بعد رسم إطار زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر التي تبدأ يوم الـ 25 وتستمر لغاية الـ 27 من أغسطس (آب) الحالي، تلبية لدعوة نظيره الجزائري عبدالمجيد تبون غداة انتخابه لولاية رئاسية ثانية في أبريل (نيسان) الماضي، تثار نقاشات كثيرة تتعلق بفحوى ومغزى الزيارة والملفات المنتظر مناقشتها في سياق إقليمي مغاير تماماً لما كان عليه خلال العهد الأول لماكرون.
ولعل أبرز سؤالين يتم طرحمها في الأوساط السياسية والحزبية الجزائرية هو ما تأثيرات زيارة ماكرون في العلاقات الثنائية بين البلدين؟ وما هي المواقف السياسية المحتمل تبنيها حيال ملفات إقليمية ودولية تشغل الرأي العام؟
وفي نظر مراقبين فإن زيارات الرؤساء الفرنسيين إلى الجزائر تكتسي "طابعاً خاصاً"، وهو ما حصل في كل زيارات نزلاء الـ "إليزيه" إلى الجزائر والتي يصاحبها جدل نظراً إلى ما تخلفه من قرارات وتصريحات في الجزائر وعلى الضفة الأخرى من المتوسط.
ولم تخرج زيارة ماكرون المرتقبة التي تعتبر الأولى لرئيس فرنسي في عهد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون عن هذا السياق، كونها تأتي بعد توتر شهدته العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وصل إلى حد استدعاء السفير من باريس خريف العام الماضي، بسبب تصريحات ماكرون التي نفى فيها وجود أمّة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، وتطورت وقائعها لتصل إلى منع الجزائر الطائرات العسكرية الفرنسية المتجهة إلى منطقة الساحل من التحليق عبر مجالها الجوي.
بحث عن دخول اجتماعي هادئ
ولتوقيت الزيارة المتزامن مع اقتراب موعد الدخول الاجتماعي في كلا البلدين ومدتها المحددة بـ 72 ساعة دلالات سياسية في رأي المحلل السياسي عمار رخيلة الذي يقول إنه "من خلال المعطيات والمؤشرات المتوافرة ستكون هناك ورشات عمل ووفد مهم يرافق الرئيس الفرنسي، وبالتالي فهي محطة تتجاوز ذلك الطابع البروتوكولي والمجاملة وإنما لمناقشة ملفات عدة".
إلى ذلك توقع رخيلة في تصريح إلى "اندبندنت عربية" إمكان التوصل لتفاهمات جديدة في ظل عودة الخطاب السياسي المرن بين مسؤولي البلدين، مقارنة بما كان عليه خريف العام الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي رأي المتحدث نفسه فإن "العلاقات الجزائرية - الفرنسية أقوى من كل التوترات التي حدثت، بحكم تداخل الاقتصاد الجزائري والفرنسي والمصالح المشتركة على جميع الصعد، إضافة إلى رابط الجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا والتي تشكل 6 ملايين من المجتمع الفرنسي".
وعليه يقول المحلل الجزائري إن هذه الارتباطات الاقتصادية والتجارية مع فرنسا يجب على بلاده استثمارها في إطار شراكة رابح - رابح، وعلاقات براغماتية خالية من المشاعر وقوة تفاوضية، مبرزاً أن الملف الاقتصادي قد يأخذ حيزاً كبيراً من الزيارة، في حين لن يحظى الملف التاريخي على الرغم من حضوره على طاولة النقاش باهتمام بالغ، على اعتبار أن الطرف الفرنسي لم يتخلص بعد من هذه الحساسية المرتبطة بالذاكرة.
وفي هذا الشأن يشير رخيلة إلى أن الجزائر تريد النأي بهذا الملف عن التجاذبات والتوظيف السياسي، وظهر ذلك في خطاب الرئيس عبدالمجيد تبون الذي ومنذ وصوله إلى السلطة بات الحديث عن الملفات التاريخية مباشراً ومن دون تغليف سياسي.
