تواصلت ردود الفعل الدولية في شأن إصدار مذكرات توقيف في حق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت وكذلك القيادي في حركة "حماس" إبراهيم المصري، المعروف باسم محمد الضيف، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.
وأصدرت الجنائية الدولية أمس الخميس مذكرات توقيف في حق نتنياهو وغالانت والضيف، وهو ما أثار موجة غضب أميركية – إسرائيلية مشتركة. وذكر القضاة في قرار إصدار أوامر الاعتقال أن هناك أسباباً كافية للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت مسؤولان جنائياً عن المجاعة في غزة واضطهاد الفلسطينيين.
ويتضمن أمر اعتقال الضيف تهماً تتعلق بالقتل الجماعي في هجوم "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 واغتصاب واحتجاز رهائن، وأشار الادعاء إلى أنه سيواصل جمع المعلومات في ما يتعلق بأنباء مقتل الضيف، إذ قالت إسرائيل إنها قتلت المصري، المعروف أيضاً باسم محمد الضيف، في غارة جوية، لكن "حماس" لم تؤكد أو تنفِ مقتله.
وتأسست المحكمة الجنائية الدولية عام 2002، وتضم حالياً 124 دولة عضواً، ولم تصدر سوى عدد قليل من الإدانات منذ إنشائها.
الصين بدورها دعت اليوم الجمعة المحكمة الجنائية الدولية إلى "موقف موضوعي وعادل" غداة إصدارها مذكرات التوقيف. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان في مؤتمر صحافي دوري، "تأمل الصين بأن تحافظ المحكمة الجنائية الدولية على موقف موضوعي وعادل وتمارس صلاحياتها وفقاً للقانون".
وأكدت الصين وهي على غرار إسرائيل والولايات المتحدة ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، أنها "تدعم كل الجهود المبذولة من جانب الأسرة الدولية في شأن القضية الفلسطينية التي تصب في مصلحة الإنصاف والعدالة وحفظ سلطة القانون الدولي".
واتهم لين الولايات المتحدة كذلك باعتماد سياسة "الكيل بمكيالين" رداً على سؤال حول معارضة واشنطن لملاحقة نتنياهو فيما أيدت مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة نفسها في حق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأضاف أن الصين "تعترض على الدوام على استخدام بعض الدول القانون الدولي عندما يخدم ذلك مصالحها (...) وعلى كيلها بمكيالين".
تباين أوروبي
وبينما انضمت سلوفينيا وقبرص إلى الدول الأوروبية التي أبدت احترامها لقرار "الجنائية الدولية"، أعلن رئيس الوزراء المجري الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، اليوم أنه سيدعو نظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى بودابست في تحد لمذكرة المحكمة.
ونقلت وكالة الأنباء السلوفانية (أس تي أي) عن رئيس الوزراء روبرت غولوب قوله إن سلوفينيا ستحترم مذكرات التوقيف الصادرة في حق قادة إسرائيل و"حماس" "وستمتثل لها بصورة كاملة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأصبحت سلوفينيا في يونيو (حزيران) الماضي أحدث دولة في الاتحاد الأوروبي تعترف بدولة فلسطينية، بعدما وافق البرلمان على الخطوة بغالبية الأصوات.
وأعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم الجمعة عن امتنانه لرئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان على دعوته له لزيارة المجر، على رغم إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف في حقه، مشيداً بـ"وضوحه الأخلاقي".
وقال نتنياهو في بيان صدر عن مكتبه "أشكر رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، على دعمه الحار لي ولدولة إسرائيل في مواجهة الضعف المخزي لأولئك الذين وقفوا إلى جانب القرار الفظيع ضد حق دولة إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، مضيفاً "تظهر المجر، مثل أصدقائنا في الولايات المتحدة، وضوحاً أخلاقياً وتقف إلى جانب العدالة والحقيقة".
وقال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان في تصريحات إذاعية، "لا خيار أمامنا سوى تحدي هذا القرار. سأدعو في وقت لاحق اليوم نتنياهو للمجيء إلى المجر حيث يمكنني أن أضمن له أن قرار المحكمة الجنائية الدولية لن يكون له أي تأثير".
وبحسب أوربان، فإن "القرار وقح ومقنع بأغراض قضائية لكن له في الحقيقة أغراض سياسية" ويؤدي إلى "الحط من صدقية القانون الدولي".
