أعادت كلمة لأمين عام "حزب الله" حسن نصر الله أمس السبت، الجدل بشأن مفاهيم شكلت دوماً نقاط خلاف سياسي واجتماعي، وقسمت اللبنانيين بين فريقين. فالفريق المناهض لـ"حزب الله" يتهمه بأنه "يشكل دولة داخل الدولة"، وأن "سيطرته" على مفاصل القرارات الأساسية والمصيرية هي المسؤولة عن الانهيار الكبير الذي وصل إليه لبنان اقتصادياً والعزلة العربية والدولية التي تكاد تخنق أي أمل بالخروج من الدوامة التي وقع أسيرها. يمكن اختصار الجدل الجديد بمقولة "لكم لبنانكم ولنا لبناننا".
ففي حين يعتبر "حزب الله" أن "خط الممانعة" والانضمام إلى محور طهران ودمشق، حفظ كرامة اللبنانيين، وشكل "توازن رعب" مع إسرائيل، يرفع الفريق المناهض للحزب، وهو يضم طيفاً واسعاً من كل الطوائف اللبنانية، شعار "ثقافة الحياة"، وما يعنيه هذا الشعار من نهضة فكرية ودور لبنان الحقيقي المنسجم مع محيطه العربي، وانفتاحه على العالم ككل. "إنها ثقافة الحياة" في مقابل ما يصفه معارضو "حزب الله" بـ"ثقافة الموت" التي يعتنقها هذا الحزب.
برز هذا الجدل بعدما حصلت بعض الأحداث التي شكلت "دفعة معنوية" للبنانيين من فوز فرقة "مياس" بجائزة اهم برنامج للمواهب في أميركا، وبعدما فاز منتخب لبنان لكرة السلة ببطولات على مستوى آسيا. وبعد خبر تعيين اللبناني وائل صوان مديراً تنفيذياً لـ"شل" شركة النفط العالمية. وفي كلمة نصر الله الأخيرة قال: "منذ مدّة، صدرت نغمة جديدة هي: هذا لبنانهم وهذا لبناننا. ونحن نقول للّذين ارتكبوا مجزرة صبرا وشاتيلا: هذا بعضٌ من لبنانكم، بعض ممّا اقترفته أيديكم، هذه صورتكم الحقيقيّة". بعض مفاصل تلك الكلمة كانت رداً غير مباشر على كلمة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع من دون أن يسميه، في ذكرى "شهداء المقاومة اللبنانية"، قارن فيها جعجع بين لبنان محور الممانعة بقيادة حزب الله ولبنان انتفاضة الاستقلال، محملاً حزب الله وحلفاءه مسؤولية ما وصل اليه البلد من انهيار على كل المستويات.
"نصر الله يجهل التاريخ"
أحدث كلام نصر الله موجة من الردود والمواقف المعترضة، واعتبر رئيس حركة التغيير المحامي إيلي محفوض أن نصر الله يجهل التاريخ ودعاه الى مراجعة الوقائع مؤكداً ان الإدانة واضحة للمرتكب الحقيقي. وأشار محفوض لـ"اندبندنت عربية": "ما أنزله الثنائي الشيعي بحق الفلسطينيين في المخيمات في ضاحية بيروت يفوق بكثير عدد الضحايا الذين سقطوا في مجزرة صبرا وشاتيلا، والتي لا أحد يريدها كما قال، مذكراً بمرحلة سابقة عندما ساءت العلاقة بين الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس النظام السوري آنذاك حافظ الأسد، كيف شن النظام السوري حرباً عُرفت بحرب المخيمات على الفلسطينيين حيث قام بواسطة مسلحي "حركة أمل" بفرض حصار على مخيم برج البراجنة في بيروت استمر منذ العام 1985 حتى العام 1988، وقد سقط لفلسطينيين في هذه الحرب ما لا يقل عن 2000 قتيل وستة آلاف جريح. وتساءل محفوض: "لماذا لم يسأل نصر الله إيلي حبيقة ( أحد المتهمين بالمشاركة بالمجزرة، قبل أن يصبح حليفاً للنظام السوري) طوال السنوات التي جلسوا فيها معاً على طاولة مجلس الوزراء، من نفذ مجزرة صبرا وشاتيلا؟ معتبراً أن حبيقة دفع حياته ثمن الإفادة التي كان يستعد للإدلاء بها في محكمة دولية بشأن ما حصل في مخيم صبرا وشاتيلا في سبتمبر 1982.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لم نقتل دجاجة