وفي هذا السياق تحديداً لا تبدو أوساط جزائرية متفائلة كثيراً حيال مسألة إمكان تقديم الدولة الفرنسية اعتذاراً رسمياً في هذا الخصوص، إذ استبعد مراقبون أن يقدم ماكرون على هذه الخطوة التي قد تكلفه انتقادات لإذاعة من طرف اليمين المتطرف الذي يضع العلاقات الجزائرية - الفرنسية تحت المجهر، ويتعامل معها بكثير من الحساسية.
تحسين الصورة
ويدار حالياً حديث عن إمكان تبني ماكرون فكرة كان طرحها المرشح السابق للرئاسيات الفرنسية جان لوك ميلنشون خلال حملته الانتخابية، ترتكز على إمكان التوصل إلى اتفاق مع الجزائر حول صفقة تصب في مصلحة الطرفين، وترتكز على بيع فرنسا القمح بأسعار مخفضة إلى الجزائر في مقابل حصولها على أسعار مناسبة من عمليات استيراد المواد الطاقوية، كما يقول الخبير الاقتصادي عبدالرحمن عية.
ويشير عية خلال حديثه إلى أن "هذه الفكرة قد يكون من الصعب تطبيقها اقتصادياً، لأن أسعار القمح تخضع إلى العرض والطلب والبورصات العالمية بصفتها سلعة استراتيجية وكذلك الغاز، ولكن سياسياً يمكن الحديث عنها ومناقشتها".
وتوقع عية أن لا يأخذ الملف الاقتصادي حيزاً معتبراً من الزيارة، لأن الطابع السياسي يبدو هو الغالب على اعتبار أن ماكرون يسعى إلى تحسين صورته، ولأنه من الشخصيات السياسية التي تفكر في ما بعد الرئاسة، وعن دور يخوله ليكون مؤثراً في السياسة بعد مغادرته الـ "إليزيه".
وبحسب المتحدث ذاته فإن الملفات التي قد يتم التشاور حولها هي إمكان توسيع حصة "توتال" الفرنسية من المشاريع الاستثمارية الطاقوية، وكذلك معالجة مشكلة التأشيرات، إذ أعلنت باريس في سبتمبر (أيلول) الماضي خفض التأشيرات الممنوحة للجزائريين بنسبة 50 في المئة، وهو القرار الذي انتقدته الجزائر كونه يتنافى مع اتفاق 1968 الذي ينظم تنقل الأشخاص بين البلدين، كما يعطي الجزائريين امتيازاً دون سواهم من رعايا بقية الدول المغاربية، إضافة إلى الدفع بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وبالتالي فتح المجال أمام المستثمرين للمجيء إلى الجزائر، كما يشير عبدالرحمن عية.
عين على الصفقات واستبعاد لدور الوسيط
وفي السياق ذاته يرى مراقبون أن ماكرون سيسعى إلى محاولة إبرام صفقات تعيد له شعبيته في أوساط من انتخبوه على الأقل لإعادة التموقع مجدداً، بخاصة بعد الصفقات التي وقعتها إيطاليا مع الجزائر في مجال الغاز، واستحواذ الصين على مشروع غار جبيلات للحديد وميناء الحمدانية، إضافة إلى التقارب الجزائري مع تركيا عبر بعث استثمارات جديدة.
وبخصوص ما يثار حيال إمكان أن يلعب الرئيس الفرنسي دور الوسيط عبر أزمة الجزائر مع كل من إسبانيا والمغرب، قالت وسائل إعلام جزائرية إنها مجرد "تخيلات"، وكتبت إحدى الصحف اليومية واسعة الانتشار أن زيارة ماكرون ستركز حصرياً على إعادة بناء العلاقات الثنائية الجزائرية - الفرنسية التي مرت بفترة جمود، وليس التدخل في "ملف اتخذت فيه السلطات الجزائرية قرارها بكل سيادة، سواء في ما يتعلق بالعلاقات مع إسبانيا أو بأنبوب الغاز المغاربي - الأوروبي".