يبدو أن المشكلات التي ستواجه كواسي كوارتينغ عندما يصبح وزيراً للخزانة البريطانية في السادس من سبتمبر (أيلول) المقبل، ستكون هي نفسها التي تواجه أوليفر دودن في ما لو أصبح وزيراً للخزانة في حكومة ريشي سوناك.
من المؤكد أن كوارتينغ يبدو واثقاً من أنه سيتولى منصب وزير الخزانة، خصوصاً بعد أن كتب مقالاً في صحيفة "ذا ميل أون صنداي" قال فيه، "أريد طمأنة الشعب البريطاني إلى أن المساعدة آتية". ولا بد من أن تكون عباراته هذه قد أخذت موافقة رئيسة الوزراء المقبلة والتي يدير هو بنفسه حملتها الانتخابية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذه المساعدة التي يعد بها كوارتينغ ستأخذ تقريباً نفس شكل سابقاتها، بغض النظر عمن يسيطر على زمام الأمور عندما يغادر بوريس جونسون، رئيس الوزراء الحالي، "داونينغ ستريت". وأياً كان ما قالته ليز تراس، وزيرة الخارجية المرشحة لخلافته خلال حملتها، في شأن تقليص وظائف القطاع العام وإطلاق العنان للأسواق الحرة، فإن ذلك سيكون كلاماً في مهب الريح، لأن الدولة البريطانية تتهيأ للقيام بمبادرة تدخل إنقاذية كبرى هي الثالثة من نوعها منذ الانهيار المالي في عام 2008.
لا شك في أن تفاقم حجم أزمة أسعار الطاقة سيحدث إرباكاً كبيراً للحكومة، وهو من الضخامة بحيث يجعل صراحة أي نقاش حول "القواعد التقليدية للحوكمة المالية" أمراً لا يمت إلى الواقع بصلة، كما أنه ما من شيء يشبه نهج "ممارسة الأعمال كالمعتاد" الذي تدعي تراس أنه يتناقض مع مفهومها حول حماية البلاد من العاصفة المقبلة.
لكن الخلاف الأكثر أهمية في ما يتعلق بسياسة الحكومة الجديدة ليس التباين بين تراس وسوناك على مسألة التخفيضات الضريبية. فعندما تصبح تراس رئيسة للوزراء سيتعين عليها مرة أخرى وضع "الطاقة الضخمة للدولة البريطانية" -على حد التعبير الذي استخدمه سوناك خلال فترة الركود التي سببها إغلاق "كوفيد"- في خدمة الناس، بالتالي لن تجد تراس وكوارتينغ مفراً من السير على خطى سوناك في السياسة التي انتهجها خلال فترة الوباء، لمواجهة الأزمة الجديدة.
الانقسام المهم قد يكمن في اختلاف الرؤى التي يركز عليها اثنان من كبار فريق ليز تراس، وهما كوارتينغ الذي يتولى في الوقت الراهن منصب وزير الأعمال، وسايمون كلارك الذي ما زال الأمين العام لوزارة الخزانة (المالية)، حيث يعتقد أن كوارتينغ يميل إلى فكرة إنشاء "صندوق لتمويل العجز" يسمح لموردي الطاقة بتجميد الأسعار لمدة سنتين. ومن شأن ذلك، كما تهدف إليه خطة زعيم حزب "العمال" المعارض كير ستارمر، أن يعود بالفائدة على جميع المستهلكين في المملكة المتحدة، أغنياء كانوا أم فقراء (مهمة الصندوق تغطية الفرق بين ما يدفعه الناس مقابل الطاقة والكلفة الحقيقية للتزود بها).
في الجهة المقابلة يعارض كلارك فكرة أن يتصدق دافعو الضرائب بمساعدات لأناس لا يحتاجون إليها، ويميل إلى أن يستهدف الدعم الحكومي الفقراء فقط، كما انتقد الشمولية التي اتبعها ريشي سوناك في إجراءاته (عندما كان وزيراً للخزانة)، والمتمثلة بشطبه لـ400 جنيه استرليني (472 دولاراً أميركياً) مباشرة من جميع فواتير هذا الشتاء، إضافة إلى المساعدة المخصصة من خلال نظام المساعدات والدعم للفئات الضعيفة من الناس.
وسيكون أول قرار مهم يتعين على تراس أن تأخذه هو نطاق المساعدات الذي ستقدمها الدولة للأشخاص الذين -سواء رغبوا بها أم لا- يستطيعون تدبر أنفسهم وتأمين أمورهم المعيشية. سيتمحور الموضوع حول إيجاد توازن بين الدعم المستهدف وكذلك الشامل في تسديد فواتير الطاقة. وإذا ما مضى كوارتينغ في فكرة إنشاء "صندوق تمويل العجز"، فإن ذلك يعد شكلاً من أشكال الشمولية. وستكون تلك طريقة ذكية لاستنساخ سياسة حزب "العمال"، مع الإصرار طبعاً على أنها مختلفة تماماً. ولا بد من أن يكون تأثير ذلك هو نفسه لجهة تثبيت الأسعار عند مستوياتها الراهنة، لكن بدلاً من تمويل "صندوق تمويل العجز" من زيادة ما يسمى الضرائب المفاجئة (windfall tax) على شركات الطاقة أو زيادة الاقتراض الحكومي، سيتم سداد أموال هذا الصندوق من خلال شركات الطاقة التي ستفرض أسعاراً أعلى على فواتيرها على مدى عقود من الزمن.
النتيجة في النهاية ستكون نفسها إلى حد ما، إذ لا يوجد شيء اسمه مال بالمجان (قد يكون هذا أحد العناصر المملة لـ"القواعد المالية التقليدية" التي تنتقدها تراس، لكنها ستضطر إلى تقبلها بمجرد أن تتحمل المسؤولية عن الشؤون المالية للبلاد). وإذا كانت الحكومة راغبة في تثبيت أسعار الطاقة فسيتعين علينا جميعاً أن ندفع ثمنها في وقت لاحق، إما كمستهلكين للطاقة، أو كدافعي ضرائب يمولون الدين الوطني.
إنني في الواقع أشك في ما إذا كانت تراس وكوارتينغ سيذهبان إلى حد تجميد أسعار الفواتير تجميداً كاملاً لأن ذلك سيكون مكلفاً للغاية. أظن أن الضرورة ستدفع بهما إلى اعتماد سياسة الدعم الحكومي المستهدف للفئات التي تحتاج إليه، والتي يدعو إليها كلارك بطبيعة الحال، وربما ينتهي الأمر بهما في نقطة ما في الوسط، بمزيج من التدابير الشاملة والموجهة، تماماً كما فعل ريشي سوناك عندما اضطر إلى اتخاذ قرار مشابه في مايو (أيار) الماضي.
تراس ربما على وشك إعادة تعلم قول المحافظين المأثور: لا وجود للحلول، وإنما هناك مقايضات فقط. فهجومها الأرعن على وزارة الخزانة، وهي الوزارة الوحيدة في الحكومة التي تمتلك القوة الفكرية الفعلية اللازمة للتعامل مع أزمة اقتصادية عالمية، سيتم تجاهله، كما أن تقليلها من أسس "القواعد المالية التقليدية" سيدخل طي النسيان حتى قبل أن تضطر إلى توضيح ما تقصد به.
هل عنت بكلامها وجهة النظر التقليدية لوزارة الخزانة بأن الاقتراض العام يجب أن يكون مستداماً؟ أم إنها قصدت وجهة النظر الأوسع للخزانة منذ أيام الوزير الأسبق للخزانة غوردون براون، بأن حماية الفقراء تشكل جزءاً من المصلحة الاقتصادية للمملكة المتحدة ككل؟
ربما لن نعرف ذلك على الإطلاق لكنها ستكتشف أنها بحاجة إلى وزارة الخزانة، وأنها لا تستطيع تغيير الواقع بمجرد رفضها مطالبة "مكتب الميزانية" Office for Budget Responsibility بتقديم توقعاته. العبارات المبتذلة التي لا تكف عن تردادها في حملتها الانتخابية والمتمثلة في أن "اقتصاداً منخفض الضرائب" من شأنه أن يضع "الحرية الشخصية والمسؤولية في صلب كل ما نقوم به" لن تكون كافية لإقناع ناخبيها. وسيتعين عليها في السادس من سبتمبر أن تبدأ باتخاذ قرارات تتعلق بالطرق التي ستعتمدها في توزيع المسؤوليات لمواجهة المشقات المقبلة.
© The Independent