يبدو أن العملة الأميركية في طريقها لتحطيم الرقم القياسي المسجل أمام الجنيه المصري في عام 2016 مع قرب توقيع القاهرة اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل جديد لا يقل عن خمسة مليارات دولار أميركي.
ولم يعد أمام الدولار سوى 15 قرشاً لكسر رقمه السابق عندما وصل إلى أعلى سعر مقابل العملة المحلية وهو 19.51 جنيه للدولار الواحد في الـ20 من ديسمبر (كانون الأول) 2016.
الجنيه يفقد 0.8 في المئة
وفقد الجنيه المصري مقابل العملة الخضراء نحو 0.8 في المئة من قيمته في غضون شهر بعد أن تراجع من 19.17 جنيه لكل دولار في 11 أغسطس (آب) الماضي ليسجل، الأحد الـ11 من سبتمبر (أيلول)، نحو 19.33 جنيه لكل دولار على الشاشات الرسمية للبنك المركزي المصري.
وبعد فترة استقرار نسبية عقب تنحي محافظ "البنك المركزي" السابق طارق عامر وتولي حسن عبدالله قائماً بالأعمال في 18 أغسطس توترت العلاقة بين العملتين المصرية والأميركية، إذ شهدت حراكاً ملحوظاً منذ الأربعاء الماضي وانخفض الجنيه مقابل الدولار بمقدار أربعة قروش في الأقل دفعة واحدة مساء الأربعاء على الشاشات الرسمية لـ"البنك المركزي المصري"، وسجلت العملة الأميركية 19.30 جنيه للبيع مقابل 19.22 جنيه للشراء مقارنة بـ19.26 جنيه في اليوم السابق.
وزحف الدولار، الأحد، متخطياً حاجز الـ19.30 جنيه، إذ سجل 19.26 جنيه للشراء و19.33 للبيع بحسب البنك المركزي.
الدولار بـ19.37 جنيه
بعيداً من الأسعار الرسمية بـ"البنك المركزي" تراجع سعر العملة المحلية في البنوك الحكومية مثل "الأهلي ومصر" ليهبط إلى 19.35 جنيه لكل دولار بيعاً بينما بلغ سعر الشراء 19.29 جنيه في البنكين، كما ارتفع سعر صرف الدولار بـ"البنك التجاري الدولي" (أكبر ذراع مصرفية بالقطاع الخاص) ليسجل 19.37 جنيه للبيع و19.31 جنيه للشراء.
عودة الحراك بين الدولار والجنيه بداية من الأسبوع الماضي جاءت عقب أقل من 24 ساعة على تصريحات صحافية أدلت بها وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية هالة السعيد ونقلتها وكالة "بلومبيرغ"، الثلاثاء الماضي، إذ كشفت عن أن بلادها منفتحة على فكرة الإدارة الأكثر مرونة لقيمة الجنيه المصري مقابل الدولار.
وأضافت الوزيرة أن "الحكومة تفضل في الوقت الحاضر آلية سعر الصرف المرن للجنيه"، في إشارة إلى عدم ثبات القيمة من أجل دعم اقتصادها الذي يتعرض للضغوط نتيجة الهجوم الروسي على أوكرانيا، وهو ما يؤشر إلى قرب صدور قرار بالتعويم، بحسب الوكالة.
وكان الهبوط التاريخي الأكبر للجنيه المصري مقابل العملة الخضراء في الـ20 من ديسمبر 2016 عندما سجل الدولار 19.51 جنيه بعد قرار تحرير سعر صرف العملة المحلية (التعويم) في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) 2016.
وخرق الدولار الهدنة مع نظيره الجنيه التي استمرت فترة من الاستقرار دامت عامين تقريباً عقب قرار لجنة السياسة النقدية بـ"البنك المركزي المصري" في الـ21 من مارس (آذار) رفع أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس ما يعادل واحداً في المئة، الأمر الذي أعقبه تخفيض في قيمة الجنيه المصري لا يقل عن 18 في المئة، ثم عادت اللجنة إلى رفع أسعار الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس أي ما يعادل اثنين في المئة في الاجتماع التالي مايو (أيار)، قبل أن تبقي على المستويات الحالية في اجتماعين متتاليين الأول في الـ23 من يونيو (حزيران) ثم في الـ18 من أغسطس الماضي، في الوقت الذي تجتمع اللجنة من جديد مساء الخميس الـ22 من سبتمبر الحالي لبحث الموقف.
نزيف "الاحتياطي" يتسع
في غضون ذلك أعلن البنك المركزي المصري، الأربعاء الماضي، عن تراجع جديد في رصيد الاحتياطي الأجنبي من العملات الأجنبية، إذ سجل في نهاية أغسطس نحو 33.141 مليار دولار متراجعاً بنسبة 0.07 في المئة عن رصيده في نهاية يوليو (تموز) عندما سجل 33.143 مليار دولار.
ويتشكل رصيد احتياطي مصر من سلة من العملات الدولية الرئيسة تشمل الدولار الأميركي والعملة الأوروبية الموحدة (اليورو) والجنيه الاسترليني والين الياباني واليوان الصيني، وهي نسبة توزع حيازات مصر منها على أساس أسعار الصرف لتلك العملات ومدى استقرارها في الأسواق الدولية، وتتغير بحسب خطة موضوعة من قبل مسؤولي البنك المركزي المصري.
