تم نشر كتاب "أستاوندنج" لـ نيفالا لي من قبل " داي سانت بووكس" (ذي اندبندنت)في أغسطس من هذا العام ، تم استدعاء الكاتبة إن. ك. جيميسن إلى المسرح في مؤتمر الخيال العلمي العالمي في سان خوسيه للحصول على جائزة هيوغو للمرة الثالثة على التوالي لأفضل رواية لهذا العام.
إن تحقيق ثلاثة انتصارات متتالية بالحصول على واحدة من أكثر الجوائز فخامة وأهمية في الخيال العلمي لهو أمر لافت بما فيه الكفاية. لكن كون جيميسين امرأة سوداء جعل انتصاراتها المتتالية حدثًا تاريخيا.
ربما هذا أمر لا ينبغي حتى أن أذكره، فرغم كل شئ، إن مشهد الخيال العلمي المعاصر أكثر تنوعًا مما كان عليه قديمًا وأصبح وجود الكُتّاب من النساء والأشخاص ذوي البشرة الداكنة أمرا عاديا وليس استثناء.
أَطلق هذا الأسبوع موقع آراء القراء "جوودريدز" جائزة إختيار جوودريدزالسنوية. واحتوت قائمة الترشيحات بالجولة الأولى على 15 عنوانًا في فئة الخيال العلمي، سبعة منهم لكاتبات بينما أربعة كتب فقط كانت لكُتاب رجال من ذوي البشرة البيضاء.
إذن لماذا يستحق الأمر الحديث عنه؟ لأن مجال الخيال العلمي المعاصر لم يكن متنوع الأصول بأي حال، وهو الأمر المبين في كتاب جديد بعنوان "أستاوندنج" لمؤلفه أليك نيفالا لي.
يركز "أستاوندنج" على تاريخ أدب الخيال العلمي بالنظر إلى بداية ما يُطلق عليه عادة العصر الذهبي ، والذي توافقت الآراء بأنه قد بدأ من عام 1939 حتى عام 1950.
حتى لو لم تكن مهتمًا بشكل خاص بعالم كتابة الخيال العلمي ، فمن المؤكد أنك ستتعرف على بعض الأسماء من تلك الحقبة، مثل إسحاق آسيموف الذي كتب العديد من الروايات والقصص القصيرة بما في ذلك السلسلة الذي تم تحويلها مع كثير من التصرف إلى فيلم آي روبوت من بطولة ويل سميث. وكذلك روبرت هينلين مؤلف "غريب في بلاد غريبة" و "يملك بذة فضاء - سيسافر"، بالإضافة إلى "ستارشيب تروبرز" (من بين العديد من القصص الأخرى) والذي تمت معالجته سينمائيًا عام 1997. أما عن إل. رون هوبارد، الذي اشتهر لاحقًا بأنه مؤسس كنيسة السيانتولوجي، كان في الثلاثينيات واحدًا من ثلاثي الكتاب الشباب، جنبا إلى جنب مع اسيموف وهيينلين، الذين شكلوا العمود الفقري لسرد ذلك التاريخ.
لكن كتاب نيفالا لي في المقام الأول هو عن قصة جون دبليو كامبل ، الذي لم ينل التقدير الكافي، بينما يعد واحدًا من أهم الشخصيات في تاريخ الخيال العلمي.
وُلد كامبل عام 1910 في نيوارك بولاية نيوجيرسي ، وكان يمتهن الكتابة بغزارة حتى عُيِّن رئيس تحرير مجلة أستوندنج في عام 1938. وقد قام بتشجيع أسيموف وهاينلين وهوبارد وهم ثلاث شخصيات شديدة الاختلاف والتناقض حتى أدخلها العصر الذهبي.
عندما نفكر في العصر الذهبي ، نفكر في مجازيات الخيال العلمي الكلاسيكية. كانت تنطوي على نظرة مستقبلية تفاؤلية في الوقت الذي كان فيه العالم الحقيقي يشق طريقه نحو الحرب العالمية. صواريخ أنيقة وأبطال ذوو فك مربع بارز، وفتيات في مأزق تهددهن كائنات فضائية ذات مجسات لزجة
إنها صورة خيال علمي مختلفة عن شكله اليوم إلى حد كبير، ولكن في أواخر الثلاثينيات حين كان العالم يتحول بسرعة إلى مكان مرعب، بدأت فكرة الهروب من الواقع تزداد رواجًا.
