يختتم تشارلز الثالث، الجمعة 16 سبتمبر (أيلول)، في ويلز جولته في أقاليم المملكة المتحدة التي باشرها منذ أصبح ملكاً، قبل ثلاثة أيام على الجنازة المهيبة التي ستقام لوالدته إليزابيث الثانية التي شكلت رمزاً للاستقرار والوحدة للبريطانيين على مدى أكثر من 70 عاماً، فيما وعد المسؤولون البريطانيون بإقامة "تكريم يليق" بالملكة الراحلة خلال مراسم الجنازة الأسبوع المقبل.
وتطوى الاثنين صفحة من التاريخ البريطاني أولاً في كاتدرائية ويستمنستر المهيبة ومن ثم خلال مراسم عائلية في كنيسة القديس جورج في وندسور حيث توارى الثرى.
وسيشكل ذلك ختام 12 يوماً تمكن خلالها البريطانيون الحزينون على رحيل ملكتهم التي كانت تتمتع بشعبية واسعة من وداعها حتى مثواها الأخير، وشهدت اعتلاء وريثها تشارلز العرش.
وبعد التزامات رسمية ومراسم تكريم متتالية منذ وفاة والدته في الثامن من سبتمبر في قصر بالمورال الملكي في اسكتلندا عن 96 عاماً، توجه تشارلز الثالث الخميس إلى دارته الريفية هايغروف. إلا أن أجهزته حرصت على التأكيد أنه لن يتوقف عن العمل.
والجمعة، يتوجه الملك إلى كارديف حيث سيشارك مع زوجته كاميلا في مراسم دينية ومن ثم في حفل استقبال مع السياسيين المحليين.
احتجاجات وتحديات أمام الملك
ويختتم تشارلز جولته هذه التي قادته إلى كل برلمانات الأقاليم المنضوية ضمن المملكة المتحدة، وهي إنجلترا واستكلندا وإيرلندا الشمالية وويلز، مع بروز احتجاجات في ويلز.
وكان تشارلز حمل لقب أمير ويلز منذ كان في سن التاسعة وحتى الأسبوع الماضي عند وفاة والدته، حين تولى العرش وعيّن ابنه وليام أميراً لويلز.
وجمعت عريضة احتجاجاً على نقل هذا اللقب إلى وريث العرش الجديد الأمير وليام بدلاً من شخص ويلزي، أكثر من 25 ألف توقيع. ومن المقرر تنظيم تظاهرة مناهضة للنظام الملكي أمام قصر كارديف.
والتحديات الماثلة أمام تشارلز الثالث كثيرة بدءاً بهذه الاحتجاجات ومروراً بطموحات اسكتلندا الاستقلالية والتوترات الطائفية في إيرلندا الشمالية فضلاً عن ميل بعض البلدان الـ14 التي لا يزال ملكاً عليها، لاعتماد نظام جمهوري.
واعتبرت أولى خطواته كملك صائبة باستثناء بعض حركات الانزعاج التي صدرت عنه وقوبلت بتعليقات مثيرة عبر الإنترنت.
لكن يبقى معرفة كيف سيتولى الملك الذي كان ملتزماً قضايا البيئة ولا يتوانى حتى عن نقل رأيه حول سلسلة من القضايا إلى الحكومة، مهام العرش خلفاً لوالدته التي أبدت انضباطاً ورباطة جأش على مر الأزمات والاضطرابات عبر التاريخ مع حياد لا يتزعزع وحس بالوجب متواصل حتى أيامها الأخيرة. لكنها كانت قادرة على طمأنة مواطنيها في الصعاب.
وعلى تشارلز البالغ 73 عاماً والذي غالباً ما يُعتبر ملكاً انتقالياً بانتظار أن يخلفه نجله وليام الواسع الشعبية، ويوصف على أنه يسعى إلى التحديث وتقليص نفقات العائلة الملكية، أن يدير خلافات عائلية أيضاً. فقد أُبعد شقيقه الأمير أندرو عن المهام الملكية وجرد من ألقابه العسكرية بسبب فضيحة جنسية. أما نجله هاري الذي بلغ الخميس الـ38، فقرر الانتقال للعيش في الولايات المتحدة مع زوجته ميغان ويستعد لإصدار مذكرات قد تحوي معلومات محرجة.
إلا أن العائلة الملكية تظهر راهناً بصفوف موحدة. فبعدما ساروا وراء نعش الملكة الأربعاء في شوارع وسط لندن، يجتمع أبناء الملكة الأربعة مجدداً للحداد على والدتهم مساء الجمعة. ويشارك تشارلز وآن وأندرو وإدوارد في ما يعرف بـ"سهرة الأمراء" حول نعش والدتهم المسجى منذ مساء الأربعاء في قصر ويستمنستر.
توحيد العالم
وستُكرم الملكة في جنازة رسمية صباح الإثنين، في كنيسة ويستمنستر. وهذه أول مراسم من نوعها تقام في المملكة المتحدة منذ نحو ستة عقود، ومن المتوقع أن يحضرها قادة وشخصيات من عائلات ملكية من أنحاء العالم.
وانتظر المواطنون، وبعضهم طوال الليل، في طوابير طويلة لإلقاء نظرة أخيرة على نعش الملكة التي أحبوها، وبلغ عددهم في اليوم الأول من تسجية النعش عشرات آلاف الأشخاص.
وقال منظم الجنازة إدوراد فيتزالان هاورد، ويحمل لقب ماريشال، في إيجاز صحافي، إن "الملكة كانت لها مكانة مميزة وخالدة في حياتنا جميعاً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف، "هدفنا وإيماننا أن... توحد الأيام المقبلة الناس في كافة أنحاء العالم، وأن يتردد صداها لدى الناس من جميع الأديان، مع تلبية رغبات الملكة وعائلتها في تكريم يليق بملكة استثنائية".
والماريشال البالغ 65 عاماً ويحمل أيضاً لقب دوق نورفولك، أمضى العقدين الماضيين في التحضير لمراسم جنازة الملكة، التي ستكون الأكبر من نوعها في بريطانيا منذ جنازة رئيس الوزراء الراحل وينستون تشرشل في 1965.
أضاف، "الاحترام والإعجاب والعاطفة التي كانت تحظى بها الملكة تشعرنا بالتواضع وتجعل مهمتنا مرهقة في الوقت نفسه، إنه شرف ومسؤولية كبيرة".
ويتوقع أن يحتشد أكثر من 2000 شخص في الكنيسة التاريخية بوسط لندن، من قادة دول أجانب وشخصيات عالمية وممثلين عن عائلات ملكية وأشخاص من العامة قلدتهم الملكة أوسمة على عملهم الإنساني، لحضور مراسم صلاة تقام الإثنين الساعة 10:00 بتوقيت غرينتش، وتكرس لحياتها وفترة عهدها القياسية.
وبعد الصلاة ينقل النعش في موكب جنائزي ملكي إلى قصر وندسور في غرب لندن قبل إقامة مراسم دفن مغلقة في كنيسة سانت جورج الساعة 15:00 بتوقيت غرينتش، لتدفن إلى جانب والدها الملك جورج السادس ووالدتها وزوجها فيليب.
وأكد الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو ونظيره الأسترالي أنتوني ألبانيزي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حضورهم مراسم الجنازة، إضافة إلى إمبراطور اليابان وشخصيات من عائلات ملكية.
وندّدت موسكو الخميس بسلوك "غير أخلاقي" و"تجديفي" للمملكة المتحدة تجاهها، وذلك بعدما قرّرت لندن عدم توجيه دعوة لروسيا لحضور جنازة الملكة إليزابيث الثانية، على خلفية التوترات الدبلوماسية القائمة بين البلدين. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، "نعتبر هذه المحاولة البريطانية لاستغلال المأساة الوطنية التي أصابت في الصميم ملايين الأشخاص في العالم لغايات جيوسياسية لتسوية حسابات" مع بلدنا سلوكاً "غير أخلاقي". وأضافت أنه سلوك "تجديفي حيال ذكرى إليزابيث الثانية".