تعويم جزئي لمغازلة الصندوق
اختلفت آراء المحللين والمتخصصين في حديثهم لـ"اندبندنت عربية" حول هذا الشأن، إذ اعتبر فريق منهم أن تراجع العملة المحلية مقابل العملة الخضراء نذير بقرب إتمام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، بينما رأى فريق آخر في هذا التراجع رسائل إيجابية يغازل بها "المركزي المصري" المستثمرين في الداخل والخارج علاوة على الصندوق.
قال المتخصص في شؤون الاقتصاد وائل النحاس إن "الهبوط في قيمة العملة المحلية مقابل العملة الأميركية أمر طبيعي في ظل مفاوضات قائمة بين القاهرة ومسؤولي الصندوق لم تنته بعد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح أن "الصندوق لديه إصرار على أن تظهر قيمة الجنيه المصري بالسعر الحقيقي لها أو السعر العادل، وهو ما يتطلب تخفيضاً جديداً في قيمة العملة المحلية حتى تتوافق مع متطلباته نوعاً ما".
وأشار إلى أن "العقود الآجلة للصفقات التجارية التي يعقدها المستثمرون المصريون مع نظرائهم بالخارج تسعر الدولار الأميركي بـ22 جنيهاً على أقل تقدير".
من جانبها قالت المتخصصة في أسواق المال رانيا يعقوب إن "تراجع الجنيه مقابل الدولار في الأيام الأخيرة يعد تعويماً جزئياً أو تحركاً مرناً لأسعار الصرف يعكس قوى العرض والطلب".
وأوضحت أن هذا التعويم الجزئي يبعث برسائل إيجابية سواء لمسؤولي صندوق النقد وللمستثمرين المحليين والعرب والأجانب بأن هناك دوراً أكبر للبنك المركزي المصري في ظل قيادة جديدة للبنك.
الدولار الجمركي نحو الأعلى
في هذه الأثناء ارتفع سعر الدولار الجمركي إلى أعلى مستوى له في تاريخ مصر، الأربعاء الماضي، ليسجل 19.31 جنيه مقابل كل دولار، وسارعت وزارة المالية بتوضيح الأمر عبر المرصد الإعلامي للوزارة الذي قال إنه "لا يوجد الآن ما يسمى الدولار الجمركي". وأكد أن مصلحة الجمارك تستخدم أسعار العملات الأجنبية المعلنة من البنك المركزي كل يوم في تقييم الضرائب والرسوم الجمركية.
ويعود تطبيق الدولار الجمركي إلى فبراير (شباط) 2017 بعد ثلاثة أشهر من قرار تحرير سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار في الثالث من نوفمبر 2016 بعد أن وصل سعر الدولار مقابل الجنيه إلى مستوى تاريخي متخطياً حدود الـ19 جنيهاً (1.03 دولار)، لتثبت قيمة الدولار الجمركي عند 16 جنيهاً آنذاك، وكان هذا السعر أساس التعامل والمحاسبة بين المستوردين والمنافذ الجمركية عند احتساب الرسوم والضرائب الجمركية قبل أن يتوقف العمل به عام 2017، وعادت الحكومة إلى تطبيق نظام "الدولار الجمركي" عقب رفع البنك المركزي أسعار الفائدة بمقدار واحد في المئة، في الـ21 من مارس الماضي وتخفيض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار بما يزيد على 18 في المئة.
السلع ترتفع 30 في المئة
من جانبه قال رئيس لجنة التجارة الداخلية بشعبة المستوردين بـ"الاتحاد العام للغرف التجارية" متى بشاي إن "استمرار ارتفاع سعر الدولار الجمركي وتوقف الاعتمادات المستندية المتعلقة بالمستوردين تسببا في ارتفاعات كبيرة في أسعار السلع المستوردة وبخاصة تامة الصنع".
وأضاف أن "صعود الدولار الجمركي يتسبب في ارتفاعات كبيرة بنسب متفاوتة على أسعار السلع المستوردة"، مشيراً إلى أن "الدولار الجمركي يعبر عن سعر الدولار أمام الجنيه الذي تستخدمه الجهات الجمركية لتحديد قيمة البضائع المستوردة من أجل حساب الرسوم الجمركية بناء عليه".
ولفت إلى أن "نسبة الزيادة فقط حتى الآن على السلع بعد زيادة الدولار بالبنوك والدولار الجمركي من دون دفع جمارك على البضائع تصل إلى 30 في المئة منذ بداية تحرك سعر الدولار في مارس الماضي".
وفي الأول من مارس الماضي أوقف البنك المركزي المصري التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ عمليات الاستيراد والعمل بالاعتمادات المستندية فحسب، مبرراً ذلك بتسهيل عملية شراء البضائع من الخارج. ودعا رجال الأعمال إلى الإسراع في معالجة أوضاعهم قبل أن يتدخل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في اجتماعه بالمجموعة الوزارية الاقتصادية، مايو 2022، باستثناء المواد الخام ومستلزمات الإنتاج من قواعد تنظيم الاستيراد التي طبقها البنك المركزي.