تحت شعارات عدة مثل "أنصفوا المتميزين"، و"لا تكسروا عزيمتنا"، و"لا تقتلوا أحلام 6 سنوات"، و"نرفض أن نكون صيداً سهلاً للكليات الأهلية"، و"أين ذهبت وعودكم"، تجمع حشد من الطلبة المتميزين في تظاهرة للمطالبة بحقوقهم وامتيازاتهم أمام مبنى وزارة التربية وسط بغداد.
وقد أكدت المطالب بمجملها سواء في بغداد أو المحافظات، على استعادة الطلبة حقهم السابق الذي وعدتهم به وزارة التربية، بإضافة درجتين على المعدل لكل مادة دراسية، فضلاً عن تعديل نسبة العشرة في المئة الممنوحة لهم، والتي عدوها عقوبة وليست امتيازاً من الوزارة، وطالبوا بمنحهم امتيازات توازي ما بذلوه من جهود.
فخريج إعدادية المتميزين يمتلك لغة ثانية وهي الإنجليزية أو الفرنسية، ومستوى علمياً ممتازاً، ولكن لدى تقديمه في كليات المجموعة الطبية يفاجأ أنه يتفوق عن نظيره خريج الإعدادية العامة بنسبة قبول لا تتجاوز العشرة في المئة التي خصتهم بها وزارة التعليم العالي، وهنا يتبادر سؤال إلى أذهان الطلبة وأهاليهم، معتبرين أنه لا بد من المقارنة بين الإمكانية والمعلومات التي يمتلكها كل من خريجي الإعدادية العامة وخريجي مدارس المتميزين.
قناتا القبول
وينص القرار الوزاري الصادر عن وزارة التعليم العالي إمكانية تقديم الطلبة في مدارس المتميزين وثانويات (كليات بغداد) على قناتي القبول المركزي، وقناة المتميزين بنسبة عشرة في المئة.
سارة (17 سنة) من مدرسة متميزات الخضراء، ناشدت قائلة، "هذا ليس إنصافاً لأن وزارة التعليم أشركتنا مع مدارس اللغة العربية لنتنافس على مقاعد القبول المركزي، سواء في كليات المجموعات الطبية أو غيرها، وهذا غير عادل بتاتاً. فكيف يتساوى من درس بلغته الأم ومن درس مصطلحات أجنبية ولاتينية؟".
ويقول حسين (18 سنة) وهو طالب في إحدى مدارس محافظة ميسان، "نطالب بإلغاء النسبة المئوية وإضافة درجة معيارية لكل مادة تدرس باللغة الإنجليزية".
أما حمزة (18 سنة)، الطالب في إحدى مدارس الرصافة، فيأمل في أن "يقدر بلدنا طاقاتنا لأننا مستقبله الواعد".
كما اقترحت غنى (18 سنة) "إضافة درجة واحدة لكل مادة علمية فوق المعدل، أسوة باللغة الفرنسية أو أسوة بالناجحين من الدور الأول".
وتقول الطالبة سيرين (18 سنة)، "امتيازات وزارة التربية مخيبة للطموح، لأنها لا تنسجم مع الجهد الذي يبذله الطالب في مدارس المتميزين".
من جهتها، اعترضت والدة محمد (17 سنة)، من إحدى إعداديات الكرخ بقولها، "هل يمكن أن يتساوى من يحتاج إلى ترجمة المواد الدراسية مع الدارسين باللغة العربية الأم؟".
وشكا الطلبة من صعوبة الأسئلة الامتحانية مقارنة بأسئلة الممتحنين باللغة العربية. وبين ولي أمر الطالب نزار (18 سنة)، من إحدى مدارس الكرخ، ضرورة أن تعيد وزارة التعليم العالي النظر في قراراتها قائلاً، "إن تحديد نسبة العشرة في المئة فقط يخدم عدداً قليلاً من الطلاب المتميزين، أما الآخرون فسيهمشون وتضيع جهودهم".
