أعربت قوى أوروبية، السبت العاشر من سبتمبر (أيلول) الحالي، عن "شكوك جدية" في مدى صدق إيران في السعي إلى التوصل إلى اتفاق في شأن برنامجها النووي، محذرة من أن موقف طهران يقوض احتمالات إحياء اتفاق 2015.
وبدا أن المفاوضين الأوروبيين يحققون تقدماً باتجاه إحياء اتفاق 2015 مع موافقة إيران إلى حد كبير على نص المقترح النهائي، لكن درجة التفاؤل تراجعت عندما أرسلت الولايات المتحدة ردها، الذي ردت عليه إيران بدورها.
وفي بيان مشترك، السبت، قالت فرنسا وألمانيا وبريطانيا إن المقترح النهائي، الذي طرح على طهران يمثل "الحد الأقصى لمرونة" القوى الأوروبية في شأن الملف.
وأضافت، "للأسف، اختارت إيران عدم استغلال هذه الفرصة الدبلوماسية الحاسمة"، مشيرة إلى أن طهران "تواصل بدلاً من ذلك التصعيد في برنامجها النووي بشكل يتجاوز أي مبرر مدني معقول".
وأعادت طهران طرح مسائل مرتبطة بتعهداتها الملزمة قانوناً بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي تم التوصل إليها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وأفادت الدول الثلاث بأن "هذا الطلب الأخير يثير شكوكاً جدية في نيات إيران ومدى التزامها التوصل إلى نتيجة ناجحة في ما يتعلق بخطة العمل الشاملة المشتركة".
"غير بناء ومؤسف"
من جانبها، رأت وزارة الخارجية الإيرانية، السبت، أن بيان الدول الأوروبية الثلاث بشأن مباحثات أحياء الاتفاق النووي "غير بناء" و"مؤسف"، محذرة إياها من "تدمير" المسار الدبلوماسي.
وقال المتحدث باسم الوزارة ناصر كنعاني، في بيان تعليقاً على الموقف الأوروبي، إنه "من المفاجئ والمؤسف، بينما تستمر التفاعلات الدبلوماسية وتبادل الرسائل بين الأطراف المفاوضين ومنسق المباحثات من أجل إنجاز المباحثات، أن تصدر الدول الأوروبية الثلاث بياناً كهذا"، معتبراً أنه يشكل "انحرافاً عن مقاربة مثمرة في المفاوضات".
ونصح الدول الثلاث "بأداء دور أكثر فاعلية لتوفير حل لإنهاء الخلافات القليلة المتبقية، عوضاً عن دخول مرحلة تدمير المسار الدبلوماسي".
وينتقد الغربيون طلب إيران، قبل أن تتم إعادة تفعيل الاتفاق، إغلاق ملف الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن العثور على آثار لمواد نووية في ثلاثة مواقع لم تصرح إيران سابقاً أنها شهدت أنشطة من هذا النوع.
وفي حين تحض الدول الغربية إيران على التعاون مع الوكالة التابعة للأمم المتحدة لحل المسألة، تعتبر طهران أن هذا الملف "مسيس".
ورأى كنعاني أن بيان الدول الأوروبية قريب من موقف إسرائيل، العدو اللدود لإيران، والمعارضة بشدة للاتفاق الأساسي وللمفاوضات الأخيرة بشأنه.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية "من المؤسف أن الدول الأوروبية الثلاث اتخذت خطوة على مسار النظام الصهيوني من أجل إفشال المفاوضات، ومن الواضح أنه في حال استمرت هذه المقاربة، عليهم أن يتحملوا المسؤولية عن النتائج".
وشدد كنعاني على أن "التهديدات والعقوبات" لن تحول "من دون متابعة الشعب الإيراني لحقوقه ومصالحه".
وأتاح اتفاق 2015 المبرم بين طهران وست قوى دولية (واشنطن وباريس ولندن وموسكو وبكين وبرلين) رفع عقوبات عن إيران لقاء خفض أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها، لكن الولايات المتحدة انسحبت منه عام 2018 في عهد رئيسها السابق دونالد ترمب، معيدة فرض عقوبات على إيران التي ردت ببدء التراجع تدريجاً عن معظم التزاماتها. وتعززت الآمال في شأن إمكان إحياء الاتفاق في عهد الرئيس جو بايدن المؤيد لذلك.
خطوة إلى الوراء
ويأتي بيان القوى الأوروبية الثلاث بعد يوم على تأكيد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن رد إيران الأخير على مسألة إحياء الاتفاق النووي يمثل خطوة "إلى الوراء". وأضاف، "لسنا على وشك الموافقة على اتفاق لا يفي بمتطلباتنا الأساسية".
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، الخميس الثامن من سبتمبر، إن الرئيس جو بايدن يريد التأكد من أن الولايات المتحدة لديها "خيارات أخرى متاحة" لضمان عدم امتلاك إيران القدرة على صنع أسلحة نووية، إذا فشلت جهود إحياء الاتفاق النووي لعام 2015.
وأضاف كيربي أن واشنطن ستظل تواصل الضغط من أجل معاودة تنفيذ الاتفاق، لكن صبرها "ليس أبدياً". وأوضح أنه "على الرغم من أن بايدن رعى المسار الدبلوماسي وشجعه ودفع باتجاهه فقد نقل لبقية الإدارة أنه يريد ضمان أن لدينا خيارات أخرى متاحة لتحقيق هذه النتيجة الأكيدة، وهي عدم حيازة إيران القدرة على إنتاج أسلحة نووية".
لا ضمان
أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الأربعاء، أنها "لا تستطيع ضمان أن البرنامج النووي الإيراني سلمي حصراً"، بسبب عدم رد طهران على مسألة المواقع غير المعلنة والمشتبه في أنها شهدت أنشطة غير مصرح عنها.
وقال المدير العام للوكالة رافاييل غروسي في تقرير نشر قبل أيام من انعقاد مجلس محافظي الوكالة التابعة للأمم المتحدة إنه يشعر "بقلق متزايد في وقت لم يحرز فيه أي تقدم" في ملف آثار اليورانيوم المخصب التي عثر عليها في الماضي عبر أماكن مختلفة، داعياً طهران إلى الالتزام "بواجباتها القانونية والتعاون في أسرع وقت ممكن".
وتعد هذه إحدى النقاط الرئيسة التي تتسبب في تعثر المفاوضات التي استؤنفت خلال أبريل (نيسان) 2021 في فيينا لإحياء الاتفاق الدولي حول النووي الإيراني المبرم عام 2015 بين الدول الكبرى (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا) مع إيران الذي انسحبت منه واشنطن بعد ثلاث سنوات في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وطالبت إيران مجدداً، الثلاثاء السادس من سبتمبر الحالي، بأن تغلق الوكالة الدولية للطاقة الذرية ملف المواقع غير المعلنة للسماح بإنجاز تفاهم في محادثات إحياء الاتفاق مع الأطراف التي لا تزال منضوية في الاتفاق، بينما تشارك الولايات المتحدة فيها بشكل غير مباشر.
ودانت الوكالة أيضاً قراراً أعلنته إيران خلال يونيو (حزيران) الماضي يقضي بوقف عمل عدد من كاميرات المراقبة، متحدثة عن "عواقب تؤثر في القدرة على التحقق من الطابع المدني للبرنامج النووي".
ووفق تقديرات في مستند منفصل فإن إيران وإضافة إلى الحد من وصول الوكالة الأممية واصلت خلال الأشهر الأخيرة إنتاج اليورانيوم المخصب.
تجاوز الحدود
وجاء في تقرير الوكالة أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بات الآن يتجاوز بأكثر من 19 مرة الحد المسموح به بموجب الاتفاق. وأوضح التقرير أن المخزون حتى الـ21 من أغسطس (آب) الماضي يقدر بـ3940.9 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب في مقابل 3809.3 كيلوغرام منتصف مايو (أيار) السابق، علماً أن الحد المسموح به هو 202.8 كيلوغرام.
وزادت إيران مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة إلى 331.9 كيلوغرام في مقابل 238.4 كيلوغرام في السابق، متجاوزة نسبة التخصيب المنصوص عليها في الاتفاق وهي 3.67 في المئة.
وباتت إيران تملك 55.6 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة مقابل 43.1 في المئة سابقاً، وهذه النسبة تقترب أكثر من عتبة 90 في المئة اللازمة لتصنيع القنبلة الذرية.
الرد الإيراني
وأكدت وزارة الخارجية الأميركية، الثلاثاء، أن رد إيران على مقترحات العودة للاتفاق النووي لم يساعد في التوصل إلى اتفاق.
