سواء أجريت الانتخابات في تركيا في موعدها المحدد أو في وقت مبكر، هناك أمر واحد مؤكد هو أن صناديق الاقتراع ستوضع أمام الشعب في غضون عام.
لذلك، لم يتبق سوى القليل من الوقت، وبدأت التحالفات تتبلور شيئاً فشيئاً.
وعلى الرغم من أن "تحالف الجمهور" المؤلف من "حزب العدالة والتنمية" و"حزب الحركة القومية" و"حزب الوحدة الكبرى"، و"حزب الوطن"، لم يقدم طلباً رسمياً بعد، إلا أنه أعلن أن مرشحه الرئاسي سيكون رجب طيب أردوغان.
أما "تحالف الأمة" المعارض المؤلف من "حزب الشعب الجمهوري" و"الحزب الاشتراكي" و"حزب الدواء" و"حزب المستقبل" و"الحزب الديمقراطي"، فإنه لا يزال متكتماً على اسم مرشحه.
كذلك لم يعلن "تحالف الشعب" المعارض (والمكون من سبعة أحزاب ملتفة حول "حزب الشعوب الديمقراطي") عن مرشحه.
وهناك أيضا أحزاب قومية وإسلامية ومحافظة لم تنخرط في أي تحالف بعد.
ولكن يمكننا القول إنها جميعاً أحزاب يدعمها أردوغان لتشق صفوف المعارضة. ولا أستبعد من تلك الأحزاب الصغيرة أن تعلن في نهاية المطاف عن دعمها لأردوغان متذرعة بشعارات شعبوية قوامها الدين أو الوطن.
تشير استطلاعات الرأي إلى أن حصة المعارضة من نسبة الأصوات أعلى من حصة الحكومة، و"حزب العدالة والتنمية" على علم بهذا الوضع.
مع ذلك فإن هشاشة الهيكل المكوِّن لأحزاب المعارضة تمنح الرئيس رجب طيب أردوغان الأمل في الفوز مرة أخرى.
صحيح أن المعارضة أحرزت انتصاراً بارزاً في الانتخابات المحلية لعام 2019، لكن قادة "تحالف الأمة"، حينذاك، كانوا على دراية بالوضع، إذ إنه عندما عجز "حزب الخير" المنشق عن "حزب الحركة القومية" عن تشكيل كتلته في البرلمان، انفصلت مجموعة من النواب عن "حزب الشعب الجمهوري" ليلتحقوا بـ"حزب الخير" كي يستطيع الأخير تشكيل كتلته في البرلمان.
كما أن التضخم والبطالة الناتجة من أزمة سعر الصرف التي ظهرت في صيف عام 2018 كان ذا أثر بالغ في المدن الكبرى. ما أدى إلى حدوث شرخ كبير في صفوف ناخبي "حزب العدالة والتنمية" و"حزب الحركة القومية"، وأدى إلى تغيير في نتائج الانتخابات.
إضافة إلى عامل أساس آخر هو قرار "حزب الشعوب الديمقراطي" بعدم تسمية مرشح، ما مهد الطريق أمام "تحالف الأمة" الذي حقق النصر في عام 2019.
فكان لهذه العوامل (الأزمة الاقتصادية وسلوك الناخبين واستراتيجية "حزب الشعوب الديمقراطي" المتمثلة في عدم تسمية مرشحين له في المدن الكبرى) تأثير في فوز المعارضة في 11 مدينة كبيرة، بما في ذلك إسطنبول وأنقرة، وهكذا أصبح أكثر من نصف سكان تركيا تحكمهم بلديات المعارضة.
وبعد الانتخابات المحلية لعام 2019، بدأت المعارضة تأمل الفوز في الانتخابات المقبلة.
ومما زاد في أمل المعارضة في الفوز زيادة التضخم في العام الماضي الناتج من انتشار وباء كورونا والأزمة الاقتصادية في عام 2020 وما بعده، التي أدت إلى خسارة أصوات تحالف الجمهور الحاكم.
مع ذلك فقد خلق هذا التوقع ضغوطاً في الرأي العام المعارض، التي غذتها حالة عدم اليقين في الوقت نفسه.
وأدت الزيادة في عدد أحزاب المعارضة وحالة التباطؤ، خصوصاً بعد تشكل التحالف المعارض باسم "الطاولة السداسية"، إلى نوع من نفاد الصبر في صفوف المعارضين.
ومن الممكن سرد بعض أسباب عدم الوضوح التي تخلق التوتر ونفاد الصبر بل والتشاؤم في بعض الأحيان كما يلي:
مشكلات (الطاولة السداسية)، منها تكوينها غير الشفاف، المنغلق أمام النقاش الديمقراطي للمجتمع المدني، والتوترات الخفية أو العلنية التي تحدث أحياناً بين أطراف الطاولة، وعدم اليقين بشأن البرنامج المشترك، وعدم وحدة الخطاب حول المرشح المشترك.