على النقيض أعلن رئيس الوزراء الإيرلندي سايمون هاريس اليوم أنه سيتم اعتقال نتنياهو إذا جاء إلى إيرلندا بموجب مذكرة التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية في حقه أمس الخميس.
ورداً على سؤال من التلفزيون العام "آر تي أي" عما إذا كانت إيرلندا، العضو في المحكمة الجنائية الدولية، ستعتقل نتنياهو إذا زار البلاد، قال "نعم، بالتأكيد"، وأضاف "نحن ندعم المحاكم الدولية ونطبق مذكرات التوقيف الصادرة عنها".
قالت الحكومة البريطانية اليوم إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يمكن أن يتعرض للاعتقال بموجب مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية إذا سافر إلى المملكة المتحدة.
وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء كير ستارمر، رافضاً التطرق بصورة خاصة إلى قضية نتنياهو، "ستفي المملكة المتحدة دائماً بالتزاماتها القانونية كما هو منصوص عليه في القوانين المحلية والقانون الدولي".
خففت فرنسا اليوم من رد فعلها حيال قرار المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرتي اعتقال في حق مسؤولين إسرائيليين، قائلة إنها أخذت علماً بالقرار الذي لم يكن حكماً بل مجرد إضفاء طابع رسمي على الاتهام.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية كريستوف لوموان في بيان "فرنسا أخذت علماً بهذا القرار. ووفاء لالتزامها الطويل الأمد بدعم العدالة الدولية، فإنها تؤكد مجدداً تمسكها بالعمل المستقل للمحكمة وفقاً لنظام روما الأساسي".
كان لوموان قد قال أمس إن رد فرنسا سيكون متماشياً مع مبادئ نظام روما الأساسي، لكنه أحجم عن القول ما إذا كانت باريس ستعتقل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إذا جاء إلى فرنسا، مشيراً إلى أن الأمر معقد من الناحية القانونية.
وقال مصدر حكومي قبرصي إن بلاده، التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع إسرائيل، تعد مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية ملزمة من جهة المبدأ. وأضاف، "القرار قيد الدراسة وليس لدينا تعليق على ذلك. من جهة المبدأ فإن قرارات المحكمة الجنائية الدولية تحظى بالاحترام وملزمة".
وقال متحدث باسم الحكومة الألمانية اليوم إن برلين ستدرس بعناية مذكرتي الاعتقال الصادرتين عن الجنائية، لكنها لن تتخذ خطوات أخرى لحين التخطيط لزيارة لهما إلى ألمانيا. وأضاف "شاركت الحكومة الألمانية في صياغة النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وهي واحدة من أكبر المؤيدين للمحكمة - وهذا الموقف هو أيضا نتيجة للتاريخ الألماني". وتابع "في الوقت نفسه، نتيجة للتاريخ الألماني لدينا علاقات فريدة ومسؤولية كبيرة تجاه إسرائيل".
كان وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو أعلن مساء أمس أن بلاده ستضطر إلى توقيف نتنياهو إذا زارها، وذلك تنفيذاً لمذكرة التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحقه.
من جانبها، قالت هولندا إنها ستنفذ قرار الجنائية الدولية. وذكرت وكالة الأنباء الهولندية (أي أن بي) أمس أن زيارة مقررة لوزير الخارجية الهولندي إلى إسرائيل ألغيت، مشيرة إلى أن السبب وراء القرار هو تسريب معلومات سرية عن الزيارة.
إجراءات بريطانية "مناسبة"
رفضت وزيرة الداخلية البريطانية إيفيت كوبر الإفصاح عما إذا كانت حكومة لندن ستعتقل نتنياهو إذا زار المملكة المتحدة، على رغم إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحقه، لافتة إلى وجود "إجراءات مناسبة يجب اتباعها في هذا الشأن، ولن يكون من المناسب التعليق على حالات بعينها بطريقة تخمينية".
وأوضحت كوبر أن الفصل في مذكرة اعتقال نتنياهو "ليست مسألة يحسمها وزير للداخلية لأن هناك خطوات قانونية يجب إتباعها في هذا الإطار، وليس مناسباً التعليق على الأمر قبل وضوحها"، منوهة إلى أن الحكومة البريطانية تحترم استقلال ودور الجنائية الدولية، ولكنها تركز حاليا على التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة.
