اللاجئون السوريون يقيمون في الجزائر بشكل يدعو إلى التساؤل، وهم الذين اقتحموا التجارة والصناعة وباتت لهم مكانة غير التي تمتلكها مختلف الجنسيات المهاجرة واللاجئة.
تعتبر فئة كبيرة من الجزائريين أن المهاجرين السوريين نموذج فريد، ليس بسبب الاحترام الذي يولونه للمجتمع فقط ولكن للدور الذي باتوا يلعبونه أيضاً، لا سيما ما يتعلق بنشاطهم المتنوع بين التجارة باختلاف أنواعها أو الصناعة خصوصاً النسيجية، وما تبع ذلك من خلق وظائف تسهم في تخفيف نسبة البطالة، إضافة إلى تحسين الضرائب التي يدفعونها للجهات الرسمية الجزائرية، وغيرها من الإسهامات التي جعلت منهم مهاجرين إيجابيين فرضوا احترام الجميع.
وبلغة الأرقام، تذكر وزارة التجارة أن "الشركات السورية قفزت للمرتبة الثالثة مع نهاية 2021 بعد التركية والفرنسية في مجال الاستثمار الأجنبي بنسبة 11 في المئة، وأنه بالنسبة إلى فئة التجار الطبيعيين الموجودين في الجزائر، فقد احتل السوريون المرتبة الأولى بنسبة 30 في المئة".
تجاوز عقبة الاندماج
ووصل عام 2014 أكثر من 12 ألفاً من اللاجئين السوريين إلى الجزائر، وعملت الحكومة على وضعهم في ظروف مواتية وفق ما تقتضيه القوانين الدولية من خلال نقل العائلات إلى مخيمات ومراكز إقامة تابعة للهلال الأحمر الجزائري.
ومع مرور الوقت نجح جزء منهم في الاندماج بالمجتمع وأقاموا ورشات خياطة ومصانع ومطاعم وأنشطة تجارية، فيما انتقل بعضهم إلى أوروبا بطريقة غير شرعية عبر القوارب، في حين غادرت أعداد قليلة إلى ليبيا والمغرب استعداداً للعبور نحو الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، بعد اشتداد المراقبة على السواحل الجزائرية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان لنجاح السوريين مهنياً وارتياحهم لتعامل السلطات والمجتمع معنوياً، وقع كبير شجع على قدوم أعداد كبيرة من بينهم من مختلف الدول إلى الجزائر، إذ كشف المجلس الوطني لحقوق الإنسان التابع للرئاسة عن 40 ألف لاجئ سوري يقيمون في البلاد، و"هم يتمتعون بالحقوق اللازمة من قبل السلطات". وشدد على أن هؤلاء يحظون بمكانة خاصة في الجزائر التي تعمل على توفير كل ظروف حماية حقوقهم، ومن أهمها السماح للأطفال بالتسجيل في المدارس الحكومية وأعفتهم من المصاريف، إضافة إلى تسهيل تحركاتهم ونشاطاتهم الصناعية والتجارية.
روابط تاريخية
في السياق، يقول أستاذ علم الاجتماع أحمد ضياف لـ"اندبندنت عربية"، إن "اهتمام الجزائر بالمهاجرين واللاجئين السوريين إنما يندرج في سياق سياسة السلطات الرسمية إزاء النظام السوري"، مضيفاً أن "المواطن السوري أثبت احترامه من خلال رؤيته السليمة للأمور، بعد أن سعى من الوهلة الأولى إلى احترام قوانين البلد من دون مشكلات، ثم اقتحامه سوق العمل، فمنهم من يعمل لدى الجزائريين وبينهم من أسس مشاريع تجارية وصناعية".
يتابع "الأمر لا يتعلق بتفضيل وفق ما تحاول أطراف الترويج له مقارنة مع بقية الجنسيات بخاصة الأفارقة، بل إن اللاجئ السوري سارع لفرض احترامه بسبب مستوياته التعليمية المقبولة، ثم إن أغلبهم يمتلكون حرفة، إلى جانب أنهم أثبتوا الانضباط في العمل، وغير ذلك من الخصائص المرتبطة بهم"، مشيراً إلى "أن الروابط التاريخية وحتى العائلية لها دور في تحقيق اندماج سريع".
أسباب التفوق
من جانبه، عدد أستاذ الاقتصاد فارس مسدور أسباب نجاح الجالية السورية في الجزائر، سواء تلك التي انتقلت قبل تدهور الأوضاع الأمنية بسوريا، أو التي فرت من بلدها بداية من 2011، مشيراً إلى "العلاقات الأخوية والتاريخية التي تجمع الشعبين السوري والجزائري، لكن يبقى العامل الأهم هو أن السوري حينما يدخل بلداً يقدم حرفته، وإن كانت بسيطة فإنه يجعل مما تنتج شيئاً عظيماً، كما أن درجة الاندماج للمواطن السوري في أي مجتمع كبيرة جداً تماثل اندماج الجزائريين حينما يسافرون لأي بلد".
واعترف مسدور أن "السوريين يعاملهم الجزائريون معاملة تفضيلية بسبب ما عانوه ويزالون من الحرب في بلادهم"، مشدداً على أن "وجود هؤلاء يفتح الأبواب أمام الجزائريين من أجل الاستفادة من أسرار تفوق السوريين في مجالات الحرف المتعددة، مثل أشغال البناء والديكورات وفن الطهي والطبخ الذي يبرعون فيه جداً".
استثمار العلاقات الاقتصادية
ولم يترك النظام السوري الوضع يمر مرور الكرام، واستغل فرصة تمتع رعاياها بـ"المفاضلة" لتحريك المياه الاقتصادية الراكدة، إذ أصدر وزيره للاقتصاد والتجارة الخارجية سامر الخليل، قراراً يقضي بتشكيل مجلس الأعمال السوري - الجزائري سعياً إلى تفعيل دور القطاع الخاص في تطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين بكل مجالاته التجارية والصناعية والزراعية والسياحية.
وأوضح نائب رئيس مجلس الأعمال مصطفى كواية أنه "يتم التحضير للقاء مع رجال الأعمال الجزائريين، لكن التوجه واضح لجهة عودة السلع السورية إلى الأسواق الجزائرية والعكس، بخاصة أن الجزائر بلد واعد بالاستثمارات الاقتصادية"، مشيراً إلى أنه "سيتم العمل على تفعيل عمليات التبادل التجاري عبر المجلس وتشجيع الصادرات".