Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أزمة دبلوماسية مرشحة للتصعيد بين المغرب وتونس

الرباط تعتبر "جميع الاحتمالات مفتوحة بخصوص مصير العلاقات" وتونس تستغرب ما ورد في البيان

الرئيس التونسي مستقبلاً إبراهيم غالي (صفحة الرئاسة التونسية على فيسبوك)

العلاقات المغربية - التونسية ليست بأفضل أحوالها بعد أن قررت المملكة الاستدعاء الفوري لسفيرها حسن طارق في تونس من أجل التشاور، على خلفية استقبال الرئيس قيس سعيد زعيم جبهة "البوليساريو" إبراهيم غالي، الجمعة الـ26 من أغسطس (آب)، لمناسبة انعقاد الدورة الثامنة لمنتدى التعاون الياباني الأفريقي "تيكاد".

"تاريخ مشترك"

من جهتها، ترى الرباط أن "تونس ضاعفت أخيراً من المواقف والتصرفات السلبية تجاه المملكة المغربية ومصالحها العليا"، معتبرة أن "تونس قررت خلافاً لرأي اليابان، وفي انتهاك لعملية الإعداد والقواعد المعمول بها بشكل أحادي الجانب، دعوة الكيان الانفصالي"، في إشارة إلى "جبهة البوليساريو" التي تطالب بانفصال الصحراء عن سيادة المملكة، بينما هذه الأخيرة تقترح الحكم الذاتي حلاً لنزاع الصحراء.

ووصفت وزارة الخارجية المغربية الاستقبال الذي خصصه رئيس الدولة التونسية لزعيم "جبهة البوليساريو"، التي تم نعتها في البلاغ ذاته بـ"الميليشيا الانفصالية"، بأنه "عمل خطير وغير مسبوق يسيء بشكل عميق إلى مشاعر الشعب المغربي، وقواه الحية".

ووفق الرباط "هذا الموقف العدائي يضر بالعلاقات الأخوية التي ربطت البلدين على الدوام، كما لا يؤثر بأي شكل من الأشكال على الروابط القوية والمتينة القائمة بين الشعبين المغربي والتونسي، اللذين يجمعهما تاريخ ومصير مشترك".

رد تونس

ولم يتأخر رد تونس كثيراً، عندما استدعت بدورها سفيرها في الرباط من أجل التشاور، وقالت الخارجية التونسية في بلاغ لها إن "تونس حافظت على حيادها التام في قضية الصحراء التزاماً بالشرعية الدولية، وهو موقف ثابت لن يتغير إلى أن تجد الأطراف المعنية حلاً سلمياً يرتضيه الجميع".

وأوضحت أن الاتحاد الأفريقي عمم مذكرة يدعو فيها كل أعضاء الاتحاد الأفريقي بمن فيهم زعيم جبهة "بوليساريو" للمشاركة في فعاليات قمة طوكيو الدولية للتنمية في تونس.

وأعربت الخارجية عن استغرابها الشديد مما ورد في بيان المملكة المغربية من تحامل غير مقبول على تونس ومغالطات بشأن مشاركة وفد الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في الندوة المذكورة.

وأضاف البيان أن رئيس المفوضية الأفريقية وجه دعوة فردية مباشرة إلى إبراهيم غالي لحضور القمة.

وبينت الخارجية أنه خلافاً لما ورد في البيان المغربي، فقد "قام الاتحاد الأفريقي في مرحلة أولى بصفته مشاركاً رئيساً في تنظيم ندوة طوكيو الدولية، بتعميم مذكرة يدعو فيها كافة أعضاء الاتحاد الأفريقي بما فيهم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية للمشاركة في فعاليات قمة تيكاد-8 بتونس".

كما وجه رئيس المفوضية الأفريقية، في مرحلة ثانية دعوة فردية مباشرة للجمهورية الصحراوية لحضور القمة، وأن هاتين الدعويين تأتيان تنفيذاً لقرارات المجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي في اجتماعه المنعقد في زامبيا يومي 14 و15 يوليو (تموز) 2022 بحضور الوفد المغربي، حيث شدد القرار على ضرورة دعوة كل أعضاء الاتحاد الأفريقي للمشاركة في قمة "تيكاد-8".