صرح التميز الأول
ثانوية كلية بغداد للبنين (Baghdad Collage)، وتختصر (BC) أسست عام 1932 في منطقة الأعظمية.
تخرج فيها عديد من رجالات الدولة الذين تركوا أثراً كبيراً في مسيرة الثقافة والعلم والسياسة في العراق. وعلى غرار هذه المدرسة، أنشئت عام 1990 مدرستان للمتميزين، إحداهما في ناحية الكرخ والأخرى في الرصافة، ثم أنشئت مدارس عدة بعد عام 1992 لتشمل مدينتي البصرة والموصل ومنها إلى المحافظات الأخرى، ويزيد عددها حالياً على 22 مدرسة في بغداد فقط.
مدارس المتميزين وضوابط القبول
وتنص ضوابط القبول في مدارس المتميزين وكليات بغداد على ألا يقل مجموع الطالب المتقدم عن 475 درجة بالنسبة إلى المسلمين، أي بمعدل 95 في المئة، وبمجموع 380 درجة للطلبة غير المسلمين.
ويقبل الطلبة فيها بعد تخرجهم في المرحلة الابتدائية ومدة الدراسة فيها ست سنوات تؤهلهم لدخول الجامعة.
ويشترط في المتقدمين أداء اختبار الذكاء فضلاً عن الاختبار التحصيلي، أي أداء امتحان في مواد معينة مثل اللغة العربية واللغة الإنجليزية والرياضيات والعلوم (من دروس مرحلة السادس الابتدائي، ووفق المنهج الصادر من المديرية العامة للمناهج للعام الدراسي نفسه)، كما تشترط أن يكون المتقدم ضمن الرقعة الجغرافية للمحافظة نفسها.
وتشترط هذه المدارس تدريس المناهج العلمية كافة باللغة الإنجليزية.
أحاجي ومسائل رياضية
ويقول الباحث والأكاديمي ماهر مجيد إبراهيم "لهذه المدارس مجموعة من الضوابط والقواعد لدى التقديم، إذ يدخل الطالب في دوامة التحضير للامتحانات التنافسية، والتي هي في غاية الصعوبة. ويستعد الأهل بتسجيل أبنائهم في دورات الذكاء مرتفعة الأجور، وإعادة دراسة جميع مواد منهج السادس الابتدائي".
ويفوق عدد المتقدمين للاختبارات عادة أضعاف العدد المسموح به للقبول. ويتابع، "أمضينا أياماً وليالي نعاني القلق والتوتر".
ويستكمل إبراهيم حديثه، "خاضوا مجموعة محاور للاختبار، المحور الأول تمثل باختبارات الذكاء، وهي صعبة جداً لأنها تختلف عن كل ما درسه الطالب سابقاً، وهي عبارة عن مجموعة من الأحاجي والمسائل الرياضية والفكرية التي تتطلب مهارة عقلية وفكرية، مع تأكيد الالتزام بوقت محدد لكل سؤال، والذي يشكل ضغطاً نفسياً على الطالب. وفي اليوم نفسه يخضع الطالب للامتحان التحصيلي في أربع مواد أساسية درسها الطالب في مرحلة السادس الابتدائي، كاللغة العربية والإنجليزية والرياضيات والعلوم، وتلك أيضاً تخضع لوقت معين. ويدخل الطالب الناجح في مفاضلة مع الناجحين الآخرين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
محاور الاختبار
نور التركي، مدرس اختبارات الذكاء للقبول في مدارس المتميزين والمتميزات و(كليات بغداد) والموهوبين، يقول، "اختبارات الذكاء ببساطة هي عبارة عن معلومات عامة، تقسم لثلاثة أنواع من الاختبارات، أولها الاختبار اللفظي ويشمل المرادفات والمعاكسات والمفردة الشاذة، وإكمال الجمل، والخطأ السياقي. أما النوع الثاني ويدعى الاختبار الكمي فيشمل السلسلة الرقمية، والرقم المفقود، والمسائل. أما الاختبار الثالث وهو الاختبار البصري فيشمل الأشكال".
