تتجه مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر إلى "التضييق" القانوني، بعد الفوضى التي باتت تطبع هذا القطاع، وعلى الرغم من الترسانة التشريعية التي تنظمه غير أن التطبيق يبقى بعيداً من الواقع، الأمر الذي شجع على النصب والاحتيال وارتكاب الجرائم.
قضية "المؤثرين"
وفتحت قضية "المؤثرين" الذين اتهموا بجرائم عدة منها النصب والاحتيال بحق عشرات الطلبة والاتجار بالبشر وتبييض الأموال عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ملف الإشهار على "السوشيال ميديا" الذي أخذ أبعاداً خطيرة في ظل صمت الجهات الوصية.
ومجرد "ستوري" لا تتجاوز مدته بضع دقائق، يمكنه تحقيق مكاسب مالية ضخمة لصاحبه الـ "مؤثر" الذي يمتلك ملايين المعجبين، من دون حسيب ولا رقيب، ومن دون دفع ضرائب ولا جباية، لكن ليس في كل الأحوال هناك نجاحات، فقد تتحول الخطوة إلى نقمة عندما يتعلق الأمر بضحايا ذنبهم أنهم من المتابعين والمعجبين غرّر بهم استغلالاً لحاجتهم، وتنتقل الأمور إلى العدالة فالسجن في حال كشفت التحقيقات عن نصب واحتيال وجرائم يعاقب عليها القانون.
القانون حاضر والعقوبات أيضاً... ولكن
ويعتبر شهر مايو (أيار) 2018، تاريخ صدور أول نص قانوني ينظّم التجارة الإلكترونية في البلاد، وتم اعتباراً من 2019 إدراج هذا النشاط في مدونة الأعمال الاقتصادية، وبحسب الإحصائيات الصادرة عن المركز الوطني للسجل التجاري، فقد بلغ عدد التجار الإلكترونيين المسجلين إلى غاية منتصف فبراير (شباط) الماضي 1974 تاجراً.
ولخص القانون شروط ممارسة هذه التجارة في وجوب تمتع أحد أطراف العقد الإلكتروني بالجنسية الجزائرية، أو أن لديه إقامة شرعية في الجزائر، أو أنه شخص معنوي خاضع للقانون الجزائري، أو أن يكون العقد محل إبرام أو تنفيذ في البلاد، كما وضع وحدد قائمة المواد الممنوعة في التجارة الإلكترونية، ويتضمن العقد المعلومات المرتبطة بالخصائص التفصيلية للسلع أو الخدمات، وشروط وكيفية التسليم والضمان وخدمات ما بعد البيع، وكيفية الدفع وإعادة المنتوج ومعالجة الشكاوى.
وفي الجانب المرتبط بالعقوبات، تتلخص هذه الأخيرة في ما قد يترتب عن مخالفة أحكام القانون وفقاً لمواده، فمنها الغرامات المالية ومضاعفتها في حال تكرار الجريمة نفسها خلال 12 شهراً، كما يمكن للقاضي في مواد أخرى اللجوء إلى غلق الموقع الإلكتروني، أو شطب صاحبه من السجل التجاري، والتعليق الفوري للتسجيل في أسماء النطاق لأي شخص معنوي أو طبيعي يقترح توفير سلع أو خدمات عن طريق الاتصالات الإلكترونية.
إقبال المنتج وتخوف المستهلك
ولقد عرفت التجارة الإلكترونية انتشاراً لافتاً بسبب جائحة "كورونا" من جهة، ثم توسع استعمالات منصات التواصل الاجتماعي من جهة أخرى، وبذلك وجد المستهلك الجزائري نفسه تحت وقع الخضوع لضغط العالم الافتراضي، وفي حين كان يرجو قضاء حوائجه بسرعة من دون تنقل، بات يواجه ميداناً لا يمكن الوثوق به بعد تضاعف التجاوزات وحالات النصب والاحتيال والغش.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى العكس، لقي هذا النشاط إقبالاً كبيراً من طرف أصحاب الشركات والمنتجين لما يوفره لهم من إشهار من دون أعباء مالية ضخمة كالتي تتطلبها القنوات التلفزيونية، وكذلك في غياب المراقبة، بخاصة أن الرهان على "المؤثرين" في وصول منتوجاتهم إلى شريحة واسعة من المستهلكين أثبت نجاعته للعدد الكبير للمعجبين.