وأشارت إلى أنه "سبق للجمهورية الصحراوية أن شاركت في الدورة السادسة للتيكاد المنعقدة في نيروبي - كينيا سنة 2016، والدورة السابعة المنعقدة في يوكوهاما - اليابان سنة 2019، كما شاركت أيضاً في اجتماعات إقليمية أخرى على غرار القمة الأفريقية - الأوروبية التي عقدت في فبراير (شباط) 2022 في بروكسل، وذلك بمشاركة المملكة المغربية في جميع هذه القمم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأكدت وزارة الخارجية أنه "بناء على ما سبق من معطيات موثقة لدى الاتحاد الأفريقي فإنه لا وجود لأي تبرير منطقي للبيان المغربي، لا سيما وأن تونس احترمت جميع الإجراءات الترتيبية المتعلقة باحتضان القمة، وفقاً للمرجعيات القانونية الأفريقية ذات الصلة بتنظيم القمم والمؤتمرات واجتماعات الشراكات".

وأعلنت تونس حرصها على المحافظة على علاقاتها الودية والأخوية والتاريخية العريقة التي تجمعها بالشعب المغربي، رافضة بشكل قطعي ما تضمنه البيان المغربي من "عبارات تتهم بلادنا باتخاذ موقف عدواني تجاه المغرب ويضر بالمصالح المغربية".

وشددت على أنه "انطلاقاً من ثوابت سياستها الخارجية عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام خياراتها، فإنها تؤكد أيضاً رفضها التدخل في شؤونها الداخلية وعلى سيادة قرارها الوطني. وعلى هذا الأساس فقد قررت تونس دعوة سفيرها بالرباط حالاً للتشاور".

هوة الخلافات الإقليمية

ووصف الحزب الذي يقود الحكومة المغربية "التجمع الوطني للأحرار" استقبال رئيس الدولة في تونس زعيم جبهة البوليساريو بأنه "فعل عدائي غير مسبوق ضد المغرب ووحدته الترابية، يؤكد بالملموس مسلسل التهور الذي أدخل فيه قيس سعيد تونس عبر اتخاذ قرارات مجانية مفرطة في العداء للدول الصديقة، لن تفيد الشعب التونسي في شيء".

وأورد الحزب الحاكم في المغرب، ضمن بلاغ مساء الجمعة الـ26 من أغسطس، بأن "النظام التونسي عبر هذه الخطوة المتهورة وغير محسوبة العواقب يصطف اليوم مع أعداء المملكة، وداعمي الميولات الانفصالية في المنطقة، ما من شأنه أن يزيد من هوة الخلافات الإقليمية بشكل خطير، ويؤثر على استقرار المنطقة التي تتوق شعوبها إلى تحقيق الاستقرار وتكريس الديمقراطية".

في المقابل، نشرت مواقع تابعة لـ"جبهة البوليساريو"، المنادية بانفصال الصحراء عن السيادة المغربية، صوراً تظهر استقبال إبراهيم غالي في تونس قبيل انعقاد منتدى "تيكاد"، سواء في مطار قرطاج الدولي أو لدى مباحثاتهما الثنائية.

الصحراء خط أحمر

أفاد مسؤول مغربي في تصريح لـ"اندبندنت عربية" بأن "المغرب اضطر إلى اتخاذ قرار الاستدعاء الفوري للسفير المغربي في العاصمة تونس، بعد تراكم إشارات سلبية من هذا البلد المغاربي ضد مصالح المملكة العليا، خصوصاً قضية الصحراء التي تعتبرها المملكة خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه".

ووفق المصدر عينه فإن "جميع الاحتمالات تبقى مفتوحة بخصوص مصير العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وتونس"، مبرزاً أن القرار يأتي تأكيداً لما قاله الملك محمد السادس قبل أيام في خطاب "ثورة الملك والشعب"، بخصوص تأسيس معيار العلاقات التي يرسيها المغرب مع باقي دول العالم، ممثلاً في ملف الصحراء.

وكان العاهل المغربي قد قال في خطابه الأخير، "أوجه رسالة واضحة للجميع: إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات. لذا، ننتظر من بعض الدول من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل".

وليست هذه المرة الأولى التي يندلع فيها سجال سياسي بسبب دعوة "جبهة البوليساريو" لحضور مؤتمر "تيكاد"، فخلال الدورة السادسة من هذا المنتدى التي نظمت في موزمبيق، اعترض وفد المغرب على مشاركة الجبهة، وأوضحت اليابان حينها أنها رفضت مشاركة وفد "البوليساريو"، وأن أعضاء الجبهة تمكنوا من الحضور بعد أن أدخلهم وزير خارجية موزمبيق من باب خلفي.

