العام الماضي دفع كونور 800 جنيه استرليني في مقابل حقن ستة مل من الفيلر في ذقنه وفكه وخديه، يبلغ الشاب 23 سنة من العمر، ويتذكر قائلاً "سددت ثمن (الحقن) على دفعات شهرية لأنني لم أكن قادراً على تحمل كلفتها الكاملة دفعة واحدة". لجأ كونور إلى حقن الفيلر باعتبارها حلاً لانعدام ثقته البعيدة الأمد بشكل وجهه، "منذ عمر الخامسة أو الـ16 تقريباً، رغبت في أن يكون شكل وجهي محدداً أكثر. كنت أستخدم تطبيقات مثل ’فيس تون‘ عدما كنت أصغر سناً، لكي أغير شكل وجهي وأرى الشكل الذي يمكن أن يكون عليه".
بعد تلقيه الحقن ازدادت ثقة كونور بنفسه فوراً، "بدا حنكي بارزاً واتخذ ذقني شكلاً مربعاً أكثر وبرزت عظام خدي، في الفترة السابقة للعلاج شعرت بقلة ثقة كبيرة. أردت شيئاً يعزز ثقتي بنفسي".
كونور ليس الشاب الوحيد في هذه الحالة، ففي ظل الضغوط المتزايدة لتحقيق معايير الجمال السامة غالباً ما يلجأ الشباب إلى العلاجات التجميلية غير الجراحية. وقد ازداد انتشار استخدام فيلر الجلد كما البوتوكس بشكل خاص في أوساط الشباب بعمر العشرينيات. لا تتوفر بيانات مفصلة بحسب الفئات العمرية حالياً لكي يظهر الحجم الحقيقي لهذا الاتجاه وتطوره، لكن الاختصاصيون الطبيون يلاحظون هذا الوضع ويتناقلونه. تقول الدكتورة تامارا غريفيث من الجمعية البريطانية لأطباء الجلدية، "هناك إجماع على ازدياد شعبية الإجراءات التجميلية غير الجراحية في أوساط الشباب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مع أنه من السهل تحميل عائلة كارداشيان أو برنامج "جزيرة الحب" على قناة "آي تي في" مسؤولية فرض معايير جمال متعذرة [عسيرة] البلوغ على شاشاتنا، فالشباب يتسابقون للحصول على مظهر الشفاه الأكثر امتلاء أو الخدود الأكثر ارتفاعاً بسبب أحدث صيحات عالم الجمال.
منذ 10 سنوات كان البوتوكس والمواد القابلة للحقن مخصصة للأشخاص الأكبر سناً والأكثر ثراء القادرين على دفع ثمن العلاجات في العيادات الطبية الخاصة في شارع هارلي، ومن بينهم المشاهير الذين يخشون ظهور علامات التقدم في السن على محياهم، أما الآن فتكثر العلاجات التجميلية في أوساط أفراد في العشرينيات من عمرهم. يسعى بعضهم إلى الحصول على حقن البوتوكس، وهو سم قابل للحقن يرخي لبعض الوقت عضلات الوجه المسؤولة عن التجاعيد والخطوط الرفيعة، لكن أكثر العلاجات شيوعاً بين فئة الشباب في العشرينيات هي فيلر الجلد، وهي مادة قابلة للحقن مكونة من حمض الهيالورونيك، تستخدم لملء الخطوط الرفيعة والتجاعيد أو نفخ بعض أجزاء الوجه وإبرازها.
ويعد كونور واحداً من بين آلاف الأشخاص من عمره تقريباً الذين لجؤوا إلى هذه العلاجات، ويقول "لاحظت أن أصدقائي يتكلمون بشكل عادي عن رغبتهم في الحصول على فيلر، سواء في خدودهم أو شفاههم. هذا حديث يتردد كثيراً على مسامعي".
أما هيلين (22 سنة) فتتابع تخصص علم الجريمة والاجتماع في الجامعة، وقد حقنت مليلتراً واحداً من الفيلر في شفتيها، وتقول "قصدت سيدة تعمل في صالون لتصفيف الشعر في بورتشيستر، وجدتها عبر ’إنستغرام‘". حققت هيلين هدفها بالحصول على شفتين أكثر امتلاء وتشعر بأنها سعيدة بالنتيجة. "غير ذلك كلياً نظرتي إلى شكلي قبلاً، عندما أعيد النظر إلى الصور تبدو شفتاي أصغر فيها، تغيرت نظرتي إلى وجهي نوعاً ما".
لكن بشكل عام يواجه الشباب أزمة غياب ثقة بأنفسهم، وتنتشر هذه الأزمة منذ أول مرة فتحنا فيها حساباً على "فيسبوك" وبدأنا باستخدام برامج لتحرير صورنا مثل "فيس تون". وقد بدأ هذا الموضوع يثير الذعر في أوساط الجسم الطبي.
تقول الدكتورة غريفيث "أتوخى الحذر الشديد في مسألة علاج أي شخص دون 25 سنة من العمر لدواع تجميلية. قد يكون الشباب أكثر ضعفاً أحياناً من حيث التوقعات غير المنطقية والضغوط التي تمارسها عليهم وسائل التواصل الاجتماعي وأقرانهم، إضافة إلى (معاناة) القلق المرضي والاكتئاب وغيرها من المشكلات النفسية".
توافق فيكتوريا براونلي كبيرة مسؤولي السياسات في مجلس الجمال البريطاني على أن عدد الأشخاص الذين يلجؤون إلى العلاجات التجميلية قد ازداد بشكل متسارع وكبير، ويحتمل أن يسفر هذا الموضوع عن تبعات خطيرة. وتقول "نسمع عن 'تأثير برنامج جزيرة الحب' وتأثر الفئة العمرية الأصغر بشكل كبير بالشخصيات التي تظهر على شاشاتها ووسائل التواصل الاجتماعي". في عام 2020 قدرت وزارة الصحة أن نحو 41 ألف شخص تحت عمر 18 عاماً قد خضعوا لإجراء حقن البوتوكس (منعت المملكة المتحدة منذ ذلك الوقت خضوع القاصرين لهذه الإجراءات، بموجب قانون منع استخدام سم البوتولينوم والفيلر التجميلي على الأطفال)، لكن بالنسبة لمن تخطوا عمر الـ18 فليس باليد حيلة تمنعهم من نفخ وحقن وجوههم، ولا يتوفر أي نوع من الدعم لعلاج القضايا الأعمق.
بسبب سنيهما يعتبر كونور وهيلين أشبه بفئران تجارب لـ"فيسبوك" و"إنستغرام"، إذ ترعرعا على تصورات غير واقعية عن الأجسام، ونماذج جمالية يقدمها الإنترنت على أنها مثالية، فأصبح من شبه المحتم أن يحلما كما كثيرون غيرهما بتغيير مظهرهما.
وجد بحث أجرته العلامة التجارية المعنية بالعناية بالجسم، "وو وو" (WooWoo) أن سيدة بريطانية من كل عشر تقول إنها "تكره كل شيء في جسمها"، فيما أشارت أكثر من ربع السيدات إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي هي مصدر الضغط الذي يواجهنه بشأن أجسامهن، لكن كونور يصر على أن معايير الجمال السامة تفرض على جميع الأجناس. ويقول "لا يعي الناس أن الرجال قد يشعرون أيضاً بالضغط لكي يظهروا بشكل معين. لو كنت رجلاً مثلياً على وسائل التواصل الاجتماعي مثلي فأنت عرضة لضغط أكثر قليلاً لكي تبدو بمظهر محدد"، ولذلك فإن ثقافة الجمال متطلبة بالنسبة لكل الأجناس مع التحول المتزايد لمعايير الجمال الأساسية التي تصبح بعيدة المنال وباهظة الثمن.