الأسماء اللامعة التي انشقت عن أحزاب المعارضة، ولكنها بدلاً من الالتحاق بالتحالف المعارض (الطاولة السداسية) شكلت أحزاباً متموضعة ضد المعارضة، التي من المتوقع أن يصل مجموع أصواتها إلى نسبة خمسة في المئة.
إن سياسات الحكومة تجعل الحياة اليومية أكثر صعوبة، مما يثير مخاوف بشأن حدوث وقائع تؤدي إلى تدخلات أمنية استبدادية للنظام، بالتالي مؤثرة في أمن الانتخابات.
تحتاج المعارضة إلى الخروج من نشوة النصر الذي أحرزته في عام 2019، كي تتغلب على هذه الظاهرة الناجمة عن حالة عدم اليقين الذي ذكرته أعلاه.
تشير استطلاعات الرأي الحالية إلى أن "تحالف الجمهور" الحاكم بعيد عن نسبة 50 في المئة من الأصوات، مما يعني أن النتائج لن تحسم في الجولة الأولى.
إلا أن عدم تبلور مرشح المعارضة، والتباطؤ في صياغة برنامج مشترك حول "الطاولة السداسية"، يشكلان عائقاً أمام تأسيس خطاب موحد بشأن دستور جديد في المرحلة المقبلة.
ولا أكشف سراً، إذا ما قلت إننا أمام معارضة تعد خليطاً غير متجانس يهدف إلى 50 في المئة + واحد، لا يزال مستعداً للتشتت بعد الانتخابات.
فإذا لم يتحول هذا المزيج غير المتجانس إلى سياسة كتلة ديمقراطية، فقد لا تتمكن المعارضة من الحصول على الأغلبية في البرلمان التركي.
وكيف ذلك؟
إن أردوغان خصم ينبغي ألا يستهان به في اللعبة الانتخابية.
فليس من المستبعد أن يستعين في حملته الانتخابية بأموال خارجية.
وأردوغان زعيم يمكن أن يحصل على أموال خارجية تخوله الحصول على أكثر من 45 في المئة في الجولة الأولى مقابل مرشح "الطاولة السداسية" من خلال انتهاج "اقتصاد انتخابي" وإجراء حملة انتخابية ناجحة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا أستبعد أن يحصل على تأييد بعض الأحزاب الصغيرة التي لم تنخرط في الائتلاف المعارض.
ومن المرجح أن يتمكن هؤلاء من تجاوز خمسة في المئة من خلال الحصول على دعم الناخبين الذين يبحثون عن بديل جديد.
لذلك، ربما لا تصل المعارضة إلى 50 في المئة+ واحد في الجولة الأولى ضد "تحالف الجمهور".
وإذا لم تحسم النتائج في الجولة الأولى من الانتخابات، فإن ذلك يحمل خطراً بالغاً بالنسبة إلى المعارضة.
وذلك لأسباب عدة:
ستكون الانتخابات في مسارين، إذ سيتم انتخاب رئيس الجمهورية والنواب معاً.
وقد قام الائتلاف الحاكم بفضل أغلبيته في البرلمان بتعديل في النظام الانتخابي بحيث يفرز المقاطعات الأقل كثافة سكانية أكبر عدد ممكن من النواب، حيث يتمتع "تحالف الجمهور" بالقوة، في حين أن المدن الكبرى حيث المعارضة قوية، تفرز أقل عدد ممكن من النواب، وهذا يعطي "تحالف الجمهور" فرصة الفوز بالأغلبية في البرلمان بنسبة 43 في المئة أو أكثر من الأصوات.
وإذا ما تجاوز أردوغان وحلفاؤه في هذه الجولة نسبة 45 في المئة في الجولة الأولى، فإن ذلك سيؤثر إيجاباً في ميول
الناخبين المترددين الذين يخافون من حدوث حالة غير متوازنة بين الأغلبية البرلمانية وبين الحكومة المستقبلية.
وينبغي ألا ننسى أن أردوغان لن يتحاشى استغلال المرافق الحكومية العامة والمنظمات الأمنية في سبيل الفوز في الانتخابات.
وأعتقد أن كمال كليتشدار أوغلو، زعيم "حزب الشعب الجمهوري" و"تحالف الأمة"، كان يعنى هذا عندما قال قبل أيام قليلة "سنفوز في الانتخابات في الجولة الأولى".
سأحاول في المقال التالي شرح آثار الجولة الثانية من الانتخابات على الناخبين من خلال أمثلة تقارن تركيا بدول مختلفة.