بقفازاته السميكة وبحذاء يليق بصياد بحري يواصل محمد سولي تصريف مياه الأمطار من أمام بيته في حي "سوكوجيم" في قلب العاصمة الموريتانية نواكشوط. تلك التجربة يخوض غمارها آلاف الموريتانيين في كل موسم خريف ماطر بسبب غياب الصرف الصحي عن المدينة التي تتقطع أوصالها عند نزول الأمطار.
وتتصاعد انتقادات سكان نواكشوط العمل الحكومي مع كل خريف، فالبرك والمستنقعات تزيد من حدة التذمر في صفوف المواطنين، الذين يعانون الأمرين بفعل صعوبة العيش خلال هذه الفترة في مدينة مترامية الأطراف ويعيش فيها ثلث الموريتانيين.
ومع استمرار هطول الأمطار واتساع رقعة المساحات التي غمرتها المياه سارعت الحكومة الموريتانية بزيارات ميدانية إلى الساحات العامة والأحياء المتضررة. وعلى الرغم من صعوبة الأوضاع في عدد من الأحياء، قال الوزير الأول الموريتاني محمد بلال، إن "الوضع تحت السيطرة"، مشيراً إلى أن بعض أفراد الحكومة قطعوا إجازاتهم السنوية من أجل إسعاف المواطنين الذين حاصرتهم السيول في بعض مناطق البلاد.
مجهودات هيئة الصرف الصحي الحكومية من خلال صهاريجها التي نفذت مئات الرحلات لشفط المياه الراكدة لم تمنع انتقادات نشطاء التواصل الاجتماعي من إطلاق وسوم للتنديد بالواقع الذي يعتبرونه مزرياً.
بكثير من الأسى يشرح شيخ سكان حي "الشيارة" كيف حاصرت المياه مخارج الحي ومداخله، ويستطرد العم محمود (67 سنة) في وصف واقع حيهم المنكوب بقوله، "توقفت الحياة في الحي العامر، وامتلأت الأفنية بمنازل أغلب الجيران، وتسبب تسرب المياه من الشوارع الفرعية في إتلاف أمتعة السكان الذين أطلقوا نداء استغاثة للسلطات".
ويستحضر العم محمود معاناة السكان مع التنقل في تلك الفترة العصيبة من السنة ويقول، "أغلب أصحاب سيارات الأجرة يقاطعون شوارع حينا الغارقة خوفاً على مركباتهم من التلف، وندفع نحن الثمن عزلة وانقطاعاً عن وسط المدينة".
تأثير بيئي
صاحب تأسيس نواكشوط في نهاية الخمسينيات إنشاء صرف صحي متواضع، ولم يصمد أمام هجرات السكان المتلاحقة في أعوام السبعينيات إثر موجة الجفاف التي ضربت البلاد آنذاك، مما فاقم من مشكلة مياه الأمطار التي ظلت هاجساً لسكان المدينة المطلة على المحيط الأطلسي.
ويرى خبراء البيئة أن متاعب المدينة مع الصرف الصحي تعود إلى طبيعة موقعها وانخفاضها عن مستوى سطح البحر. ويقول الحسن خونا المتخصص في دراسات الأثر البيئي إن "غياب الصرف الصحي يؤدي إلى مشكلات عدة تتفاوت في الخطورة، حيث تسهم مياه الأمطار في استحالة الحركة بالشوارع، وتؤثر في الوسط البيئي بشكل عام للمدينة، إذ تؤدي مخلفات الأمطار الراكدة إلى تلوث يضر بصحة الإنسان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويحذر متخصصون في الصحة العامة من انتشار الأمراض المرتبطة بموسم الخريف في العاصمة، ويعتبر الجيلاني عبدالباقي "المياه الراكدة بيئة خصبة لتكاثر الطفيليات والجراثيم الناقلة للأمراض، وتنتج عنها أمراض تنتقل عن طريق تلوث الأيدي والأجساد كداء الأميبات والكوليرا والبلهارسيا".
ويتفق معه الأمين النحوي، ويضيف، "انتشار البعوض ينقل الحميات بأنواعها بخاصة حمى الضنك التي تنتشر في العاصمة مع كل خريف".
ولتجنب هذا الوضع الكارثي على الصحة العاصمة يلجأ الأهالي إلى البوادي بعيداً من نواكشوط، هروباً من ضغط الموسم الأصعب على سكان العاصمة.
الأمل في الشمس
يستخدم عبدالله إبراهيم، عضو مبادرة كوكب واحد تطبيقاً لأخبار الطقس عبر جهازه المحمول، فهاجس الأمطار يلاحقه كناشط بيئي في مدينة بلا صرف صحي. ويقول إن "إمكانات الدولة لا تستطيع السيطرة على مياه الأمطار في العاصمة على الرغم مما تبذله مصالحها من جهود"، ويتخوف من تساقطات عطلة نهاية الأسبوع لأنها "ستزيد نواكشوط بلة".
وينتظر سكان العاصمة الموريتانية في الشيارة وسوكوجيم وعشرات الأحياء الأخرى ظهور الشمس، فهي بالنسبة إليهم الأمل الوحيد في تجفيف البرك والمستنقعات التي حولت حياتهم إلى جحيم لا يطاق، فصهاريج هيئة الصرف الصحي لا تكفي لصرف مياه الأمطار التي تسبح فيها أحياء نواكشوط.