المغرب وعلى الرغم من قرار عدم المشاركة في مؤتمر "تيكاد" أظهر حرصه على تمسكه، كما ورد في بلاغ الخارجية، بمصالح أفريقيا وعمله داخل الاتحاد الأفريقي، وأيضاً التزامه في إطار "تيكاد".

"المنطقة الضبابية"

ويرى الباحث في العلاقات الدولية، عبد الواحد أولاد مولود، أن قرار المغرب الاستدعاء الفوري لسفيره من تونس يأتي في سياقات آنية مختلفة، منها وضوح الخطاب الملكي الأخير الذي رهن علاقات المغرب مع الشركاء التقليديين والجدد بوضوح مواقفها من قضية الصحراء.

وأضاف أولاد مولود أن تونس باعتبارها دولة شقيقة تنتمي إلى "الاتحاد المغاربي" كان يتعين عليها توضيح موقفها من ملف الصحراء، مشيراً إلى أن استقبال زعيم "البوليساريو" يعد نوعاً من تجاهل الدعوة المغربية.

واستذكر المحلل ذاته موقف تونس عندما كانت عضواً غير دائم في مجلس الأمن الدولي، واختارت الامتناع بخصوص تقرير الصحراء، مثل روسيا، "لم يرغب المغرب حينها إثارة أزمة دبلوماسية معها، غير أن استقبال سعيد زعيم البوليساريو رأته الرباط توجهاً عدائياً ضدها".

ووفق أولاد مولود، "الدبلوماسية التونسية لم تكترث لدعوة المغرب لتوضيح المواقف حيال نزاع الصحراء، حيث اختارت السير في صف الجزائر وجنوب أفريقيا أيضاً"، مبرزاً أن اليابان تبقى بمنأى عن تحميلها مسؤولية استدعاء غالي.

ووصف الباحث عينه قرار المغرب استدعاء سفيره بتونس للتشاور بمثابة "دعوة إلى هذا البلد الشقيق لضرورة ترتيب أوراقه ومراجعة مواقفه من أجل الخروج من المنطقة الضبابية" بخصوص ملف الصحراء.

صرامة دبلوماسية

وأعلن أولاد مولود أن "المغرب بدأ يتعامل بصرامة دبلوماسية قوية مع كل الدول التي تقف ضد مصالحه العليا، نظراً إلى اعتبارات عدة، أولها أن الدبلوماسية المغربية حشدت اعترافات كثيرة من قوى وبلدان وازنة مثل الولايات المتحدة وإسبانيا وهولندا وغيرها، ومن دول عربية شقيقة أيضاً".

وثاني الاعتبارات، وفق المتحدث، أن الكفة تميل لصالح المغرب، بالنظر إلى الدور المحوري الذي بات يلعبه في شمال أفريقيا والمتوسط، والثالث أن المغرب صار ينوع من شركائه ولم يعد متخندقاً في محور دولي واحد.

وفي سياق آخر، لفت أولاد مولود إلى أن "عدم مشاركة المغرب في الدورة الثامنة لمنتدى التعاون الياباني الأفريقي (تيكاد)، لن يؤثر في شراكاته وحضوره داخل الاتحاد الأفريقي"، مردفاً أن "الكرة تبقى حالياً في ملعب تونس، فإما أن تختار صف المغرب أو تختار معاداة مصالحه، وبالتالي تفقد شريكاً في المنطقة".

من جهته يرى خالد الشرقاوي السموني، مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن "استقبال تونس زعيم كيان غير معترف به من قبل الأمم المتحدة يعد تصرفاً مخالفاً للشرعية الدولية، ويتعارض مع الروابط التاريخية والأخوية بين البلدين".

وبعد أن أكد السموني أن "هذا الموقف لا يعبر عن الإرادة الحرة للشعب التونسي"، دعا السلطات المغربية إلى "قطع العلاقات مع تونس حتى تغير من موقفها المبهم الذي يمكن تفسيره كموقف داعم لجبهة البوليساريو الانفصالية على حساب الوحدة الترابية للمملكة"، على حد تعبيره.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات