لا يزال قانون "لم الشمل" يثير الجدل في الجزائر بعد أن أمر الرئيس عبد المجيد تبون بإعادة النظر في المشروع، الأمر الذي جعل المبادرة "غامضة" في نظر أطراف عدة وغير جدية لدى أوساط أخرى، في وقت تحدثت جهات عن عدم توافق الرؤى بين أجنحة السلطة.
شكوك
وبقدر ما تركت التسريبات الأولى لمشروع "لم الشمل" ارتياحاً لدى مختلف الأطراف عادت الشكوك حول جدية السلطة في طي ملف الأزمة الأمنية التي عرفتها البلاد خلال تسعينيات القرن الماضي، ففي حين راهن الشارع على احتضان المعارضين بالخارج وتجاوز الماضي نحو مستقبل مشترك جاء بيان مجلس الوزراء ليضع علامات استفهام كثيرة بعد أن أشار إلى حصر الفئة المستفيدة من المبادرة في من تبقى من الأفراد المسلحين الذين سلموا أنفسهم من دون المساجين والناشطين المعارضين في الخارج وغيرهم.
مشروع أفرغ من محتواه
وتواصلت "اندبندنت عربية" مع المعارض الجزائري اللاجئ بفرنسا أنور مالك أحد المعنيين بالقانون وهو عسكري سابق وقد أوضح أن قانون "لم الشمل" مجرد مشروع لا معنى له وأفرغ من محتواه. وقال "كنت أول من اتصلوا به من طرف الأمن الخارجي وخلال فترة التفاوض تم استهداف عائلتي من قبل الأمن الداخلي"، مضيفاً أن السلطة نفسها لا تملك رؤية بخصوص هذا المشروع ولا تزال تتخبط إزاءه. وأبرز أنهم لم يشترطوا شيئاً من أجل العودة إلى البلاد، بل "أخبروني بأنني غير ملزم تغيير خطابي الإعلامي لأن هدفهم انطلاق جزائر جديدة تضم جميع الجزائريين بمختلف أفكارهم وتوجهاتهم، والأكثر من ذلك أكدوا لي أن غلق مجال الإعلام وتراجع الحريات أضر بصورة الدولة"، لكن انقلبت الأمور رأساً على عقب لاحقاً، معتبراً أن هناك صراعات داخل السلطة "لقد كان الأمن الخارجي يتواصل معنا في حين يريد الأمن الداخلي إفساد المبادرة وقد اعتقلوا إخوتي وتم طردهم من العمل من دون أي سبب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أضاف مالك أن المبادرة تم اختزالها في قانون يتعلق بمعتقلي التسعينيات بسبب خلافات كبيرة داخل السلطة حول القانون. وقال "أسهمت في إعداد وثيقة لم الشمل التي وقعها بعض المعنيين في السفارات"، مشيراً إلى أن الأمر كان يشمل أيضاً الذين يوجدون في الخارج ضمن إطار فتح مجال الحريات، لكن الأمور تحولت إلى مجرد توبة لمن يريد العودة. وأوضح أن المشروع في بدايته كان قوياً ولكن أفرغ من محتواه وصار سيئاً للغاية ويعد امتداداً لمشروع الوئام وميثاق المصالحة فقط. واعتبر أن التغييرات التي حصلت على مستوى أجهزة الاستخبارات تندرج في سياق إعادة إحياء المشروع وتوسيعه، مشدداً على أن الجنرال عبدالغاني راشدي (كان مديراً عاماً للوثائق والأمن الخارجي) لعب دوره في ضرب المشروع. وتابع "نراقب ما يجري حتى نحكم على الوضع ووثيقة لم الشمل وقع عليها أكثر من 10 شخصيات معارضة في سفارات الجزائر بفرنسا وسويسرا وبريطانيا وأميركا وإسبانيا وتركيا". وختم بأن الوضع الداخلي والخارجي يقتضي الخروج من الاحتقان، و"أعتقد أن المبادرة كان هدفها إعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي في بلد ديمقراطي إضافة إلى تحقيق جزائر طالب بها الشعب في حراكه التاريخي".
لا نص رسمياً للمبادرة
من جهته أشار القيادي السابق في حزب "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المنحل أنور هدام اللاجئ في الولايات المتحدة الأميركية إلى أنه "لم يصل إلينا إلى الآن النص الرسمي للمبادرة ولا يمكننا المضي نحو المستقبل من دون طي مخلفات المأساة الوطنية وفي مقدمتها ملفات سجناء التسعينيات والمنفيين في بلاد الخارج، كفى 30 سنة من السجون والنفي". وسأل من المستفيد من هذا اللغط حول نص لم ينشر بعد؟ وهل هناك من يسعى من خلال هذه التسريبات لضرب المبادرة؟ مستغرباً تسليمه جواز السفر و"تحديد موعد الرجوع إلى أرض الوطن بالتوافق مع السلطات بعيداً من الأضواء لأسباب أمنية ثم يتم إلغاء العودة". وأضاف أنه كانت هناك اتصالات وتواصل مع عدد من اللاجئين في الخارج ثم فجأة توقف كل شيء وتسربت معلومات حول معتقلي التسعينيات بأنهم هم المعنيون بالمبادرة.
وتابع هدام أن "التواصل بيننا والسلطة لم ينقطع، وهناك من تحدث أخيراً حول هذا الأمر، وهناك من يقوم منذ سنوات بالمساعي من أجل معتقلي التسعينيات وعودة المنفيين"، أما "مسألة مبادرة لم الشمل فننتظر نشر النص النهائي الرسمي".
غياب توضيحات
وكان الرئيس عبدالمجيد تبون قد أكد في وقت سابق أن قانون "لم الشمل" الذي يمثل امتداداً لقوانين الرحمة عام 1996 والوئام المدني عام 1999 والمصالحة عام 2006 سيشمل الناشطين المعارضين في الداخل والخارج وشدد على أن "كل من تم تغليطهم فهموا أخيراً أن مستقبلهم مع بلادهم وليس مع السفارات الأجنبية"، لكن في خضم "اللغط" الحاصل الذي رافق التغييرات المتتالية لم تقدم السلطة توضيحات بخصوص ما جاء في مشروع القانون الذي سيعرض على البرلمان للمصادقة واكتفت بتسريبات لـ"جس النبض" ليس إلا الأمر الذي ترك الباب مفتوحاً أمام الشكوك والتأويلات والمخاوف.