق كبير بالنسبة إلي، ولكن عندما قدمت إلى هنا، رأيت الناس وكانوا الألطف على الإطلاق. صدمني ذلك".
أثناء استعداده لمغادرة فندق هوليداي أن إكسبرس، شعر محمد بأنه يخسر عائلة جديدة. "كانت مجموعة أشخاص رائعين- بدءاً بموظفي الفندق وموظفي المجلس البلدي، ووصولاً إلى المتطوعين، ما زلت على اتصال ببعضهم حتى اليوم".
نقل محمد وعائلته إلى منزل في هامبشير في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، مما شكل مفاجأة لأصدقائه الذين رغبوا في العيش في لندن بشكل رئيسي. "قلت لهم إنني تركت كل شيء في أفغانستان. وبعد أن انتقلت هنا إلى المملكة المتحدة- لا يهم في أي بقعة من المملكة المتحدة- أنا أبدأ حياتي من الصفر مجدداً".
وصل البيت ليجد أنه مجهز بقطع الأثاث الضرورية التي تحتاج إليها العائلة للسكن في المكان، وهو ممتن لهذه اللفتة في الوقت الذي جل ما كانت العائلة تملكه فيه هو الملابس التي ترتديها.
بعد حصول محمد وعائلته على المسكن وعلى المساعدات الحكومية، يحاولون الآن أن يعيدوا بناء حياتهم في المملكة المتحدة، وقد وجد محمد كما زوجته مجموعة صغيرة من الأصدقاء، ولكن الطفلين احتاجا لوقت أطول من أجل التأقلم، وجزء من السبب هو حاجز اللغة، "أحياناً، كانا يعودان إلى المنزل ويصرحان بأنهما لا يريدان العودة إلى المدرسة، ولكن طاقم المدرسة تصرف بشكل رائع ودعم أطفالي كثيراً".
يختبر طفلاه لا سيما ابنه، تبعات كل ما رأوه في أفغانستان. "ما زال طفلاي يعانيان. في أحد الأيام، هطل المطر بغزارة أثناء توجهنا إلى المدرسة سيراً على الأقدام. أمسكت بيد ابنتي وطلبت من ابني أن يركض وألا يتوقف، ولكن عندها رأيت ابني يبكي وسألني إن كانت (طالبان) آتية".
وفي مرة أخرى، أطلقت الألعاب النارية أثناء إقامة حفلة بقرب عائلة محمد واعتقد ابنه أن عناصر "طالبان" يطلقون النار وتوقع وصول الشرطة. "أخبرته بأن طالبان لا يمكنها المجيء إلى هنا، وأنه بأمان هنا. هذه الصدمات هي أسوأ ما حدث لنا. لا يمكنني أن أغفر ذلك أبداً".
على الرغم من الصدمة، يشعر محمد بالسعادة إجمالاً. "علي أن أسعد نفسي. أنا سعيد لأنني بأمان ولا أعيش حالة الحرب التي يعيشها آخرون في أفغانستان. ولكنني أرغب بالعثور على عمل".
مع أن التركيز الواسع على أفغانستان العام الماضي لفت انتباه العالم وأسفر عن التزامات عالمية، لا تزال الحاجة لإجلاء الناس من البلاد مستمرة إلى يومنا هذا.
وتقول كاستون في هذا الصدد، "انهار البلد بسبب النزاع الأخير والتغيير في الحكومة بالتزامن مع أسوأ موجة جفاف منذ 27 عاماً. وبسبب الانهيار الاقتصادي، ارتفعت أسعار السلع الغذائية بشكل جنوني. لو ظلت الأزمة الإنسانية الراهنة من دون حل، ستؤدي إلى حصيلة وفيات أكبر من تلك التي خلفتها 20 سنة من الحروب".
فيما ترحب كاستون بوضع برنامج إعادة توطين المواطنين الأفغان، فهي قلقة، تماماً كلجنة الإنقاذ الدولية، في شأن تطبيقه. وتقول كاستون، "على الرغم من تعهد الحكومة البريطانية بتخصيص 20 ألف موقع للأفغان المحتاجين خلال السنوات الخمس المقبلة، من المزمع توزيع 6500 منها على الموجودين بالفعل في المملكة المتحدة، فيما المواقع المتبقية محدودة جداً ولا يمكنها أن تكفي حجم الحاجة الواضح".
ما زال إجلاء المواطنين ضرورياً، كما استمرار الدعم والمساندة للأفغان الذين بلغوا المملكة المتحدة. وتشرح كاستون أنه "بالنسبة للاجئين الأفغان الموجودين داخل الأراضي البريطانية بالفعل، والوافدين الجدد خلال الأشهر والسنوات المقبلة، على الحكومة البريطانية مواصلة وتكثيف جهودها لتوفير القدرة على النفاذ إلى خدمات الاندماج الملائمة في الوقت المناسب، ومنها السكن الدائم والدعم اللغوي والنفاذ إلى سوق العمل للاجئين كافة، كما يجب توفير تصاريح الإقامة البيومترية للاجئين الأفغان بأسرع وقت ممكن، بما يسمح لهم بقبول عروض العمل، كما باستئجار مكان سكن خاص والاستقرار داخل مجتمعاتهم المحلية الجديدة بطرق أخرى منها الحصول على رخصة القيادة".