الدراسة باللغة العربية
أمضى علي حيدر يحيى في مدرسته التي كانت تدعى (الإعدادية الشاملة) ست سنوات، والتي تغير اسمها بعد 2003 إلى ثانوية المتميزين، ويحمل معظم كادرها التدريسي شهادة عليا في الماجستير أو الدكتوراه.
يقول يحيى، "دخلت المدرسة سنة 2015 برغبة مني وبتشجيع كبير من والدتي عندما نجحت من السادس الابتدائي بمعدل 94، ودخلت دورة الذكاء ودرست معلومات عامة ومنهجية في الرياضيات والإنجليزي والعربي والعلوم، ومن ثم خضنا الامتحان التنافسي، وكان عدد الطلاب آنذاك 260 طالباً، قبل منهم 120 طالباً وكنت من ضمنهم".
درسنا المنهج الدراسي في تلك الفترة باللغة العربية، بإضافة مادة هي اللغة الفرنسية التي ميزت طلبة مدارس المتميزين وثانوية كلية بغداد.
يتابع، "نعم تعلمت اللغة الفرنسية وتحقق حلمي حين أصبحت طالباً في المرحلة الثانية في كلية الهندسة المعمارية، حيث كان التمايز لصالح طلاب مدارس المتميزين في ذلك الحين".
أما إبراهيم فيتحدث عن تجربته مع المدارس قائلاً، "ابني أحمد (14 سنة) يدرس في ثانوية (كلية بغداد)، ومايا (15 سنة) في (مدرسة المتميزات)، والدراسة فيها ترهق كاهل الطالب والعائلة، وبخاصة في المرحلتين الأولى والثانية. فالدروس العلمية التي تدرس باللغة الإنجليزية عادة ما تكون في غاية التعقيد والصعوبة، مثال على ذلك المصطلحات المطلوبة منهم والتي تدرس هي نفسها في كليات المجموعة الطبية، ويستغرق الطالب في الدراسة ساعات طويلة، فضلاً عن الحفاظ على شرط تحقيق معدل النجاح العام 75 في المئة لجميع الدروس، وذلك يؤمن إكمال مسيرة الطالب في مدارس المتميزين، ويعاقب بالنقل إلى مدرسة أخرى عادية في حال عدم الحفاظ على هذا المعدل".
ويضيف إبراهيم مبيناً حجم الجهد المبذول الذي يعانيه الطالب وذووه، قائلاً إنه لا يوازي الامتيازات الفقيرة التي سيحصل عليها الطالب لدى تخرجه في المرحلة الإعدادية الفرع العلمي بالتحديد (لأنها لا تدرس الفرع الأدبي).
امتيازات لا توازي الكفاءة
وقد حددت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي امتيازات القبول في الجامعات لطلبة ثانويات المتميزين وثانوية كلية بغداد، حين صادق وزير التعليم العالي بتاريخ 25 مايو (أيار) 2022 على القرار الصادر بالأغلبية، واستناداً إلى أحكام المادة 12 من قانون هيئة الرأي رقم 9 لسنة 2011، بحصول المجموعة الطبية (كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة) على نسبة عشرة في المئة من خطة القبول النهائية، أي أدنى من الحدود الدنيا للقبول المركزي بثلاث درجات لسنة القبول.
أما حصة المجموعة الهندسية (كليات الهندسة) فعشرة في المئة من خطة القبول النهائية، أي أدنى من الحدود الدنيا للقبول المركزي بأربع درجات لسنة القبول.
في حين حظيت التخصصات الأخرى كافة على عشرة في المئة من خطة القبول النهائية، أدنى من الحدود الدنيا للقبول المركزي بخمس درجات لسنة القبول.