وقتها، كان لا يزال الخيال العلمي - من وجهة نظر العامة - نوع يعجب الخاصة فقط. أما اليوم ، فالخيال العلمي موجود في كل مكان. إن التلفزيون وخدمات البث مثل نتفليكس مليئة بالخيال العلمي مثل مسلسل "سترينجر ثينجز" و ذا هاندميدز تيل" و "بلاك ميرور". إن مسلسل "دكتور هو" يتمتع بواحدة من أكثر فتراته رواجًا على الإطلاق. وحسب الاحصاءات، يدفع الأشخاص الذين لا يعتبرون أنفسهم من عشاق الخيال العلمي بأفلام مثل "ستار وورز" و "ريدي بلاير وان" و أفلام "مارفل" إلى أعلى قوائم شباك التذاكر.
لكن في العصر الذهبي ، كان الخيال العلمي غائباً إلى حد كبير عن دور السينما ، باستثناء مسلسلات الفصل الواحد التي تضم فلاش غوردون وبوك روجرز ، حين بدأت في الخمسينيات موجة الغزو الفضائي والتي أطلقتها مخاوف ما بعد الحرب حول الشيوعية وعدو الداخل. لم يحلق التلفاز بالركب حتى الستينيات عندما بدأ بث مسلسلات "ستار تريك" و "ذا أوتر ليمتس" و" لاند أوف ذا جاينتس".
لذلك كان يتوفر الخيال العلمي في العصر الذهبي في شكل أدبي مكتوب لمن يريد. المجلات مثل "أستاوندنج" نشرت روايات أو قصص خيال علمي قصيرة مسلسلة. وهكذا ولد هذا النوع من الفن، وظهر شئ آخر: صورة الخيال العلمي التي اقتصرت على الذكور من ذوي البشرة البيضاء، الأمر الذي ظل كذلك لفترة طويلة جدًا.
ويلاحظ نيفالا لي أن الخيال العلمي الذي قرر كامبل تشكيله كان يتمحور بشكل كبير حول شخصية "البطل القوي" - البطل الذي سينقذ العالم والمجرة والكون بأكلمه. وكتب نافيلا لي أن: "كامبل كان يشجع الخيال العلمي الذي يشير الى افتراضات معينة. حيث يميل محرّرون مثل كامبل إلى تفضيل الكُتاب الذين يشبهونهم ، ومنذ البداية كان أغلب الجماهير من الذكور. وكثيراً ما كان يُنظر إلى النساء بريبة، وحتى عندما كان يتم الترحيب بهن ، كان يمكن معاملتهن بشكل سيئ".
على الرغم من أن كامبل يحتل مكانة خاصة في تاريخ الخيال العلمي ، إلا أنه كان يؤمن ببعض الآراء البغيضة. إن إغفاله لشخصيات من ذوي البشرة السوداء ، على سبيل المثال ، لم يكن مجرد شيء يمكن تصنيفه بمجاراة العصر، أو حتى بسبب الجهل، بل كان قرارًا متعمدا .
ويقتبس نيفالا لي قول كامبل: "فكروا بالأمر قليلا، وعندها ستدركون السبب وراء قلة ظهور ذوي البشرة السوداء في الخيال العلمي. لا نرى أي سبب لقول شاهد! شاهد! شاهد!!نحن نستخدم السود في قصصنا! هل ترى الرجل الأسود! انظر له في سفينة فضاء". ويلاحظ نيفالا لي: " كانت النتيجة أن أبطال القصص كان يجب أن يكونوا من الذكور البيض - موقف قد لا ينظر إليه على أنه مشكلة."
وقد كان كامبل أيضا من أكثر المناهضين للنسوية، قائلا أن النساء اللواتي طالبن بالمساواة في الحقوق قد رفضن التخلي عما اعتبره "امتيازات أنثوية خاصة". لقد أعلن ذات مرة: "لم تصل أي امرأة على الإطلاق إلى أعلى المراتب الأدبية بأي لغة هندوأوروبية".