في إطلالته قال نصرالله: "ثقافة الموت هم الذين ارتكبوا مجازر صبرا وشاتيلا، وثقافة الحياة هم الذين حرروا الجنوب ودخلوا إلى الشريط الحدودي ولم يقتلوا دجاجة". وعلى هذا الكلام علق فحفوض "حسناً قلت يا سيد حسن فأنتم لم تقتلوا دجاجاً فاختصاصكم ليس أقل من 7 أيار (احتلال "حزب الله" لأحياء كثيرة في بيروت وقتل مدنيين وتدمير مؤسسات تابعة لأحزاب تعارضه)"، واعتبر محفوض أن ثقافة الموت هي لمن يقتل رئيس الحكومة رفيق الحريري ويمشي بجنازته. هذا واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات على كلام نصر الله وعدم قتله دجاجة طوال مسيرة حزبه، فعرض كثيرون لارتكابات اعتبروا أن حزب الله قام بها في لبنان، ومن بينها تفجير السفارة الأميركية في بيروت عام1983 ومقتل 63 شخصاً، تفجير مقر تابع للمارينز في العام نفسه ومقتل 242 جندياً أميركياً وتفجير موقع "دراكار" الفرنسي في بيروت ومقتل 58 فرنسياً، اختطاف وليام باكلي عام 1984 واحتجازه لمدة 15 شهراً قبل وفاته تحت تأثير التعذيب، اغتيال العقيد في الجيش اللبناني سليمان مظلوم علي طريق ابلح رياق عام 1985، واغتيال سهيل طويلة عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني ورئيس تحرير مجلة الطريق عام 1986، اغتيال العقيد في الجيش اللبناني ميشال زيادة في منزله في رياق عام 1986، وقوع اكثر من 500 قتيل في معارك حصلت بين "حركة أمل" و"حزب الله" عام 1987 ، اغتيال المسؤول الطلابي هاشم سلمان عام 2013 وغيرها من الأحداث التي ربط البعض بينها وبين "حزب الله".
العنب
كذلك لاحظ متابعون لكلمة نصرالله أنه حاول أن يُغلّب في بعض الجوانب لغة التهدئة عندما قال: "نحن نريد أن نأكل عنباً ولا نركض نحو المشكل"، ولكن معارضو "حزب الله" ولدحض موقف نصرالله نشروا على نطاق واسع تصريحاً في اليوم ذاته لوزير الدّاخليّة والبلديّات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، أعلن فيه أن "كميّةً كبيرةً من حبوب الكبتاغون تفوق المليون حبّة، ضبطتها الأجهزة الأمنية اللبنانية في مرفأ بيروت، كانت مخبّأة داخل شحنة من العنب، وجهتها الأولى جمهوريّة السودان، ومن ثمّ دولة الكويت"!
لا تشبهوننا ولا نشبهكم
وفي معرض الدفاع عن حزبه انتقد نصر الله ما وصفه لغة "يشبهوننا ولا يشبهوننا" التي قال إنه بدأ يسمعها منذ سنة وسنتين وثلاثة، وحسم المسألة معترفا بها وقال: "لا تشبهوننا ولا نشبهكم والحمد لله رب العالمين". ووافقه المحامي إيلي محفوض قائلاً " نصر الله محق في هذا القول فهو لا يشبهنا لأنه إيراني، هو فيلق إيران والحشد الشعبي والحرس الثوري، اما نحن فلبنانيين". واعتبر محفوض أن لبنان "حزب الله" هو لبنان مجسمات وتماثيل وصور إيرانية، فيما "اللبنان الآخر" هو اللبناني بأرزه وعلمه ودستوره، وقال" لبناننا طبعاً لن يُشبهكم ولا يشبه إمارتكم التي أنشأتموها بعدما دمرتم الجمهورية اللبنانية". من جهتها ردت الوزيرة السابقة مي شدياق بعنف على كلام نصر الله، وهي التي تعرضت لمحاولة اغتيال في زمن الاغتيالات التي طالت شخصيات "قوى 14 آذار"، شدياق على صفحتها على "تويتر" كتبت: "صاحب ثقافة الموت وقتل الناس في فراشهم واغتيال الرئيس الحريري وشهداء 14 آذار وغزوة بيروت، يحاول قلب المعادلة مستغلاً مجزرة صبرا وشاتيلا، ونسي أنهم تحالفوا مع المتهم (إيلي حبيقة) لانه من نفس الخط الوطني".