وفي مؤشر يدل على نبذ الغرب لها، لم تُدعَ لا روسيا ولا حليفتها بيلاروس ولا ميانمار ولا كوريا الشمالية لحضور جنازة الملكة.
طوابير الانتظار
في تلك الأثناء تتواصل طوابير الانتظار أمام القاعة الكبيرة التي تضم نعش الملكة منذ بعد ظهر الأربعاء. وكان النعش قد نقل الأربعاء من قصر باكنغهام إلى ويستمنستر في موكب عبر شوارع وسط لندن.
غُطي النعش بالعلم الملكي (رويال ستاندرد) ووضع عليه التاج الملكي وصولجانها، وأشعلت الشموع على زوايا منصة النعش. ويسهر جنود يرتدون زياً رسمياً على حراسة النعش بشكل متواصل.
وأغمي على أحد الحراس ليلاً ما يظهر حجم العبء الذي يمكن أن تمثله مهمة الحراسة وقوفاً. وتناوب وزير الدفاع بين والاس، على حراسة النعش بصفته عضواً في فرقة الرماة الملكية.
ونشرت جميع الصحف البريطانية صوراً مؤثرة من الوقائع على صفحاتها الأولى. وكتبت صحيفة "ديلي تلغراف" على صفحتها الأولى "حان دور الأمة للوداع".
وفي مشاهد مؤثرة، وقف كثيرون وانحنوا أمام النعش أو قاموا بإيماءات احترام. ورسم آخرون إشارة الصليب أو نزعوا قبعاتهم.
وصلى البعض باتجاه النعش أو مسحوا دموعهم، وأحضر آخرون أطفالهم في عربات، ووقف جنود قدامى وأدوا تحية أخيرة لرئيسة أركانهم السابقة.
في الساعات الأولى من بعد ظهر الخميس، كان طابور الانتظار بطول 6.4 كيولومتر على امتداد الضفة الجنوبية لنهر تيمس. ويتوقع أن يستمر الانتظار لساعات عدة.
أعد المنظمون بنى تحتية لصفوف انتظار بطول 16 كيلومتراً، وسط توقعات أن يتوافد مئات الآلاف لإلقاء نظرة على نعش الملكة وخصوصاً في عطلة نهاية الأسبوع.
وكانت عازفة الموسيقى جاكي سميث بين الذين انتظروا ليلاً، وعبرت عن حزنها لكنها أبدت حماسة لعهد الملك الجديد، وقالت لوكالة الصحافة الفرنسية، "انتظر الأمر منذ مدة طويلة" مضيفة، "أحب الملكة لكني من محبي تشارلز الحقيقيين".
زيارات ملكية
ويواصل أفراد العائلة الملكية زياراتهم إلى مختلف أنحاء البلاد.
وتوجه الأمير وليام وزوجته كيت إلى ساندرينغهام، مقر الإقامة الشتوي للعائلة الملكية في شرق إنجلترا، لمعاينة باقات الزهور التي تركها الأهالي على بوابة نوريتش.
ومنحت الملكة تشارلز (73 عاماً) لقب أمير ويلز في 1958، وفي أول يوم له بصفته عاهلاً لبريطانيا، الجمعة، منح بدوره ابنه الأكبر هذا اللقب.
ويعطى اللقب التاريخي لولي عهد العرش منذ مطلع القرن الـ14. والزيارة إلى ساندريغهام الخميس، هي أول فعالية رسمية لأمير وأميرة ويلز.
كما توجه الأمير إدوارد، أصغر أبناء الملكة، وزوجته صوفي إلى مانشستر بشمال غربي إنجلترا، للاطلاع على سجل التعازي المفتوح في مكتبة المدينة.
وعاينا أيضاً باقات الزهور التكريمية في ساحة سانت آن، والتقيا أفراداً من العامة وأشعلا شمعة في ذكرى الملكة في كاتدرائية مانشستر.