وحددت الوزارة ضوابط عامة تلخصت بفتح قناة خاصة للقبول المركزي لخريجي مدارس المتميزين، وكلية بغداد الدارسين باللغة الإنجليزية تسمى (قناة الطلبة المتميزين)، إذ يتنافسون في ما بينهم ضمن المحددات أعلاه، ويحق لهؤلاء الطلبة التقديم ضمن قناتي المتميزين والقبول المركزي العام.
كما يمكن للطالب أن يتمتع بأحد امتيازات "ضحايا الحرب، وأبناء الأساتذة، ومتميزين"، وإمكانية النقل بين المحافظات لأبناء الأساتذة في الجامعات الحكومية.
كما ويحق لهم التقديم على قناة التعليم الحكومي الخاص الصباحي والتنافس على مقاعد القبول، واستيفاء 50 في المئة من الأجور الدراسية المعتمدة المستوفاة من الطلبة الآخرين تشجيعاً لتفوقهم وتميزهم.
مميزات التقديم في الكليات الأهلية
تكون نسبة القبول في كلية الطب عشرة في المئة وبمعدل 85، أما طب الأسنان والصيدلة فتكون بنسبة 20 في المئة وبمعدل 75. وسجلت نسبة القبول في التخصصات الأخرى 20 في المئة أدنى بخمس درجات عن الحد الأدنى المعتمد لسنة القبول، وبما لا يقل عن 60 في المئة من التخصصات الأخرى.
اعتراض
ويقول والد الطالبين أحمد ومايا، "بما أن الامتحانات النهائية للطلبة المتميزين تجرى باللغة الإنجليزية والفرنسية فكان حرياً بوزارة التعليم العالي ووزارة التربية أن تجعل القبول في المجموعات الطبية متاحاً لخريجي هذه المدارس لأسباب عدة، أهمها علميتهم وإتقانهم اللغة الإنجليزية، وهو ما يمثل اختصاراً كبيراً في الدراسة، وقدرة أكبر على التعامل مع المفردات العلمية والطبية والهندسية من دون صعوبة.
وعود وزير التربية
وسبق أن صرح وزير التربية في 12 أبريل (نيسان) في لقاء على إحدى الفضائيات، "هناك لجنة مشتركة من التربية والتعليم العالي وهيئة المستشارين في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، لتحديد نوع الامتيازات التي تمنح لطلبة مدارس المتميزين"، كما أكد إضافة أكثر من درجة على المعدل لكل مادة دراسية.
وتعليقاً على هذا الموضوع، صرح المتحدث باسم وزارة التربية حيدر فاروق قائلاً "شكلت الوزارة سابقاً لجاناً مشتركة برئاسة وكلاء وزارة التربية والمديرية العامة للمناهج والمديرية العامة للتعليم العام الأهلي والأجنبي مع وزارة التعليم العالي المتخصصة بإضافة الدرجات لمدارس المتميزين، وتمخض عن مقررات اللجنة المشتركة، فتح قناة خاصة للمتميزين، يكون فيها التعامل مع الطالب المتميز استثناءً، وذلك باحتساب ثلاث درجات أدنى من المعدل للمتنافسين مع الدارسين في المدارس العامة باللغة العربية".
إضافة إلى ذلك، يسمح لطلبة مدارس المتميزين بالتقديم على القناة العامة أيضاً، وفي حال ظهور نتائج القبول يمكن للطالب إلغاء طلب القناة الأخرى، أي له الحق باختيار الأنسب من القناتين. وحالياً، الباب مفتوح للتباحث حول إجراء تعديلات على القانون الخاص بمدارس الطلبة المتميزين والموهوبين للأعوام المقبلة، وقد حقق طلابها من الدارسين باللغة الإنجليزية أعلى النتائج للفرع الإحيائي، وشكلوا نسبة ما يقرب من 50 في المئة من الـ173 من الناجحين في المركز الأول للعام الدراسي المنتهي والمعلنة نتائجه يوم 28 أغسطس (آب).