وقعت نرجس عندما كانت في الصف الـ11 من دراستها في أفغانستان في حب رجل يكبرها بنحو خمسة أعوام، لكن تعلقه بمخدري الميثامفيتامين والهيروين تجاوز حبه لها. وقالت لـ"اندبندنت"، "لو أحببته، قال لي، فيجب أن أتعاطى المخدرات".
رضخت الشابة وعلى مر الأعوام ازداد تعلقها بالمخدرات في وقت أخذت فيه صحتها العقلية كما الجسدية بالتدهور بشكل مطرد. وفي أحد الأيام أواخر عام 2019، وجدت نفسها تواجه مأزقاً حقيقياً، فقد كانت مدمنة وحاملاً بطفله. وكما هو معلوم، فإن حملها خارج إطار الزواج ينظر إليه على أنه مصدر خزي وعار في ثقافة ترفض هذا الأمر وتستهجنه.
أما صديقها، فعندما علم بأنها حامل هرب وتوارى عن الأنظار. ولجأت نرجس إلى الإجهاض والتمست العلاج من إدمانها. لكن آمالها في التعافي، بعد أربع سنوات من ذلك، تهاوت بعد انهيار حكومة أشرف غني في شهر أغسطس (آب) من عام 2021.
حركة "طالبان" التي استولت على السلطة في البلاد، تعهدت بتخليص اقتصادها من التجارة غير المشروعة للمخدرات. لكن الأطباء وعلماء النفس وضحايا المخدرات الذين تحدثت إليهم "اندبندنت" أكدوا أن أزمة إدمان المخدرات في أفغانستان تفاقمت، الأمر الذي انعكس سلباً على النساء والأطفال بشكل غير متناسب.
وعلى الرغم من صعوبة الحصول على بيانات دقيقة عن عدد المدمنات في ظل حكم "طالبان"، إلا أن الدكتورة شايسته حكيم قدرت وجود نحو 80 ألف امرأة مدمنة في البلاد، مشيرة إلى أن الأرقام مستمرة في الارتفاع. ونبهت الطبيبة إلى أنه "في حال لم تتم معالجة هذه المشكلة، فسيكون هناك تسونامي من النساء مدمنات تعاطي المخدرات في البلاد".
مستشفى "خوشال خان" في كابول الذي تعمل فيه الدكتورة حكيم والذي يحوي 150 سريراً، تم دمجه مع وحدة أخرى لإعادة تأهيل المدمنين على المخدرات، وذلك بعد سيطرة حركة "طالبان" على السلطة في أفغانستان. وبات المكان الوحيد المتوافر للنساء (وأطفالهن) للحصول على العلاج والتعافي من آفة الإدمان. وكان المستشفى استقبل منذ أغسطس العام الماضي، 77 مريضاً فقط.
ويوجد في قندهار جنوب البلاد، مستشفى حكومي واحد لعلاج مدمني الأفيون، لديه 70 سريراً فقط. ويعزى السبب في عدم إدخال عدد أكبر من المدمنين لتلقي العلاج إلى النقص في التمويل الدولي وعدم وجود ما يكفي من الموارد والأدوية والموظفين، وتعد هذه من الأسباب الرئيسة لعدم طلب ضحايا أزمة المخدرات المساعدة الضرورية لهم.
يشار إلى أنه قبل أغسطس 2021، كانت المساعدات الدولية لأفغانستان تغطي قرابة 75 في المئة من إجمالي الإنفاق العام في البلاد. ودفعت عوامل عدة، لا سيما منها الضغوط من أزواج عاطلين من العمل والمعلومات القليلة التي تحذر من مساوئ تعاطي المخدرات وقلة المدارس وعدد الأيتام وعمالة الأطفال والجوع والجفاف وتغير المناخ، الضحايا اليائسات إلى التداوي بالتي كانت هي الداء: تعاطي المخدرات.
