تجاوز الدولار الأميركي في 22 أغسطس (آب) الحالي عتبة 3.200 دينار تونسي في سوق التعاملات البنكية أي أكبر ارتفاع عرفته العملة التونسية بتاريخها.
وبحسب مؤشرات البنك المركزي التونسي على موقعه الرسمي، "فإن دولاراً واحداً يعادل 3.209 دينار"، ويعود آخر رقم قياسي في سجل الهبوط المقلق للعملة التونسية إلى 12 يوليو (تموز) الماضي إذ بلغ سعر صرف العملة التونسية مقابل الدولار 3.196.
ارتفاع المخاوف
وفي ضوء هذا التراجع اللافت للدينار، زادت مخاوف التونسيين من تعقد أوضاعهم المعيشية وصار حديث معظمهم مرتكزاً على تداعيات ارتفاع الدولار أمام العملة المحلية على أسعار المنتجات والمواد الاستهلاكية، لا سيما المستوردة منها.
وتشهد البلاد نفاد منتجات عدة، وإن وجدت فإن المحال التجارية تشترط كمية معينة مثال ذلك اشتراط اقتناء 200 غرام فقط من القهوة، نظراً إلى عدم توافر السلعة بالكميات المطلوبة لعجز ديوان التجارة الحكومي عن توريد الكميات الضرورية على خلفية الوضع المالي الصعب.
تراجع لافت في ستة أشهر
تأكيداً على الأوضاع الصعبة التي تعيشها البلاد، بخاصة انخفاض قيمة العملة المحلية تراجعت قيمة سعر صرف الدينار أمام الدولار في سوق المعاملات البنكية بنسبة 7.4 في المئة خلال الأشهر الستة الأولى من السنة الحالية، بينما تحسن بنسبة 1 في المئة وفق مؤشرات البنك المركزي التونسي.
وشهد معدل سعر صرف الدينار خلال الأشهر الستة الأولى من 2022 بالمقارنة مع الفترة ذاتها من السنة الماضية تراجعاً بنسبة 8.1 في المئة أمام الدولار، بينما سجل تحسناً بنسبة 1.4 في المئة أمام اليورو و4.8 في المئة أمام اليان الياباني و0.1 في المئة أمام الدرهم المغربي.
توقعات صائبة
وأكدت توقعات المتخصصين في تونس أن الدينار سيواصل رحلة الانزلاق مقابل الدولار واليورو في غياب سياسة نقدية واضحة وضعف احتياطي البنك المركزي من العملة الصعبة الذي يستقر بمعدل 114 يوم توريد في الوقت الراهن.
وشهدت العملة التونسية تراجعاً لافتاً لقيمة سعر صرفها مقابل العملتين الأميركية والأوروبية على مدار تسعة أعوام إذ هوى سعر الدينار أمام الدولار 107 في المئة منذ عام 2011 حتى بداية 2019، ومع بداية 2011 بلغ سعر الدولار 1.424 دينار وارتفع الدولار تدريجاً حتى بلوغه 1.871 دينار عام 2015، ثم كسر حاجز الدينارين في 2016، وصعد عاماً بعد آخر ليسجل 2.439 عام 2018، ومع بداية 2019 قفز الدولار إلى 2.949.
كما يثير هبوط الدينار التونسي مخاوف حقيقية وسط دعوات لحكومة نجلاء بودن إلى الحد من انزلاق الدينار مقابل العملات الأجنبية، تفادياً لأي تداعيات جديدة لتراجع العملة المحلية على الاقتصاد الوطني.
تداعيات خطيرة على واردات تونس
يقول المتخصص في الأسواق المالية معز حديدان إن ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار الذي بلغ رقماً قياسياً جديداً ستكون له تداعيات خطيرة، خصوصاً على الواردات وتسديد تونس لديونها"، وأشار إلى أن "الديون العمومية التونسية تبلغ اليوم 107 مليارات دينار (33.4 مليار دولار) منها 66 مليار دينار (20.6 مليار دولار) ديوناً عمومية خارجية أي ما يعادل 46 في المئة من الناتج الداخلي الخام التونسي واصفاً الرقم بالكبير بالنسبة إلى الاقتصاد الوطني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يضيف، "من الملاحظ أن خدمة تسديد الدين الخارجي لسنة 2022 تعادل 6 مليارات دينار (1.8 مليار دولار)، وفي ظل ارتفاع الدولار مقابل الدينار ستصعد كلفة خدمات الدين الخارجي وستكون في حدود 680 مليون دينار (212.5 مليون دولار) إضافية لتسديد الديون الخارجية أصلاً وفائدة".