احترام المحكمة الدولية وتقدير دورها ورد أيضا على لسان المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء يوم أمس ولكن هذا يبقي موقف لندن "ملغزا" ويحتاج إلى توضيح رسمي، وبانتظار ذلك لابد من الإشارة إلى أن مذكرات اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه السابق إلى جانب قائد "حماس" العسكري، أثارت انتقادات داخلية بحجة أنها "تقارن حكومة ديمقراطية مع جماعة إرهابية محظورة في دول عدة منها بريطانيا".
وقالت وزيرة الخارجية في حكومة الظل المحافظة بريتي باتيل إن "المذكرات مقلقة ومستفزة" داعية الحكومة إلى إدانتها وتحدي حكم المحكمة الجنائية الدولية.
"موت سياسي"
أما قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي فوصف مذكرتي الاعتقال الصادرتين عن "الجنائية الدولية" في حق نتنياهو وغالانت بأنها "النهاية وموت سياسي" لإسرائيل. وقال سلامي في كلمة بثها التلفزيون الإيراني الرسمي، "هذا يعني النهاية والموت السياسي للكيان الصهيوني، وهو كيان يعيش اليوم في عزلة سياسية مطلقة في العالم فيما لم يعد بإمكان مسؤوليه السفر إلى دول أخرى".
وفي أول رد فعل رسمي من إيران، وصف سلامي إصدار مذكرتي التوقيف بأنه "خطوة مرحب بها" و"نصر كبير لحركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية"، المدعومة من طهران.
"قرار فاضح"
من جانبه أكد نتنياهو مساء أمس أن مذكرة التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية في حقه لن تمنعه "من مواصلة الدفاع" عن إسرائيل "بأي طريقة". وقال نتنياهو في رسالة مصورة إلى مواطنيه "ما من قرار فاضح معاد لإسرائيل بإمكانه أن يمنعنا - وتحديداً أنا - من الاستمرار في الدفاع عن بلدنا بأي طريقة"، مضيفاً "لن نستسلم للضغوط"، وذلك في وقت تواجه إسرائيل انتقادات دولية شديدة بسبب طريقة إدارتها للحرب التي تخوضها ضد حركة "حماس" في قطاع غزة.
وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت أمس، أن قرار المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرتي توقيف بحقه ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هو "سابقة خطرة تشجع الإرهاب".
غضب أميركي
من جانبه، ندد الرئيس الأميركي جو بايدن أمس بمذكرات التوقيف ووصفها بـ"المشينة". وقال بايدن في بيان إن "إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف في حق مسؤولين إسرائيليين أمر شائن. دعوني أوضح الأمر مرة أخرى: أياً يكن ما قد تلمح إليه المحكمة الجنائية الدولية فليست هناك أي مساواة بتاتاً بين إسرائيل و(حماس). سوف نقف دوماً إلى جانب إسرائيل ضد التهديدات التي يتعرض لها أمنها".
وفي وقت سابق أكد متحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض أن "الولايات المتحدة ترفض قطعاً قرار المحكمة إصدار مذكرتي التوقيف".
وفي الكونغرس دعا الجمهوريون بالإجماع إلى فرض عقوبات على المحكمة الدولية. وقال السيناتور النافذ ليندسي غراهام المقرب من الرئيس المنتخب دونالد ترمب إن "الجنائية الدولية تصرفت بأكثر الطرق سخفاً وانعداماً للمسؤولية". وأضاف، "حان الوقت كي يتحرك مجلس الشيوخ الأميركي ويعاقب هذه الهيئة غير المسؤولة".
تعليق أممي
يشار إلى أن الأمم المتحدة أوضحت أن مذكرة التوقيف في حق نتنياهو لا تمنع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وسائر كبار مسؤولي المنظمة الأممية من لقائه في إطار تنفيذهم مهامهم.
وقال المتحدث باسم غوتيريش للصحافيين ستيفان دوجاريك، "طبعاً نحن على علم بمذكرات التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية". وشدد دوجاريك على أن الأمين العام "يحترم عمل المحكمة الجنائية الدولية واستقلاليتها". وأضاف أن "مسألة اتصالاتنا مع الأشخاص الذين صدرت في حقهم مذكرات توقيف لم تتغير"، مذكراً بالمبادئ التي وضعها في 2013 الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك بان كي مون.