عبدول*
قال عبدول الذي غير اسمه الحقيقي، "أفضت حياتي إلى معاناة كبيرة. وبسببي كانت عائلتي بأسرها تعاني".
عمل عبدول، الذي يبلغ أواخر العشرينيات من عمره، مع الجيش البريطاني في أفغانستان سابقاً وحين استولت "طالبان" على أفغانستان، تلقى "رسائل، وتهديدات بالقتل وتخويف" بسبب علاقاته السابقة بالمملكة المتحدة. أدرك أنه سيضطر للهرب من موطنه الحبيب لحماية زوجته الحامل وطفليه الصغيرين. حصل سابقاً على الموافقة للقدوم إلى المملكة المتحدة وتوجه بسرعة إلى المطار لكي يغادر البلد جواً، مع تفاقم الجو العدواني.
ويتذكر، "استطعت أن أوصل العائلة إلى المطار في 21 أغسطس ولازمنا مكاننا طيلة ليلتين وثلاثة أيام". بعد نقله إلى المملكة المتحدة، قضى عبدول فترة الحجر الصحي في مانشستر قبل أن ينقل إلى فندق في لندن، حيث مكث مع عائلته لمدة شهرين.
ويقول، "في البداية عجزت عن التفريق بين الليل والنهار. قضينا كل الوقت بالنوم".
ساد شعور خاص بانعدام اليقين فترة الشهرين التي مكثها في لندن إذ لم يكن عبدول قادراً على طمأنة عائلته في شأن المكان الذي ستذهب إليه بعدها. ويقول، "بعد مرور ثلاثة أسابيع على وصولنا، قدم مسؤول من وزارة الداخلية وتنفسنا الصعداء لأن أحدهم جاء ليسأل عن أحوالنا على الأقل. في لندن، كان الأطفال عالقين في الفندق، ويبكون".
عند جلوس العائلة لتناول الوجبات في صالة الطعام في الفندق. يقول عبدول، إنه وأطفاله غالباً ما شعروا بالإحراج بسبب الحاجة للتأقلم مع ثقافة مختلفة جذرياً عن ثقافتهم.
في أواخر شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2021، منح عبدول منزلاً في باكنغهام وأمل أن تكون هذه البداية التي تحتاج إليها عائلته بعد أشهر قليلة مضطربة. ويقول، "ولكن لم يكن في ذلك المكان جالية. ولا متاجر تبيع بضائع حلال. ولم أتمكن من الوصول إلى مسجد أصلي فيه".
خلال أول رمضان قضاه في المملكة المتحدة، صام عبدول وحده مع عائلته خلال النهار، من دون أن يتمكن من العثور على أطعمة أفغانية تقليدية لكي يتناولها عند المغيب. وللاحتفال بنهاية رمضان، اصطحب عبدول وحده أطفاله إلى الحديقة، وكان مدركاً لغياب عنصر العائلة والأصدقاء والاحتفالات. "لم يكن لدينا من نشاركهم الاحتفال".
خلال الأشهر الثمانية تلك. يقول عبدول، إن عائلته شعرت بالعزلة والوحدة. ومع أنه كان ممتناً لوجوده على بر الأمان، فقد بكى خسارة رؤية عائلته التي ما زالت تواجه الخطر في أفغانستان.
"لقد نفدنا بجلدنا، ولكننا تركنا عائلتنا عالقة. لو اتخذت خطوة خاطئة، تصبح عائلتي بمرمى الخطر بسبب. يمكن أن تقتل في أي وقت وأي لحظة. هذه الأفكار تدور في رأسي كل الوقت".
بعد ثمانية أشهر من السكن في باكنغهام، قبل طلب عبدول بالانتقال إلى منزل في ويندسور، حين يستطيع هو وعائلته الوصول إلى الطعام الأفغاني وإلى مسجد يصلون فيه وجالية يمكنهم التفاعل معها.
على سبيل الترفيه، يصطحب عبدول أطفاله إلى المتنزه المحلي، وهذا نشاط مجاني يسمح لهم بالخروج من المنزل. ويقول عبدول، "الفواتير مرتفعة حالياً". هو يطالب الآن بالحصول على مساعدات حكومية، ولكنه يرغب في أن يتمكن من العمل، من أجل تحصيل دخل والمساهمة في المجتمع في آن واحد. "أنا خريج جامعي، وشخص مهني- أرغب بالحصول على وظيفة".
"هذا منزلنا الآن وسوف نتأقلم ونندمج في المجتمع المحلي".
© The Independent