عادت أجواء التوتر إلى اليمن مجدداً بعد أشهر من هدنة هشة تتوقع الأطراف كافة أن يؤدي انهيارها إلى موجة عنف أشد، إذ صعدت ميليشيات الحوثي عروضها العسكرية في أكثر من محافظة يمنية، وسط خطاب يكيل التهم للحكومة الشرعية وأطراف الأزمة المختلفة التي تتهمها بإعاقة تنفيذ اتفاق الهدنة، ليقابله تنديد آخر للحكومة تتهم فيه الميليشيات بافتعال أزمة مشتقات النفط مجدداً في مناطق سيطرتها.
ومنذ بداية الهدنة عملت الجماعة على إعادة ترتيب صفوفها عسكرياً ونظمت عشرات الاستعراضات العسكرية في عدد من المحافظات اليمنية التي تقع تحت سيطرتها، واستعرضت أخيراً جنوداً ومعدات عسكرية وألغاماً بحرية وصواريخ متعددة المهمات وطائرات مسيرة، فيما قالت إنه لمناسبة تخريج أعداد من المجندين.
وتركزت معظم العروض العسكرية في تعز وذمار والحديدة ومحافظة صعدة، إذ أعلنت الجماعة تخرج عدد من الألوية تحت مسمى حرس الحدود، في خطوة نددت بها بعثة الأمم المتحدة والحكومة الشرعية ورأتا فيها استعراض قوة يحيل إلى نيات سيئة للحوثي.
وفي العام 2018 وقعت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وميليشيات الحوثي بواسطة أممية ما يعرف بـ "اتفاق ستوكهولم" في السويد، ومن أبرز نقاطه نزع السلاح من مدينة الحديدة الساحلية الاستراتيجية لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية عبر مينائها.
ترهيب له غرض
في هذا الصدد رأى الباحث والمحلل السياسي والعسكري علي الذهب في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن العرض العسكري الحوثي يأتي في ظرف محاولة كل طرف فرض رؤية خاصة تجاه مسألة تنفيذ بنود الهدنة، لا سيما في ما يتعلق بفتح الطرقات في تعز وغيرها من المحافظات.
وأضاف أنه "الواضح أن الخطوة تلويح بالقوة لفرض إرادتهم السياسية في هذا الشأن أو غيره، فهم يريدون القول إنهم مستعدون للقتال إذا أخفقت مفاوضات الهدنة ولم تحقق مطالب الحوثيين".
وأشار المحلل العسكري إلى أن هناك رسائل دولية وإقليمية خاصة تبعثها جماعة الحوثي في ما يتعلق بأمن الملاحة البحرية جنوب البحر الأحمر، فهي "مناطق حساسة لتدفق النفط والإمدادات المختلفة، وهذا يعني أن الحوثيين عندما استعرضوا في هذه المنطقة بتلك الغزارة على مشارف البحر، يهددون المجتمع الدولي بأنه لن يكون في مأمن منهم، وبالتالي فإن عليه دعم مطالبهم وفقاً للاتفاقات الحالية، وتبني مواقفهم من خلال الضغط على الحكومة المعترف بها دولياً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى الذهب أن "حشود ميليشيات الحوثي التي تم استعراضها حشود مظاهر لا أكثر"، مشيراً إلى أننا نعرف كيف يحشد الحوثي هؤلاء المقاتلين وأنهم عبارة عن "مجاميع قبلية وطلاب مدارس وكليات عسكرية ومجاميع بالأجر، فضلاً عن وحدات أمنية وعسكرية وميليشياوية بأسلحة قديمة عفا عليها الزمن".
تهديد معلن
وفي السياق لفت وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني عبر حسابه في "تويتر" إلى أن استعراض الألغام والصواريخ البحرية إيرانية الصنع من طرازات مختلفة في عرض أقامته بمدينة الحديدة "يعكس الخطر الذي يمثله استمرار سيطرة ميليشيات إرهابية على سلامة السفن التجارية وناقلات النفط في خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب".