خمسة تأثيرات لانخفاض الدينار
وأوضح حديدان أن ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار سيؤدي إلى انعكاسات سلبية على تونس في خمسة محاور أساسية، بينها زيادة واردات البلاد بالدولار على غرار المحروقات والحبوب إلى جانب صعود قائم الدين العمومي، بخاصة خدمات الدين"، مشيراً إلى أن "24 في المئة من الدين الخارجي لتونس بالدولار، كما ستنمو نسبة التضخم والمقدرة الشرائية، تحديداً التضخم المستورد بالدولار من خلال زيادة كلفة التصنيع جراء توريد المواد الأولية، كما أن الشركات الموردة للمنتجات ستواجه بدورها صعوبات مرتبطة بزيادة الكلفة جراء توريد المواد الأساسية بالدولار مما سيدفعها إما إلى رفع الأسعار أو إلى تقليص هامش الربح لديها. كما ستجد الدولة نفسها مضطرة، في إطار سياسات الحفاظ على المقدرة الشرائية إلى دعم المواد الموردة، بالتالي ارتفاع مخصصات الدعم التي ستنعكس على الموازنة".
وكشف حديدان أنه ستكون للارتفاع أيضاً انعكاسات على الاحتياطي النقدي بالدولار، علماً أن تقلص احتياطات النقد الأجنبي لتونس خلال اليومين الأخيرين إلى 114 يوماً يعود إلى تراجع سعر صرف عملة اليورو، وأبرز في المقابل أن تحويلات التونسيين بالخارج ستزيد، بخاصة تلك المتأتية من تحويلات المقيمين منهم بالخليج في ظل ارتفاع أسعار تحويل الدولار إلى دينار".
ثمن باهظ
وربط معز الجودي، رئيس الجمعية التونسية للحوكمة وأستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية تراجع الدينار التونسي بالقدرة الشرائية للتونسيين من خلال ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والخدمات وزيادة نسبة التضخم إلى 8.2 في المئة المرشحة للصعود خلال الأشهر المقبلة، ويوضح أن" البنك المركزي اعتاد على تحديد سعر مرجعي للدينار خلال بداية عملية العرض والطلب في سوق الصرف، لكنه كان يتدخل لشراء الدينار بالعملة الصعبة من أجل تعديل قيمته وليحد من انزلاقه وهو ما يرفضه صندوق النقد الدولي، معتبراً أن هذا التدخل لا يعكس قيمة الدينار الحقيقية".
الوضع سيزداد سوءاً
من جانبه توقع عز الدين سعيدان، المتخصص في الشؤون المصرفية أن "تراجع قيمة الدينار التونسي سيزيد أكثر مما هو عليه اليوم بتواصل صعود قيمة العملات الأجنبية مقابل انحدار الدينار"، وأكد أن "الميزان التجاري هو الفرق بين الصادرات والواردات وأن تونس تعيش عجزاً شهرياً بقيمة 1 مليار دينار (312.5 مليون دولار) شهرياً بمعنى أن الواردات تفوق الصادرات بواحد مليار دينار في شهر"، وأشار إلى أن هناك علاقة وثيقة بين صندوق النقد الدولي وتراجع قيمة الدينار، موضحاً أن "الصندوق يفرض شروطاً على البلدان التي يقرضها، بينها تعديل قيمة الدينار أو تعويمه، فشرع البنك المركزي في تعديله وهو ما نتج منه تدني قيمته"، ورجح أن "يؤثر هذا التراجع سلباً في الوضع الاقتصادي بالبلاد، خصوصاً وسط ارتفاع العجز التجاري والحاجة إلى تدعيم الاحتياطي من العملة الأجنبية".
وشرح سعيدان أن "هذا التراجع طبيعي وأسبابه داخلية ترتبط بضعف المردود الاقتصادي في تونس وانعدام النمو الاقتصادي، كما لها علاقة بارتفاع نسبة التضخم"، لافتاً إلى أن زيادة نسبة التضخم تؤثر بصفة مباشرة في قيمة العملة الوطنية بالداخل والخارج".