وأعلن البيت الأبيض أنه لا يزال هناك عمل كثير يتعين على الدبلوماسيين القيام به في شأن إيران، مضيفاً، "لا يزال هناك عمل كثير يتعين على الدبلوماسيين القيام به في شأن إيران".
وكان البيت الأبيض قد أكد أن الولايات المتحدة مستعدة لكل السيناريوهات المرتبطة بنجاح أو فشل الاتفاق النووي، كما أضاف، "كنا واضحين للغاية في شأن ما نعتزمه هنا هو التأكد من أن إيران لا تمتلك سلاحاً نووياً، وهذا هو هدفنا النهائي هنا".
حملة إسرائيلية
من ناحية أخرى، تشن إسرائيل حملة دبلوماسية مكثفة في محاولة لإقناع الغربيين بعدم إحياء الاتفاق المبرم بينهم وبين إيران في 2015 الذي أصبح في حكم الميت منذ انسحبت منه الولايات المتحدة أحادياً في 2018. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد، إن "الوقت ما زال مبكراً لمعرفة ما إذا كنا قد نجحنا بالفعل في وقف الاتفاق النووي، لكن إسرائيل مستعدة لأي تهديد ولأي سيناريو".
وأضاف، "إذا استمرت إيران في اختبارنا فسوف تكتشف ذراع إسرائيل الطويلة وقدراتها"، متعهداً "مواصلة العمل على جميع الجبهات ضد الإرهاب وضد أولئك الذين يسعون إلى إلحاق الأذى بنا".
وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه حصل من الرئيس الأميركي جو بايدن على الضوء الأخضر لكي تفعل الدولة العبرية "كل ما تراه مناسباً" لمنع إيران من امتلاك السلاح الذري، وهو هدف لطالما نفت إيران سعيها لتحقيقه على رغم الاتهامات الغربية والإسرائيلية لها بعكس ذلك.
وتعارض إسرائيل بشدة الاتفاق النووي الذي أبرمته الدول الكبرى مع إيران في 2015 وخفف العقوبات المفروضة على طهران في مقابل التزامها تقليص برنامجها النووي.
وفي حين يسعى بايدن إلى إحياء الاتفاق فإن إسرائيل التي تعد القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط تعهدت بذل كل ما في وسعها لمنع إيران من الحصول على قنبلة نووية.
تحذير إيراني
وأفادت وكالة "تسنيم" الإيرانية للأنباء، الأربعاء، بأن قائداً كبيراً في الحرس الثوري حذر من أن أية دولة تتورط في عدوان إسرائيلي على إيران "ستدفع الثمن"، وذلك بعد أن وصلت المحادثات بين طهران وواشنطن في شأن إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 إلى طريق مسدود.
ونقلت وكالة "تسنيم" عن القائد البارز غلام علي رشيد قوله، "يشكل النظام الصهيوني (إسرائيل) تهديداً رئيساً لأمن إيران، كل الحكومات التي ستتعاون مع هذا النظام في عدوانه على أمن إيران ستدفع الثمن".
وسبق أن حذرت إسرائيل التي تعد البرنامج النووي الإيراني تهديداً لوجودها من شن عمل عسكري ضد المواقع النووية الإيرانية إذا فشلت الدبلوماسية في كبح جماح أنشطة طهران النووية. وقالت إيران مراراً إنها سترد رداً ساحقاً على أي عدوان.
إحياء الاتفاق يتضاءل
قال منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الإثنين، إنه أصبح أقل تفاؤلاً حيال التوصل إلى اتفاق سريع على إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وذلك عما كان عليه قبل وقت قصير.
وأضاف بوريل، في تصريحات للصحافيين في بروكسل، "يؤسفني أن أقول إنني أقل ثقة اليوم مما كنت عليه قبل 28 ساعة، إزاء احتمالات إبرام الاتفاق الآن".
وأكدت إيران، الإثنين، أنها لم تتلق بعد رد الولايات المتحدة على ملاحظات تقدمت بها الأسبوع الماضي في شأن النص المقترح لإحياء الاتفاق النووي مع القوى الكبرى، واعتبرت واشنطن في تعليق أولي أنها "غير بناءة".
وأرسلت إيران الأسبوع الماضي ردها الأخير على نص صاغه الاتحاد الأوروبي بهدف حل أزمة إحياء الاتفاق النووي الذي قيدت طهران بموجبه برنامجها النووي في مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية التي فرضتها عليها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.