تتصاعد كل يوم معاناة البريطانيين مع ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل غير مسبوق بمعدلات أعلى من بقية الدول المماثلة في العالم، ويخشى من استمرار ارتفاع التضخم ودخول الاقتصاد في ركود يمكن أن يقضي على بعض ملامح الحياة البريطانية التقليدية بالفعل، ومن بين تلك المظاهر ما تشهده الحانات المحلية "Pubs" التي انخفضت أعدادها بفعل الهدم أو تحويل نشاط أكثر من سبعة آلاف محل خلال السنوات الأخيرة ليصل عددها حالياً إلى نحو 40 ألفاً فقط.
والحانات المحلية في بريطانيا تشبه المقاهي الشعبية في بلادنا، فلكل جزء من حي حانته التقليدية التي يذهب إليها السكان المحليون لتناول المشروبات، خصوصاً البيرة وغيرها من المشروبات الغازية أو القهوة. وهي تختلف عن المقاهي الأخرى في أن لها روادها شبه الدائمين من السكان أو العاملين في الحي.
المشروب الرئيس في تلك المحال هو البيرة، وعلى الرغم من أن سعرها شهد ارتفاعاً بنسبة 16 في المئة منذ عام 2017 ليصل سعر القدح Pint (أكثر من نصف لتر قليلاً) إلى أكثر من ثمانية دولارات (سبعة جنيهات استرلينية) في أغلب حانات العاصمة البريطانية لندن، إلا أن التقديرات تشير إلى ارتفاع سعر القدح إلى أكثر من 16 دولاراً (14 جنيهاً استرلينياً) بحلول عام 2025.
من شأن ذلك أن يجعل المزحة التي شاعت في الآونة الأخيرة بمقارنة سعر البيرة مع سعر البنزين تعبيراً عن المأساة أكثر منها نكتة، فمع ارتفاع أسعار الوقود في محطات البنزين أخيراً، ابتكر الناس على مواقع التواصل شعاراً ساخراً مضاداً لشعارات التوعية بالقيادة تحت تأثير المشروب. يقول الشعار الجديد "البيرة أرخص من البنزين: اشرب ولا تقد سيارتك".
لكن عدم قيادة السيارة سيصبح مكلفاً أيضاً في غضون عامين تقريباً، مع ارتفاع كلفة الرحلة باستخدام تطبيق مشاركة النقل "أوبر" في المتوسط أكثر من 30 دولاراً (26 جنيهاً استرلينياً).
معاناة كل القطاعات مع كل الأسعار
حتى الاستعاضة عن شرب البيرة بمشروبات أخرى لن يكون أقل كلفة، إذ يتوقع ارتفاع سعر فنجان القهوة (السريعة في أكواب ورقية) إلى أكثر من خمسة دولارات (4.44 جنيه استرليني)، حسب ما أظهرت بيانات صادرة عن شركة معاشات التقاعد البريطانية "بينفولد".
وقدرت الدراسة التي نقلت عنها صحيفة "إيفننغ ستاندرد"، ارتفاع الأسعار بنسبة ستة في المئة على الأقل العام المقبل، بعدما ارتفعت بنسبة تسعة في المئة في العالم الأخير، وأرجعت ذلك إلى ارتفاع أسعار الطاقة ونقص العمالة وتعطل سلاسل التوريد وغيرها من الأسباب التي دفعت الشركات إلى تحميل الزيادة في كلفة الإنتاج على السعر النهائي للمستهلك.
ومع أن ارتفاع الأسعار يبدو واضحاً أكثر في قطاع الضيافة (المأكولات والمشروبات) إلا أنه يطال السلع والخدمات التي يحتاجها المواطن كافة. ولم يعد الغلاء قاصراً على العاصمة لندن فقط، بل طال أنحاء البلاد كافة، وأصبح يؤثر في قدرة شرائح واسعة من المجتمع على تحمل أعباء المعيشة، فعلى سبيل المثال، يقدر أن يرتفع سعر قدح الحليب إلى أكثر من ثلاثة أرباع الدولار (64 بنساً) في غضون عامين.
التحسب للمستقبل
نقلت الصحيفة عن المؤسس المشارك لشركة "بينفولد" كريس إيستوود قوله، "يؤثر ارتفاع الأسعار في الناس في كل بريطانيا ويطال كلفة كل نشاط وكل سلعة وكل خدمة كما تظهر الدراسة... والحقيقة أن معدلات التضخم التي نشهدها لا يوازيها أي تحسن في الدخول، فعلى مدى السنوات الخمس الماضية ارتفعت الأجور بنسبة 15.35 في المئة في الوقت الذي تضاعفت فيه كلفة المعيشة ثلاث مرات بارتفاع الأسعار بنسبة 41.27 في المئة".
ونصح إيستوود البريطانيين بضرورة التفكير بجدية في تعديل خطط ميزانياتهم و"النظر للمستقبل ووضع أهداف قابلة للتحقيق في فترات التقاعد". وتظهر الدراسة مقارنة الأجور مع الأسعار دون الأخذ في الاعتبار تآكل القيمة الحقيقية للدخل نتيجة ارتفاع معدلات التضخم بشكل عام في الاقتصاد.
وتضيف دراسة شركة "بينفولد" إلى ما تخلص إليه كثير من الدراسات وتحليلات البيانات والتوقعات من مؤسسات مختلفة بشأن استمرار ارتفاع معدلات التضخم في الاقتصاد البريطاني، ولا يبدو بنظر كثير من المحللين والمعلقين أن الحكومة الحالية أو أياً من المرشحين لخلافة رئيسها المستقيل بوريس جونسون بعد أسابيع لديه رؤية لحل يساعد الناس على تحمل تكاليف المعيشة.