بعض النساء اللواتي يتعاطين المخدرات يلجأن إلى الأفيون كمسكن للألم أو باعتباره دواء، وذلك كعادة الثقافية أو يأخذنه في كثير من الأحيان بدافع الانتحار. وأكد ناطق باسم منظمة الإغاثة "إنترسوس" Intersos [منظمة إنسانية غير ربحية تعنى بمساعدة ضحايا الكوارث الطبيعية والنزاعات المسلحة] أنهن يعطين المخدر أحياناً لأطفالهن لتهدئتهم إذا ما أفرطوا في البكاء.
تجدر الإشارة إلى أن الفرق الصحية الجوالة التي كانت تتولى في السابق تثقيف النساء في ما يتعلق بالانعكاسات السيئة لتعاطي المخدرات باتت نادرة بسبب غياب التمويل.
أحد أطفال ضحايا الإدمان هو ابن فايزة، الفتى الذي يبلغ من العمر 10 سنوات، يتذكر الغرفة التي كان يقطن فيها عندما كانت تختنق بالدخان، في وقت كانت فيه المخدرات كثيرة والطعام قليل. ودفعه هذا الواقع إلى تقليل اهتمامه بالأنشطة أو الذهاب إلى المدرسة وتوقف عن لعب كرة القدم مع أطفال آخرين. وفي تقدير طبي لوضعه الآن يقول الدكتور شريف ذبيح، الطبيب الذي يعالجه في مركز إعادة التأهيل، إنه يحرز تقدماً في المستشفى، لكن الأمر سيتطلب بعض الوقت.
ويوضح الدكتور ذبيح أن تأثير المخدرات في الأطفال الصغار هو متعدد الجوانب. فعلى المدى القصير، يعانون من قلة النوم ويتخلون عن الأنشطة التي يمارسونها في العادة ويطغى السلوك العدواني على تصرفاتهم وتظهر عليهم علامات الاضطراب النفسي. وتضر المخدرات بوزن أجسامهم بحيث تضعف نموهم ويصيب الوهن عظامهم وتصبح مقاومتهم للأمراض متدنية جداً.
وأشار إلى أنه على المدى الطويل يصبح الطفل غير قادر على تكوين علاقات صحية ويعاني من الاكتئاب والهلوسة وقصر فترات التركيز والانتباه.
فاريما هي امرأة أخرى في مرحلة التعافي من الإدمان. كانت تعمل لتحصيل قوتها في زرع محاصيل الأفيون وحصدها في قرية بإقليم باداخشان شمال شرقي أفغانستان، علماً أن التعرض اليومي لتماس مباشر مع المخدرات يعني أنها لم تكن لتستطيع تفادي الإدمان.
وتقول فاريما من سريرها في جناح التعافي [بالمستشفى] في كابول إنه عندما تصاب النساء في القرى بمرض ما، فإنهن ينصحن بعضهن البعض باستخدام المخدرات كدواء. ويسود لدى بعض الأسر اقتناع راسخ بأن مخدرات الميثامفيتامين والأفيون والهيروين تشفي فعلاً من الأمراض.
اللافت أن أسراً تتعاطى المخدرات مع أطفالها، ويعمل بعض الأطفال الذين هم بمعظمهم من الأيتام في المزارع على جني محاصيل المخدرات لأنهم بحاجة ماسة إلى المال. وتشمل عملية الإنتاج استنشاق كثير من فضلات المنتوج والدخان، مما يعرض الأطفال حكماً لخطر إدمان الأفيون.
يشار إلى أن أفغانستان عانت على مدى عقود من أزمة مخدرات. وهي أكبر منتج للأفيون والهيروين في العالم، وتعد الآن مصدراً رئيساً للميثامفيتامين. ولم ينج من الضرر نتيجة الفقر وجائحة "كوفيد - 19" وعقود من الحرب، سوى قليل من الناس.
وقدر الناتج الإجمالي للاقتصاد الأفغاني غير القانوني من المخدرات عام 2021 بما يصل إلى مليارين و700 ألف دولار أميركي (2.3 مليار جنيه استرليني).