وأضاف، "تلويح ميليشيات الحوثي بالألغام والصواريخ البحرية بشكل علني يمثل تحدياً سافراً للقوانين الدولية التي تحرم حيازتها، وتأكيد على استمرار تدفق الأسلحة والخبراء الإيرانيين عبر موانئ الحديدة واستخدام طهران للحوثيين كأداة لتهديد حركة التجارة العالمية وأمن الطاقة والأمن والسلم الإقليمي والدولي".
وتابع، "الاستعراض والحشد العسكري الحوثي لأسلحة محرمة دولياً تصعيد خطر يأتي في ظل الهدنة الأممية، وانقلاب مكتمل الأركان على اتفاق السويد بخصوص الوضع في مدينة ومحافظة الحديدة، وتأكيد على استغلال ميليشيات الحوثي للاتفاق لترتيب وضعها عسكرياً في المدينة التي كانت قاب قوسين من التحرير".
ودعا الوزير الإرياني المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن والمبعوثين الأممي والأميركي وبعثة الأمم المتحدة إلى دعم اتفاق الحديدة "وإعلان موقف واضح وخطوات رادعة إزاء التصعيد الحوثي الذي يهدد بنسف جهود التهدئة وإعادة الأوضاع لنقطة الصفر، وممارسة ضغوط حقيقة على طهران لوقف تهريب الأسلحة" على حد قوله.
سفن الوقود نقطة سجال
في غضون ذلك توعد المتحدث باسم الحوثين محمد عبدالسلام الحكومة ومن يسميهم "قوى العدوان والأمم المتحدة" بتحمل عواقب ومسؤولية "كل النتائج والتداعيات الإنسانية والاقتصادية المباشرة وغير المباشرة المترتبة على استمرار الحصار المشدد على سفن الوقود وتدهور الوضع التمويني"، وذلك في سياق بيان من نقاط عدة نشره عبر حسابه على "تويتر"، معتبراً أنه "لم تصل إلى موانئ الحديدة خلال فترة الهدنة الموقتة من أبريل (نيسان) وحتى سبتمبر (أيلول) سوى 33 سفينة وقود من أصل 54 سفينة".
وقالت وزارة الخارجية اليمنية في بيان مضاد إن ميليشيات الحوثي تجبر شركات وتجار المشتقات النفطية منذ الـ 10 من أغسطس (آب) الماضي "على مخالفة القوانين النافذة والآلية المعمول بها منذ الإعلان عن الهدنة، لاستيراد المشتقات النفطية عبر مواني الحديدة مما يؤدي إلى عرقلة دخول السفن بشكل منتظم".
وأكدت أن الهدف من وراء ذلك هو "خلق أزمة مشتقات نفطية غير حقيقة بهدف ضخ الكميات المخزنة منذ بداية الهدنة إلى السوق ككميات تجارية تباع في السوق السوداء التي يجني من ورائها الحوثيون أموالاً طائلة".
وأوضح أنه تم تفريغ 35 سفينة نفطية تحمل 963492 طناً في ميناء الحديدة، وهي جميع السفن التي تم تقديم طلبها حتى الآن.
تكوين ذراع اقتصادية
يأتي ذلك في وقت اتهمت تقارير إخبارية الحرس الثوري الإيراني و"حزب الله" اللبناني باستغلال فترة الهدنة اليمنية "بإرسال خبراء اقتصاديين إلى اليمن بهدف إنشاء إمبراطورية اقتصادية للحوثيين ذات عائدات مالية مستدامة، عبر تشكيل لجنة مهمتها بيع وتأجير وإعادة استثمار الأصول التي استولى عليها الحوثيون من خلال الجهاز القضائي بذرائع مختلفة".
وتشير المعلومات المتداولة إلى أن أرباح تلك الاستثمارات ستمول بشكل أساس مشاريع الصواريخ الباليستية والطائرات من دون طيار في اليمن مع "ضمان الاستدامة الاقتصادية للحوثيين مهما كانت ظروف الحرب اليمنية، سواء مددت الهدنة أو اندلع القتال مرة أخرى، أو حتى إذا تم التوصل إلى اتفاق سلام"، ولم يتسن لـ "اندبندنت عربية" التأكد من تلك المعلومات عبر طرف مستقل.