لم يفتقر العصر الذهبي الى الكُتاب السود أوالنساء، لكنهم لم يسمح لهم بأي فرصة للمشاركة. يُعتبرصامويل آر. ديلاني، والذي يبلغ الآن من العمر 76 عامًا، واحدًا من أهم كُتاب الخيال العلمي على الإطلاق. إنه أمريكي من أصل أفريقي، ومثلي الجنس (كان لدى كامبل الكثير ليقوله عن المثلية الجنسية كذلك ، وكلها أشياء سيئة) . وبينما كان يعترف كامبل به ككاتب ويقول: "هذا الرجل كاتب جيد، ويمتلك الكثير من الأفكار الرائعة" ، كان يرفض باستمرار طلبات ديلاني للنشر، بل ورفض "نوفا" التي تعتبر من الكلاسيكيات. وأشار ديلاني إلى أن كامبل "لم يشعر أن قراءه سيكونون قادرين على الاحساس بما يربطهم بشخصية البطل الأسود".
رغم لك، نشر كامبل للعديد من الكاتبات أثناء مسيرته المهنية، بما في ذلك الكاتبة آن ماكافري، بالإضافة إلى كيت ويلهلم، وأليس شيلدون التي ظهرت قصتها الأولى "ولادة رجل مبيعات" في واحدة من مجلات كامبل في عام 1967. فقد كتبت شيلدون تحت الاسم المستعار "جيمس تيبتري الابن" ، قائلة: "بدا لي أن استخدام اسم رجل تمويه جيد. كان لدي شعور بأن الرجل سوف يحظى بانتباه أقل. لقد مررت بتجارب كثيرة في حياتي كوني أول امرأة في تلك المهنة اللعينة". لم يكن حتى عام 1977 عندما عُرف أن اسم تيبتري هو في الواقع لامرأة.
كل هذا قد ساهم في بناء فكرة أن الخيال العلمي ناد حصري للفتيان، بل نادي الفتى الأبيض. ولكن كتاب نيفالا لي يسلط الضوء على النساء اللواتي تم التغاضي عنهن في تاريخ العصر الذهبي الرسمي، وبخاصة دونا، زوجة كامبل الأولى، وليسلين زوجة هانيلين الأولى، بل وربما أيضًا بطلة القصة الحقيقية كاي تارانت والتي كانت تعمل مساعدة لكامبل.
فكل منهن قد لعبت دورا أساسيا في الحفاظ على مجلة "أستاوندج" بأيامها الأولى. فعندما بدأت الحرب وكان على جميع الرجال الأربعة أبطال هذه القصة أن يقطعوا مسيرتهم المهنية والالتحاق بالجيش، أراد روبرت أ. هاينلين أن يُعين دونا وكاي كمحررتين للمجلة في غيابه.
وقد أشار كامبل بشكل عام إلى كاي تارانت كسكرتيرة له ، ولكنها في الحقيقة كانت تقوم بنصيب الأسد من العمل ، فكانت تراجع ما يقدم اليهم من أدب خيالي قبل أن يوافق عليه كامبل، وكانت تشرف على التدقيق والمراجعة ، وتحرير النسخ ، وإدارة وإنتاج مجلات"أستاوندنج" و"كامبل" الأخرى ضمن عملها الذي استمر لمدة 30 عاما.
إن عالم الخيال العلمي الذي خلقه كامبل وكُتابه قد تحمله لسنوات ، لكنه بدأ أن يفقد صلته بهذا النوع من الأدب بخاصة مع بداية ستينيات القرن الماضي. كان العالم يتغير وأصبح نموذج كامبل الذكوري الأبيض غير ذي صلة. فقد بدأ نوع جديد من الخيال العلمي في الظهور، والذي كان يطلق عليه الموجة الجديدة أو"نيوويف"، حيث احتوى على كل ما كان يعتبره كامبل غير متناغم مع الخيال العلمي مثل الجنس والنوع والمخدرات وما بعد الحداثة والسياسة، بل وسخرت تلك "الموجة" من أبطال العصر الردئ ذوي الفك المربع.
بدأت الكاتبات اللواتي توارين طويلاً عن الأنظار في ظلال الخيال العلمي في الظهور والازدهار. واكتسبت كاتبات مثل جوانا روس ورواياتها ، بما في ذلك "الرجل الأنثوي"، مكانة بارزة ، وفي هذه الفترة بدأت أورسولا ك. لو جين في الوصول الى ما سيكون أعلى قمم العالم الأدبي.