متحدث باسم "الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة" في بريطانيا National Crime Agency [تعنى بإنفاذ القانون في مجال مكافحة الجريمة المنظمة والمخدرات والإتجار بالبشر والأسلحة] رجح إمكان أن "تسعى مجموعات الجريمة المنظمة في أفغانستان إلى استغلال المهاجرين الأفغان المعرضين للخطر بشكل متزايد نتيجة الوضع الاقتصادي المتدهور".
وأضاف أن "الضحايا المحتملين هم عرضة لخطر العمل القسري والاستغلال الجنسي والإجرام القسري، ويشمل ذلك زرع نبات الخشخاش وتهريب المخدرات".
وتعد أفغانستان مصدر نحو 95 في المئة من الهيروين الذي ينتهي به المطاف في شوارع المملكة المتحدة. وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة للقضاء على تجارة المخدرات في أفغانستان منذ عقود، فإن هناك مخاوف من عودة أزمة المخدرات إلى حقبة ما قبل عام 2001، بعد خطوة الرحيل الفاشلة من البلاد لقوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) NATO في أغسطس العام الماضي.
ويشير متحدث باسم "الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة" إلى أن انهيار الحكومة الأفغانية تسبب في فقدان جهود مكافحة "الجريمة المنظمة والخطيرة" Special Organised Crime (SOC) القدرة على العمل داخل أفغانستان.
ويقول تميم حكيمي المدير المالي السابق لمستشفى "خوشال خان" في كابول إنه في ظل حكم حركة "طالبان"، أدت السلوكيات تجاه المدمنين إلى إعاقة عمل موظفي المستشفى. وكان حكيمي استقال في شهر أبريل (نيسان) وانتقل إلى إيران المجاورة.
وقال "قادة طالبان أمروا مراراً طاقم المستشفى بضرب المدمنين وحبسهم داخل غرف بإقفالها عليهم" لافتاً إلى أن المرضى في العناية المركزة يحتاجون إلى بيئة علاجية مناسبة وتغذية سليمة ووجبات طعام جيدة.
أما نيل تورنر المدير القطري لـ"المجلس النرويجي للاجئين" Norwegian Refugee Council [منظمة إنسانية غير حكومية]، فأشار إلى أن الاحتياطات الأجنبية لأفغانستان مجمدة و"البنك المركزي الأفغاني" ما زال متوقفاً عن العمل ومنظمات المساعدات التنموية لم تعد بعد إلى أفغانستان.
في المقابل، أدى النقص في التمويل إلى تعطيل تدفق الأدوية والآلات الموسيقية وغيرها من المتطلبات الأساسية لتعافي المدمنين. وإضافة إلى ذلك، لفت الدكتور حكيمي وجمعيات خيرية نظر "اندبندنت" إلى أن الحكومة الراهنة تعمل على زج مدمني الأفيون في السجون، حيث لا يمكنهم الوصول إلى البرامج المطلوبة للتعافي من الإدمان.
وأشار إلى أن حركة "طالبان" أعلنت في ما يبدو عن حظر المخدرات، إلا أن كثيرين في القرى النائية في أفغانستان، يعتمدون عليها منذ نحو 20 عاماً مصدر دخل رئيساً لهم.
ولفت متحدث باسم "إنترسوس" إلى وجود عدد قليل للغاية من الجمعيات الخيرية التي ما زالت تعمل في مجال علاج إدمان المخدرات في أفغانستان، مردفاً أن الجمعيات بحاجة إلى تمويل إضافي كي تتمكن من مساعدة مزيد من الأشخاص في تلقي العلاج.
السيد تورنر من المنظمة النرويجية رأى هو أيضاً أنه في غياب التمويل والمساعدة الإنمائية، فإن المواطنين الأفغان العاديين سيواصلون دفع الثمن الأعلى لتبعات استيلاء حركة "طالبان" على البلاد.
إشارة أخيراً إلى أن "اندبندنت" حاولت الحصول على تعليق في شأن ما تقدم من "طالبان"، لكن حتى لحظة كتابة هذا التقرير لم تتلق منها أي رد.
* تم تغيير بعض الأسماء لحماية هوية الأفراد الذين أجريت مقابلات معهم
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 4 سبتمبر 2022
© The Independent