كشفت دراسة حديثة عن أن قياس مؤشر الحرارة [مؤشر قياسي يجمع بين درجة حرارة الهواء والرطوبة النسبية] الذي يحتسبه علماء الأرصاد الجوية للإشارة إلى درجة الحرارة المحسوسة يسيء تقدير الحرارة التي يشعر بها الأشخاص خلال أشد الأيام حراً.
ويقول علماء المناخ ومن بينهم باحثون من جامعة كاليفورنيا في بيركلي في الولايات المتحدة إن درجة الحرارة التي يشعر بها الأفراد تكون في بعض الأحيان أعلى بعشرين درجة فهرنهايت (حوالى 11 درجة مئوية) من المسجلة.
يتأقلم البشر مع درجات الحرارة المرتفعة من خلال التعرق وكذلك التورد وهي عملية طبيعية حين يتجه الدم إلى الشعيرات الدموية القريبة من الجلد لتبديد الحرارة.
ويعتبر الباحثون أن مؤشر الحرارة هو قياس لكيفية تعامل الجسم مع الحر عندما تكون الرطوبة مرتفعة ويصبح التعرق أقل فاعلية في تبريدنا.
وفيما اعتمد المقياس كمؤشر إلى مستوى راحة الأشخاص، يوضح العلماء أن هذا المؤشر بقي غير محدد لعدد من الظروف المناخية المتطرفة أو القاسية التي أصبحت اليوم ظاهرة متكررة بشكل متزايد بفعل التغير المناخي.
ويقولون إن المؤشر الدقيق لمستوى الراحة باستخدام القياس يتعطل عندما يتعرق الناس كثيراً لدرجة أن العرق يتجمع على الجلد.
وتترك الاستنتاجات التي نشرت أخيراً في مجلة "إنفايرمنت ريسيرتش ليترز" (Environment Research Letters) تداعيات على الأشخاص التي تعاني من صعوبات صحية أثناء موجات الحر.
ويحذر العلماء أنه عندما يكون مؤشر الحرارة مرتفعاً، يكون جسم الإنسان أكثر توتراً خلال موجات الحر مما يدرك مسؤولو الرعاية الصحية في كثير من الأحيان، ويضيفون أن مؤشراً أعلى من 103 [39.5 درجة مئوية] ربما يكون خطيراً وأعلى من 125 [51.5 درجة مئوية] يعتبر خطيراً للغاية.
وتوسع الدراسة الجديدة النموذج القديم لتمثل بدقة درجة الحرارة الظاهرية [التي نشعر بها وليس تلك المسجلة على الآلات] لحالات لم تكن مدروسة سابقاً.
وفي هذا السياق، يقول دافيد رومبس، أستاذ علوم الأرض والكواكب في جامعة كاليفورنيا بيركلي بالولايات المتحدة في بيان له "في معظم الأوقات، يعكس مؤشر الحرارة الذي تعلنه خدمة الطقس الوطنية الرقم الصحيح. ولكن في الحالات [الطقس] المتطرفة وحدها نحصل على المؤشر الخاطئ.
وأضاف الدكتور رومبس وهو الشريك المؤلف للدراسة "يصبح هذا الأمر مهماً عندما تبدأ برسم خريطة مؤشر الحرارة على الحالات الفسيولوجية [علم وظائف الأعضاء] وتدرك عندها بأن هؤلاء الأشخاص يتعرضون للإجهاد بسبب ارتفاع شديد في تدفق الدم في الجلد حيث يقترب الجسم من نفاد الحيل للتعامل مع هذا النوع من الحرارة والرطوبة. ولهذا أصبحنا أقرب إلى هذا الحد مما اعتقدنا أننا كنا من قبل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي البحث الجديد، طبق العلماء مؤشر الحرارة الموسع على أول أعلى 100 موجة حر حصلت بين عامي 1984 و2020، ووجدوا أن سبعاً من أصل عشر موجات حر الأكثر إجهاداً من الناحية الفسيولوجية في الولايات المتحدة خلال تلك الفترة حصلت في الغرب الأوسط، خصوصاً في إيلينوي وأيوا وميسوري وليس في الجنوب الشرقي كما افترض علماء الأرصاد.
وفي ذكر مثال لأحد الاستنتاجات المستخلصة من الدراسة، يقول العلماء إن أعلى مؤشر للحرارة سجل خلال موجة الحر التي ضربت شيكاغو في يوليو (تموز) 1995 والتي أدت إلى مقتل 465 شخصاً في الأقل كان 135 درجة فهرنهايت (57.2 درجة مئوية) بينما كانت درجة الحرارة المحسوسة حوالى 154 درجة فهرنهايت (67.7 درجة مئوية).
ويذكر الأطباء أن الجسم يبدأ عادة بالخروج عن السيطرة عندما ترتفع حرارة الجسم لتعادل درجة حرارة الجسم الأساسية التي تسجل حوالى 98.6 درجة فهرنهايت (37 درجة مئوية).
عند تخطي هذه الحرارة، تبدأ حرارة الجسم الأساسية بالارتفاع وتكون أقصى درجة حرارة أساسية محتملة هي حوالى 107 درجات فهرنهايت (41.6 درجة مئوية) وهي عتبة الموت من الحر.
ويعتبر العلماء أنه بالنسبة إلى الأفراد الأكثر صحة، يتم بلوغ هذه العتبة عندما يسجل مؤشر الحرارة 200 درجة فهرنهايت (93.3 درجة مئوية).
وبينما بلغ مؤشر الحرارة المسجل في ذلك الوقت بمطار ميدواي في شيكاغو 124 درجة فهرنهايت (51.1 درجة مئوية)، مما يعني ارتفاعاً بنسبة 90 في المئة في تدفق دم البشرة، تقترح الدراسة أن الأشخاص الموجودين في الظل اختبروا تدفق الدم إلى الجلد بنسبة 170 في المئة فوق المعدل الطبيعي للتأقلم مع الحرارة المرتفعة والرطوبة من خلال التورد.
وفي سياق متصل، يقول الدكتور رومبس "يسهم توجه الدم إلى البشرة في إجهاد النظام لأنك بذلك تسحب الدم الذي من شأنه الذهاب إلى الأعضاء الداخلية وترسله إلى البشرة لمحاولة رفع حرارة الجلد. إن الحساب التقريبي الذي تستخدمه خدمة الطقس الوطنية والمعتمد على نطاق واسع يقلل عن غير عمد الأخطار الصحية لموجات الحرارة الشديدة".
وأضاف "ولكن الآن بعدما حصلنا على هذا النموذج من التنظيم البشري للحرارة الذي يعمل في هذه الظروف، ماذا يعني ذلك حقاً بالنسبة إلى القابلية على العيش في الولايات المتحدة والكوكب ككل في المستقبل؟ تبرز أمامنا بعض الأمور المرعبة".
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 22 أغسطس 2022
© The Independent