تشير البيانات المتاحة إلى أنه يوجد حالياً نحو وظيفتين متاحتين لكل شخص عاطل عن العمل في السوق الأميركية، ونتيجة لذلك، اضطر أصحاب العمل إلى رفع الأجور لجذب المرشحين المناسبين.
ويبدو هذا أمراً جيداً بالنسبة إلى الأميركيين الذين يواجهون أسعاراً أعلى على كل شيء من البقالة إلى الإيجار، لكن مجلس الاحتياطي الفيدرالي ليس سعيداً بذلك، إذ يسعى البنك المركزي الأميركي إلى احتواء أكبر موجة تضخم تواجهها البلاد في أكثر من أربعة عقود، ويحاول من خلال الرفع المستمر لأسعار الفائدة إلى امتصاص جزء كبير من السيولة المتاحة في السوق الأميركية التي تتسبب مع عوامل أخرى في استمرار ارتفاع معدلات التضخم وزيادات الأسعار.
لكن مع استمرار ضيق سوق العمل ولجوء أصحاب الأعمال إلى زيادة الأجور، فإن ذلك من شأنه أن يضاعف متاعب البنك المركزي الأميركي، فإن ما يخرج من السيولة بعد تحريك أسعار الفائدة يعود إليها مرة أخرى من خلال زيادة الرواتب والأجور، مما يقلص من إمكان الاستفادة من سلاح رفع أسعار الفائدة في تهدئة موجة التضخم العنيفة.
أسباب أخرى تدفع إلى رفع الفائدة بمعدل أكبر
وتعني هذه الدورة التضخمية ببساطة "إدفع أكثر ثم إشحن أكثر"، وهو بالضبط ما يريد بنك الاحتياطي الفيدرالي تجاوزه، ولهذا السبب يولي البنك المركزي الأميركي اهتماماً وثيقاً بشكل خاص لنمو الأجور الذي انخفض قليلاً إلى 0.3 في المئة خلال شهر أغسطس (آب) الماضي.
وإذا استمر النمو في التسارع في الأجور والرواتب، فسيكون لدى البنك المركزي مزيد من الأسباب لرفع أسعار الفائدة بقوة في اجتماعه هذا الشهر، في وقت لا تزال مستويات الأجور مرتفعة للعام الحالي بزيادة نسبتها 5.2 في المئة مقارنة بأرقام العام الماضي.
تقول كبيرة المحللين الماليين لدى "جيفريس" أنيتا ماركوسكا إن هناك عدداً من العوامل التي تزيد من ارتفاع الأسعار، بما في ذلك ضغوط سلسلة التوريد والسلع، لكن الأجور هي المحرك المهيمن للتضخم في المستقبل، بحيث "تؤدي زيادة الأجور والرواتب إلى حدوث قدر كبير من التضخم. ومن المتوقع أن تتراجع مشكلات سلسلة التوريد عالمياً خلال العام المقبل، لكننا ما زلنا نواجه مشكلة نقص العمالة واستمرار أصحاب الأعمال في رفع الأجور والرواتب"، وقالت إن "الطريقة الوحيدة للوصول إلى هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي المتمثل في معدل تضخم بنسبة 2 في المئة رؤية نمو الأجور يتباطأ بشكل حاد، بخاصة أن الزيادة بنسبة 0.3 في المئة لا تكفي لتحقيق أهداف البنك المركزي الأميركي في ما يتعلق بتهدئة موجة التضخم العنيفة".
البطالة ترتفع إلى 3.7 في المئة
وتشير البيانات إلى ارتفاع معدل البطالة في الولايات المتحدة إلى 3.7 في المئة خلال أغسطس الماضي، وهو أعلى من المتوقع، فيما أضاف الاقتصاد الأميركي نحو 315 ألف وظيفة خلال الشهر الماضي، متجاوزاً تقديرات المحللين البالغة نحو 300 ألف وظيفة، لكنها تمثل أدنى مكاسب شهرية منذ أبريل (نيسان) 2021. وتراجع نمو الأجور أيضاً إلى مستوى 0.3 في المئة في الشهر. وفي وقت سابق، توقعت "وول ستريت" زيادة بنسبة 0.4 في المئة في متوسطات الأجور والرواتب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويبحث الاحتياطي الفيدرالي عن نمو الوظائف الملتهبة لبدء التهدئة في معركته لتخفيف التضخم، وخفض التقرير توقعات السوق برفع أسعار الفائدة بشكل أكثر قوة في اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي خلال سبتمبر (أيلول)، مما أدى إلى صعود الأسهم.
وقدمت الأرقام بعض الراحة من تقرير الوظائف خلال الشهر الماضي الذي فجر التوقعات إذ تم توفير أكثر من نصف مليون فرصة عمل، وهو أكبر عدد خلال خمسة أشهر، فيما نما متوسط الدخل في الساعة بنسبة نصف في المئة على أساس شهري.
وخلال الأسابيع التي أعقبت إعلان الوظائف لشهر يوليو (تموز) الماضي، اتخذ مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي موقفاً أكثر تشدداً وقالوا إن رفع أسعار الفائدة سيستمر حتى ينخفض التضخم، لكنهم في الوقت ذاته حذروا من "الألم" الاقتصادي المصاحب لإجراءات احتواء التضخم المرتفع.
أزمة نقص العمالة تتفاقم
في خطاب سابق، استشهد رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول بقوة سوق العمل كسبب للقلق في شأن التضخم، وقال إن "سوق العمل قوية بشكل خاص، لكن من الواضح أنها غير متوازنة، إذ يتجاوز الطلب على العمال بشكل كبير المعروض من العمال المتاحين".
وبعد الاجتماع الأخير لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في يوليو الماضي، عندما رفع البنك المركزي أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس، ذكر باول أنه كان يراقب عن كثب نمو الأجور والرواتب في ظل أزمة نقص العمالة، وصرح بأن هدفه النهائي خفض التضخم وتحقيق "هبوط لا يتطلب زيادة كبيرة في البطالة"، وهذا يتحقق فقط من خلال إبطاء نمو الأجور.
وفي الوقت الحالي، تقول "وول ستريت" إنه سيتم رفع سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس في اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي في سبتمبر، وانخفضت هذه التوقعات بنحو 15 نقطة مئوية منذ الخميس الماضي، تحديداً قبل إصدار تقرير الوظائف الذي قلب الطاولة على البنك المركزي الأميركي.
لكن في الوقت ذاته، لا يزال هناك كثير من الغموض حول قرار السياسة المرتقب لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، وهناك كثير من البيانات الاقتصادية التي يجب استيعابها في النصف الأول من هذا الشهر، على وجه الخصوص، أرقام التضخم لشهر أغسطس، وهذه مجرد قطعة واحدة من اللغز الأكبر.
في مذكرة بحثية حديثة، قال ديفيد بيغ، رئيس أبحاث الماكرو في "أكسا إنفستمنت مانجرز" إن "بنك الاحتياطي الفيدرالي سيطلب مزيداً من الأدلة على التليين قبل تعديل السياسة مادياً، ولكن بشكل عام، تتوافق هذه الأرقام مع رفع الاحتياطي الفيدرالي الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في سبتمبر".