حتى أن حملات الترويج لبعض المنتجات تستعين بمشاهير وتستهدف المستهلكين الشباب. ظهر النجم السابق لقناة "ديزني" جو جوناس في دعاية غريبة لحقن "زيومين" (Xeomin) منافس بوتوكس الأكبر، حملت عنوان "الجمال بحسب شروطك". ويصنف "زيومين" منتجاً تجميلياً قابلاً للحقن يخفف مظهر الخطوط الرفيعة والتجاعيد، ويصور الفيديو جوناس بوجه منتعش لا تظهر عليه أي مسام وهو مستلق في السرير، ويخبر الكاميرا عن تجربته الشخصية مع الحقن، ويقول "لا يمكن تحديد تعريف واحد فقط للجمال، وبفضل السم الذكي ’زيومين‘ أحصل على الجمال بشروطي الخاصة".
فيما يفصح المشاهير بصراحة أكبر عن علاجاتهم يتحمس الشباب لتجربة هذه العلاجات بأنفسهم، وكما الحال في ردود الفعل المتسلسلة يستغل فنيو التجميل ارتفاع الطلب الحالي على علاجات الحقن التجميلية، ويسعى كثير من الفنيين الذين لا يملكون ترخيصاً بالعمل إلى أخذ دروس قصيرة وجلسات تدريب فردية من "هيئات ترخيص"، فيقدمون علاجات معقولة الثمن لأصحاب الموازنات المحدودة. وما يعنيه هذا هو أنه يمكن لأماكن مثل صالونات تصفيف الشعر وتجميل الأظافر وأماكن تسمير البشرة أن تقدم مجموعة كبيرة من العلاجات الأقل ثمناً والمتوفرة للجميع، مثل فيلر الشفاه وعلاج وخز الوجه بالإبر الدقيقة المسمى بعلاج مصاص الدماء وحقن الفيتامينات.
في الوقت الراهن يسعى أطباء الجلدية والوزراء إلى ضبط تقديم العلاجات غير المنظم، وتقول براونلي "في الوقت الحالي هناك نقص في تنظيم الإجراءات التجميلية غير الجراحية، تلزم بعض السلطات المحلية المؤسسات التجارية الحصول على 'ترخيص للعلاجات الخاصة'، قبل أن يسمح لها بتقديم بعض الإجراءات التجميلية، لكن ذلك لا يسري في كل مناطق المملكة المتحدة".
في فبراير (شباط) الماضي أعلنت الحكومة نيتها طرح نظام لترخيص مختص بالإجراءات التجميلية غير الجراحية مثل البوتوكس والفيلر. ويقول آندرو رانكن عضو أمانة السر التابعة للمجلس المشترك لممارسي التجميل "نعي بأن أزمة الغلاء المعيشي الحالية قد تدفع بعض الفئات إلى البحث عن علاجات رخيصة الثمن. لكن استخدام المنتجات الأصلية بشكل محترف يرتب ثمناً معيناً، ونحن نوصي الناس بتفادي العلاجات التي تبدو زهيدة الثمن". في حال أقرت الحكومة مشروع القانون المعني بهذا الأمر، سوف تمنح وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية سلطات تنظيمية تسمح لها بضمان توحيد المعايير في قطاع التجميل برمته، وحماية العملاء من ممارسي هذه العمليات غير المرخصين.
أما بالنسبة إلى كونور فقد خاب أمله حين ظل أثر حقنة الفيلر الأولى التي أخبروه بأن أثرها يدوم 18 شهراً واضحاً لمدة ثلاثة أشهر فقط، فلم يدم شعوره بالثقة بالنفس كثيراً. ويعترف بأنه لن يتلقى "العلاج مجدداً إلى أن أتمكن من دفع ثمنه بكل راحة، لو كنت تبلغ نحو 20 سنة من العمر وتريد حقن نفسك بالفيلر أنصحك بالانتظار، لأن وجهك قد يتغير بشكل لا يمكنك احتسابه قبلاً. فكر في المدة التي قد يدوم فيها أثر الحقنة وإن كنت قادراً على تحمل استمراره لهذه المدة".
وتوافقه الدكتورة غريفيث الرأي "إن كنت في العشرينيات من عمرك وتسعى للحصول على هذه العلاجات فكر ملياً. لا تلجأ إليها كرد فعل آني أو عفوي، بل فكر لبعض الوقت في سبب رغبتك بها".
نشرت اندبندنت هذا المقال في 8 سبتمبر 2022
© The Independent