شهدت الأسواق الرئيسة في الولايات المتحدة وحول العالم هبوطاً كبيراً في مؤشرات الأسهم يوم الثلاثاء 13 سبتمبر (أيلول)، بدرجة لم تشهدها مؤشرات الأسهم الرئيسة في العالم منذ الأيام الأولى لأزمة وباء كورونا مطلع عام 2020. ويتوقع أن تواصل مؤشرات الأسواق الهبوط الأربعاء، مقتفية أثر التراجع يوم "الثلاثاء الرهيب"، وشهدت الأسواق عمليات بيع مكثفة، مع إصابة المستثمرين بالذعر بعد صدور أرقام التضخم في الاقتصاد الأميركي لشهر أغسطس (آب) التي أظهرت استمرار معدلات التضخم في الارتفاع والتوسع في الاقتصاد كله. وعلى الفور ونتيجة عمليات البيع الكبيرة للأسهم أخذت المؤشرات الرئيسة في بورصة "وول ستريت" بنيويورك في الهبوط المستمر. وانخفض مؤشر "داو جونز" للشركات الصناعية بما يقارب نسبة أربعة في المئة، في حين فقد مؤشر "ستاندرد أند بورز" للشركات الكبرى أكثر من أربعة في المئة، بينما فقد مؤشر "ناسداك" لشركات التكنولوجيا أكثر من خمسة في المئة. كذلك ارتفع العائد على سندات الخزانة الأميركية قصيرة الأجل التي تحدد أسعارها والعائد عليها بحسب مؤشر التضخم ليصل إلى أعلى مستوى له في 15 عاماً.
ويتناسب العائد عكسياً مع سعر السندات، ما يعني أن تلك السندات شهدت أيضاً عمليات بيع كبيرة من قبل المستثمرين المذعورين. وتبعت الأسواق الآسيوية نهج الهبوط في "وول ستريت" لخفض مؤشرات الأسهم الرئيسة فيها الأربعاء، كذلك فتحت الأسواق الأوروبية التعاملات على هبوط، وعلى رغم بعض التحسن الطفيف في المؤشرات الأميركية في تداولات ما قبل فتح السوق، إلا أن تقديرات المتعاملين أن تعود المؤشرات للهبوط. وفي حالات الأخبار مثل تلك المتعلقة بالتضخم ومثيلاتها يسارع المستثمرون لتصفية مراكزهم في الأصول عالية المخاطر، والتحول إلى الأصول التي تمثل ملاذات آمنة مثل الدولار والذهب، وتسيطر على الأسواق حال "خروج" من الأسهم والسندات عبر عمليات بيع متسارعة وبأحجام هائلة.
مخاوف التضخم
سبب الذعر الذي أصاب المستثمرين في أسواق الأسهم والسندات هو أنه بعد مؤشرات على أن معدلات التضخم بدأت تباطؤ الصعود، جاءت أرقام الشهر الماضي عكس توقعات السوق، وتشير إلى أن ارتفاع معدلات التضخم مستمر، وبالتالي، فإن آفاق النمو تبدو ضعيفة. لكن الأهم طبعاً بالنسبة إلى المتعاملين في الأسواق هو زيادة التوقعات بأن الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي" الأميركي سيرفع الفائدة مجدداً وبنسبة أكبر من المعتاد. وربما يواصل رفع سعر الفائدة لتتجاوز ثلاثة في المئة هذا العام في محاولة لكبح جماح ارتفاع معدلات التضخم.
بحسب بيان مكتب إحصاءات العمل الأميركي الثلاثاء، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 0.1 في المئة في شهر أغسطس، أي بمعدل ارتفاع سنوي بنسبة 8.3 في المئة، بينما كانت الأسواق تتوقع أن ينخفض مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 0.1 في المئة للشهر الماضي، أما مؤشر التضخم الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة فارتفع الشهر الماضي بنسبة 0.6 في المئة، أي بمعدل سنوي بنسبة 6.3 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كانت الأسواق شهدت بعض التفاؤل الحذر بأن معدلات التضخم في أكبر اقتصاد في العالم ستأخذ في الانخفاض، لكن أرقام الثلاثاء أعادت المخاوف للسوق بخاصة أن بقية الاقتصادات الرئيسة تتحسب أيضاً لاستمرار ارتفاع معدلات التضخم واتساع نطاقها. فالتصريحات من المسؤولين في البنك المركزي الأوروبي تشير إلى أن البنك سيواصل رفع سعر الفائدة بقوة مع تعديل توقعاته لاستمرار ارتفاع التضخم. كذلك في بريطانيا ينتظر أن يرفع بنك انجلترا "المركزي البريطاني" أسعار الفائدة ربما أكثر من مرة قبل نهاية هذا العام مع تجاوز معدلات التضخم نسبة 10 في المئة.
وبحسب مسح أجرته شركة "سي إم إي" للأبحاث، يتوقع ثلث المستثمرين والمتعاملين في الأسواق الأميركية أن يرفع الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة بنسبة واحد في المئة كاملة في اجتماعه المقبل. وكانت نسبة 80 في المئة تتوقع أن يرفع البنك سعر الفائدة بنسبة 0.75 في المئة لتصل إلى 2.5 في المئة، ومع استمرار ارتفاع معدلات التضخم ستتوالى الزيادات في أسعار الفائدة.
استمرار الخسائر
ويتضاعف خوف المستثمرين من ارتفاع معدلات التضخم ليس فقط لأن ذلك يقلل من القيمة الحقيقية للأصول والعائدات على استثمارهم، ولكن لأن ارتفاع التضخم يعني بالضرورة استمرار تشديد السياسة النقدية "رفع سعر الفائدة"، وهذا ما يرفع من كلفة الاقتراض. ونتيجة ذلك، تتحول الأرباح من الأسهم والسندات إلى خسائر نتيجة زيادة الفائدة على قروض المستثمرين. وتعد أسهم شركات التكنولوجيا الأكثر تأثراً بارتفاع معدلات التضخم وارتفاع سعر الفائدة، لذا شهدت أسهم شركات مثل "ميتا" المالكة لموقع التواصل "فيسبوك" وشركة "نيفيديا" لصناعة الرقائق الإلكترونية هبوطاً بما يزيد على تسعة في المئة، بينما هبط سهم شركة "أمازون" بنسبة سبعة في المئة. ويرى كثير من المحللين أن حال الاضطراب في السوق ستستمر لفترة في ما تبقى من هذا العام، وسط المخاوف من تدهور النمو الاقتصادي نتيجة ارتفاع التضخم وأسعار الفائدة، بالتالي ستشهد الأسواق مزيداً من تحول الاستثمارات بعيداً من الأسهم والسندات إلى الملاذات الآمنة كالذهب.