وقد احترقت "الموجة الجديدة" ببداية السبعينيات، ولكن لفترة قصيرة نسبيا. فلم تعبر عن بداية فجر عصر جديد ومتنوع كما كان يأمل الكثيرون، على الأقل ليس على الفور. لكنها أثبتت أن الديمقراطية في مجال الخيال العلمي ستكون ممكنة، وأن قبضة كامبل قد تراخت بل وقد فُقدت في النهاية.
يقول نيفالا لي: " أصبح الخيال العلمي أكبر كثيرًا من قدرة أي أحد على توجيهه أو تعريفه، ولكن هذا الكتاب يركز على الفترة التي كان يُظن أن رجلاً واحدًا يسيطر عليها حتى تحرر منه العديد من القراء. أحب أن يقول كامبل بأن المنقذ الحقيقي هو الجنس البشري بأكمله ، لكنه رأى ذلك في شكل شخصيات بطولية ، بدءًا بنفسه.
وإذا كان جمهوره قد رفض في نهاية الأمرالامتثال للخط المرسوم لهم فإنهم قد انتهوا إلى النتيجة التي كان يريدها تمامًا. فقد أصبح الخيال العلمي تعاونًا مستمرًا بين الكُتاب والجمهور، وأكبر دليل على نجاح كامبل هو أنه فقد السيطرة عليه.
على الرغم من وجهات نظره حول الكثير من الأشياء، ما زال يُنظر لكامبل بتقدير كأحد مؤسسي الخيال العلمي المعاصر ، وكذلك يُنظر لمعاونيه أمثال آسيموف وهاينلين وهوبارد. إن أقل ما يمكن أن يقال عنهم أنهم جميعاً كانوا إشكاليين بطريقتهم الخاصة. يعتبر آسيموف واحدًا من عظماء جميع العصور، ولكن يوضح نيفالا لي بالتفاصيل كيف كان يميل آسيموف إلى التحرش بالنساء في مؤتمرات الخيال العلمي حيث وجد الأمر مرحًا بعض الشئ حين ذاك، ولكنه اليوم قد يلقبه بـ "المعتدي المتحرش المتسلسل".
يا ترى كيف يمكن أن يكون رأي كامبل في حصول إن. ك. جيميسن على جائزة هيوغو لثلاث مرات؟ يمكننا فقط أن نخمن. فمع أفكاره حول نجاح المؤلفين مثل ننيدي أوكورافور أو كاميرون هيرلي أو آن ليكي ، أو أي من النساء اللواتي يهيمنّ حاليًا على الخيال العلمي بقصص تعج ببطولات نسائية تقلب التوقعات وتنتزع الاستحقاقات التقليدية للعصر الذهبي لترى نور الشمس. يمكننا فقط أن نخمن، ولكن من الإنصاف القول أن آراءه حول الأمر لا يتوقع أن تكون جميلة.
وهذا لا يعني أن الفوز في المعركة قد تحقق. ففي السنوات الأخيرة ، كانت هناك محاولات لتوجيه رد فعل عنيف ضد التنوع المتزايد في الخيال العلمي ، لا سيما في أمريكا حيث كانت هناك حملات مكثفة لإبقاء أمثال جيميسين خارج أوراق الاقتراع، حملات قد نظمها الرجال البِيض الذين يفتقدون أيام القوة البطولية لمن ينقذون النساء الممتنات لانقاذهن من براثن الكائنات الفضائية. في الواقع ، دعت إحدى تلك الحملات علناً إلى " ثورة كامبيلية " في الخيال العلمي.
جون دبليو كامبل هو واحد من تلك الشخصيات الذي ستثير جدل لا نهاية له حول ما إذا كان من الممكن الاحتفال بالفن من قبل الفنان ، وما إذا كانت ستظل آراؤه تلون إنجازاته، أو إذا كنا نستطيع أو لا نستطيع إنكار تأثيره على أدب الخيال العلمي، وهل كان يمكن أن يؤول الأدب الى ما آل اليه من دون كامبل.
وفي النهاية ، الأمر لا يهم. كان كامبل كما كان ، وفعل ما فعله. لم يخلق الخيال العلمي كما لم يكن يملكه. لقد كانت فترة مهمة في التاريخ ، لكنها مرت. إن الخيال العلمي اليوم جديد ومذهل ويشمل الجميع ، وربما في السنوات القادمة سيشير المؤرخون إلى هذه الحقبة بالعصر الذهبي الحقيقي، وليس حقبة كامبل.
© The Independent