دفع التضخم المتسارع في بريطانيا "الإسترليني" بالقرب من أدنى مستوى له منذ 37 عاماً، بحسب "بلومبيرغ". وكان التضخم قد وصل إلى أعلى مستوى له في 40 عاماً، فيما توقعت سيتي غروب أن يتجاوز 18 في المئة في يناير (كانون الثاني) المقبل. ويبدو أنه لا يوجد شيء يمكن أن يمنع الجنيه البريطاني من الاتجاه نحو مزيد من الانخفاض، فقد تراجع "الإسترليني" إلى أدنى مستوى له منذ مارس (آذار) 2020، إذ أعطى القلق المتزايد في شأن التوقعات الاقتصادية التجار سبباً إضافياً للتخلي عن العملة مقابل الدولار الأميركي القوي على نطاق واسع. في وقت حذر بنك إنجلترا (BoE) من ركود طويل الأمد، كما أدى ارتفاع فواتير الطاقة إلى تفاقم القلق بشأن التوقعات الاقتصادية.
قالت هيئة الرقابة البريطانية الجمعة، إن فواتير الطاقة البريطانية ستقفز بنسبة 80 في المئة إلى 3549 جنيهاً إسترلينياً (4188 دولاراً) سنوياً اعتباراً من أكتوبر (تشرين الأول)، في أحدث مثال على ما وصفه السياسيون بـ"أزمة غلاء المعيشة". وقال كينيث بروكس محلل العملات في بنك سوسيتيه جنرال لـ"رويترز"، إن "الجنيه الإسترليني في الغالب مرتبط بالدولار، لكن الخسائر ضعف اليورو والمعنويات هابطة بالفعل". وأضاف "المستثمرون قلقون بشأن التضخم في المملكة المتحدة أكثر من أي مكان آخر، هل يستطيع بنك إنجلترا السيطرة عليه؟" تساءل بروكس.
وأدى خفض جديد للتوقعات الاقتصادية البريطانية من غولدمان ساكس، إلى المزاج المتشائم تجاه الجنيه الإسترليني، الذي انخفض بنسبة تزيد على 13 في المئة مقابل الدولار هذا العام، بحسب "رويترز".
ركود بريطاني في الربع الرابع
وفي مذكرة نشرت حديثاً، قال بنك غولدمان ساكس إنه يتوقع أن يبدأ الركود البريطاني في الربع الرابع من عام 2022، ويتوقع أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 0.6 في المئة في عام 2023. وتم إغلاق أسواق لندن في عطلة عامة، مما يعني أن التجارة كانت ضعيفة بشكل عام. ومع ذلك، تعرض الجنيه الإسترليني لضغط بيع جديد وانخفض إلى 1.16495 دولار، وهو أدنى مستوى منذ مارس 2020، وكان آخر انخفاض بنسبة 0.3 في المئة عند 1.1690 دولار في أوروبا.وانخفض الجنيه أيضاً بنحو 0.4 في المئة إلى 85.25 بنساً لليورو، بعد أن وصل إلى أدنى مستوى له في أكثر من شهر عند 85.32 بنس.
ومن المرجح أيضاً أن يتم دفع الأسر في جميع أنحاء البلاد إلى فقر الطاقة هذا الشتاء، كما أن المشكلات الاقتصادية في المملكة المتحدة تزداد سوءاً يوماً بعد يوم. وبحسب "بلومبيرغ" فإن الإجماع بين المتداولين، هو أن بنك إنجلترا لن يكون لديه خيار سوى إجبار الاقتصاد على ركود حاد والتسبب في فقدان الوظائف على نطاق واسع لكبح ضغوط الأسعار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما تم وضع "الإسترليني" في أدنى مستويات تاريخية له منذ عام 1985 مقابل الدولار، مما يبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد البريطاني ورئيس الوزراء المقبل، في وقت يتوقع بنك إنجلترا ركوداً لمدة خمسة أرباع متتالية يبدأ في وقت لاحق من هذا العام. من جانبه تساءل جيف يو، كبير محللي العملات في بنك أوف نيويورك ميلون كورب، إن كان هناك مزيد من الجوانب السلبية؟ ويضيف على سؤاله بـ"نعم"، قائلاً "بالتأكيد، فحتى لو تحسنت الأمور، لا يمكن للجنيه الإسترليني العودة إلى ما كان عليه في الماضي عند 1.40 دولار أو 1.45 دولار، سيكون من الصعب جداً تحقيق ذلك".في حين أن الاعتقاد السائد بين المستثمرين هو أن الزيادات الكبيرة في تكاليف الاقتراض اللازمة لخفض نمو الأسعار من شأنها تعميق الضائقة الاقتصادية في بريطانيا، مما يجعل البلاد في وضع أسوأ مقارنة بالولايات المتحدة ومنطقة اليورو. وتواجه اليوم أكثر من نصف الأسر في المملكة المتحدة خطر الانزلاق إلى فقر الطاقة هذا الشتاء بسبب ارتفاع الفواتير، وفقاً لشركة الاستشارات "بارينجا بارتنرز".
ورصدت "بلومبيرغ" ما يحدث في أسواق المملكة المتحدة، إذ كانت الزيادات في تكاليف السلع الاستهلاكية مدعومة بالطلب القوي من المستهلكين واختناقات سلسلة التوريد، أحد العوامل وراء ارتفاع التضخم.
أسعار الطاقة
كما تعد أسعار الطاقة محرك آخر مهم للتضخم، فمع زيادة تعريفات الطاقة المنزلية وارتفاع تكاليف البنزين من يوليو (تموز) 2021 إلى يوليو 2022 ارتفعت أسعار الغاز المنزلي بنسبة 96 في المئة وأسعار الكهرباء المحلية بنسبة 54 في المئة بحسب الموقع الرسمي للبرلمان البريطاني. ويرجع ذلك جزئياً إلى عودة الطلب العالمي على الغاز، إذ تم رفع القيود الوبائية وانخفاض الإنتاج للغاز الطبيعي، ناهيك عن تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا على إمدادات الطاقة.
أما في سوق بيع السندات فمن المتوقع أن ترتفع عوائد السندات قصيرة الأجل في المملكة المتحدة، وهي الأكثر حساسية للتغيرات في السياسة النقدية، بمقدار قياسي هذا الشهر. كما ارتفعت عوائد السندات لأجل عامين بمقدار 111 نقطة أساس، مما رفع تكاليف الاقتراض إلى 2.82 في المئة، وهو أعلى مستوى منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008.
أما بالنسبة لكبار المصدرين في المملكة المتحدة فقد شكل "الإسترليني" الأضعف بمثابة دفعة لهم، وحقق مؤشر فوتسي 100 مكسب بنسبة 0.3 في المئة في أغسطس (آب)، لكن مخاوف الركود تلقي بثقلها على الشركات الصغيرة، مما أدى إلى انخفاض مؤشر فوتسي 250 بنسبة 4.6 في المئة.
كما كان أداء ديون الشركات قصيرة الأجل دون المستوى هذا الشهر بسبب مخاوف التضخم، واتسع العائد الإضافي الذي يطلبه المستثمرون للاحتفاظ بأوراق الجنيه الإسترليني بدلاً من الديون المقومة باليورو إلى أعلى مستوى منذ سنوات.