تقنين النشاط ووضع حد للفوضى
وفي السياق، اعتبر الحقوقي إبراهيم بهلولي أن صفحات التواصل الاجتماعي في الجزائر أصبحت تستغل بشكل سيء وسلبي، وتحولت وسيلة للثراء من دون أن تستفيد الدولة من الأرباح التي يجنيها هؤلاء من الومضات الإشهارية ومقاطع الدعاية لشركات اقتصادية وحتى لدعم حملات انتخابية، مشدداً على ضرورة تقنين هذا النشاط ووضع حد للفوضى التي عرفتها المواقع الإلكترونية قبل سنوات، ووضع شروط للعمل بسجل تجاري إلكتروني وبطاقة خاصة، مع فرض رقابة صارمة، وأبرز ضرورة التعريف بـ"المؤثر" وتحديد شروط عمله، ووضع إطار قانوني لنشاطه لما يتطلبه المجتمع من حيث المحتوى والتحصيل المالي والضريبي.
وتحدث بهلولي عن القضية التي أثارت ضجة إعلامية كبيرة أخيراً وعرفت بقضية "المؤثرين"، مطالباً بأخذ العبرة لتجنب تكرار ما حدث، ومراجعة النصوص القانونية لردع مثل هذه الجرائم وعمليات النصب الإلكترونية، وقال إن للترسانة القانونية المتعلقة بالجريمة الإلكترونية إجراءات قديمة لا يمكنها ضبط النشاط ومحاربة التجاوزات، إذ لا بد من سن قوانين جديدة لتنظيم نشاط هؤلاء الأشخاص.
"التأثير" لا يقاس بالمحتوى؟
إلى ذلك، أكد أستاذ الحقوق ساسي عدنان أن نشاط "المؤثرين" عبر مواقع التواصل الاجتماعي أصبح يشهد نوعاً من التسيب والفوضى العارمة، مشيراً إلى خطورة الأمر وما قد يسببه من تهديد لكيان الدولة من خلال استغلال بعض الجهات هؤلاء المشاهير لطرح مواضيع حساسة قد تمس أمن وسلامة التراب الوطني، وقال إن محتوى بعض الحسابات تسبب في حدوث شرخ بالمجتمع واختراق خصوصيته، إذ أصبح "التأثير" لا يقاس بمحتوى ما يقدم، بل بعدد المتابعين والمشتركين، ليصبح "المؤثر" لاحقاً مطلوباً من قبل شركات معروفة للدعاية والترويج لمنتجاتها مقابل مبالغ مالية ضخمة، واقترح ضرورة وجود مرافقة قانونية من طرف ذوي الاختصاص، تضبط النشاط عبر المواقع الإلكترونية خلال إبرام عقود الإشهار حتى تكون الإجراءات رسمية ويلتزم بها مختلف الأطراف وتضمن حقوقهم في حال حدوث أي طارئ.
تقديم خدمة الإشهار ليس إلا
في المقابل، قالت "المؤثرة" نوميديا لزول، التي تم الافراج عنها أخيراً بعد 6 أشهر حبساً في "قضية الطلبة"، "أنا أول مؤثرة في الجزائر، كنت أقدم إعلانات رمضانية لأكبر الشركات وليست لدي أية علاقة بالنصب، عندي مصداقية".
كما أوضح "المؤثر" بوجملين فاروق المدعو "ريفكا" أنه "قام بعمله المعتاد وهو تقديم خدمة إشهار"، مضيفاً، "أبرمت عقداً لمدة سنة مع إحدى الشركات، وطلب مني حينها التوجه إلى تركيا وأوكرانيا من أجل نقل فيديوهات توضح الوضعية الجيدة التي يعيشها الطلبة المتمدرسين"، وتابع، "تعاملت مع شركات عالمية وخدماتي تستحق أن تدفع من أجلها هذه المبالغ".