من المرجح أن يستأنف البنك المركزي المصري دورة التشديد النقدي في اجتماع لجنة السياسة النقدية المقرر عقده الخميس المقبل، في محاولة لكبح التضخم ودعم العملة المحلية. وتوقع ستة من سبعة محللين وخبراء اقتصاديين شملهم استطلاع "إنتربرايز" الدوري أن ترفع لجنة السياسة النقدية أسعار الفائدة للمرة الثالثة هذا العام، لترتد كلفة الاقتراض إلى معدلاتها ما قبل جائحة "كوفيد-19".
بيانات البنك المركزي المصري تشير إلى أن سعر الفائدة على الإيداع والإقراض لليلة واحدة يبلغ في الوقت الحالي مستوى 11.25 في المئة، و12.25 في المئة، على الترتيب، في حين يبلغ سعر العملية الرئيسة وسعر الخصم 11.75 في المئة. ورفع البنك المركزي أسعار الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس منذ مارس (آذار) الماضي سعياً للسيطرة على التضخم وجذب المستثمرين الأجانب إلى سوق الدين المحلية، إلا أنه قرر الإبقاء عليها من دون تغيير في الاجتماعين الأخيرين للجنة السياسة النقدية في يونيو (حزيران) وأغسطس (آب).
وبخلاف ما تسببت فيه الحرب الروسية في أوكرانيا من أزمات سواء في ما يتعلق بأسعار الغذاء أو الطاقة، فإن المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل جديد أضافت مزيداً من الضعف للعملة المصرية مقابل الدولار، إذ يشترط الصندوق استمرار الحكومة المصرية في تعويم الجنيه مقابل الدولار للوصول إلى سعر عادل للعملة المصرية مقابل نظيرتها الأميركية. ويتسبب ذلك الارتفاع في الدولار في مزيد من الألم لجميع الأسر المصرية.
كيف يؤثر ضعف الجنيه في قرارات المركزي؟
لكن ضعف الجنيه مقابل الدولار وتفاقم التضخم من المتوقع أن يجبرا البنك المركزي المصري على رفع الفائدة. وبالنظر إلى أن "الفيدرالي الأميركي" يخطط أيضاً لرفع الفائدة بمعدل أكبر في سبتمبر (أيلول) الحالي فلن يكون أمام "المركزي المصري" خيار سوى رفع الفائدة لمواجهة كل من التضخم والأخطار الخارجية المتفاقمة، وفق ما ذكرته الخبيرة الاقتصادية مني بدير لنشرة "إنتربرايز". وتتوقع بدير "زيادة بمعدل 100 نقطة أساس في الاجتماع المقبل، ولكن لن نتفاجأ إذا رفعها أكثر من ذلك".
في الوقت نفسه فقد ارتفع معدل التضخم السنوي في المدن المصرية إلى 14.6 في المئة خلال شهر أغسطس الماضي عند أعلى مستوى في نحو أربع سنوات، مقابل 13.6 في المئة خلال شهر يوليو (تموز) الماضي، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى أساس شهري ارتفع معدل التضخم في أغسطس بنسبة 0.9 في المئة مقارنة مع 1.3 في المئة في يوليو الماضي. وهذا الارتفاع الجديد في التضخم السنوي الذي وصل إلى أعلى مستوى منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 جاء مدفوعاً بشكل أساسي بسبب ارتفاع أسعار الخضراوات والحبوب والخبز والدخان والنقل، على رغم الانخفاض في الفاكهة واللحوم والدواجن.
وتشهد مصر موجة تضخمية خلال الأشهر الأخيرة تعكس الزيادة في أسعار الأغذية والمواد البترولية، على خلفية تراجع سعر الجنيه وارتفاع كلفة الاستيراد، بعد الأزمة الأوكرانية وقفزة النفط. وكانت الحكومة المصرية رفعت سعر السولار في يوليو الماضي لأول مرة منذ 2019 بنحو 50 قرشاً، ليصل إلى 7.25 جنيه لليتر، كما رفعت أسعار البنزين للمرة السادسة على التوالي، وهو ما كان له تأثير أيضاً في أسعار النقل بخاصة نقل البضائع والأغذية.
ويستهدف البنك المركزي المصري معدلاً يتراوح بين خمس وتسع نقاط مئوية، لكنه قال الشهر الماضي إنه يتوقع ارتفاعاً موقتاً عن المعدل الذي يستهدفه خلال الأشهر المقبلة، على أن تعاود معدلات التضخم الانخفاض تدريجاً في ما بعد.
خطوة استباقية لوقف جنوح التضخم
يرى رئيس قطاع البحوث بشركة برايم لتداول الأوراق المالية عمرو الألفي أن البنك المركزي المصري ربما يستأنف تشديد السياسة النقدية في اجتماع الخميس المقبل، في خطوة استباقية لكبح جماح التضخم الآخذ في الزيادة، والذي تشير التوقعات إلى استمرار مساره الصعودي خلال الفترة المقبلة، في ضوء اتجاه "المركزي" إلى السماح للجنيه بمواصلة التراجع تدريجاً أمام الدولار، وهو ما سيؤدي إلى زيادة الضغوط التضخمية لا سيما التضخم المستورد، إلى جانب التوقعات بمواصلة "الفيدرالي الأميركي" رفع الفائدة بما يصل إلى 75 نقطة أساس هذا الشهر.
فيما يرى المدير المساعد لدى "أرقام كابيتال" نعمان خالد أن تثبيت الفائدة في الاجتماعين السابقين كان الهدف منه تحجيم استخدام الأداة النقدية، أو بمعنى آخر "عدم حرق هذا الكارت" حتى يأتي الوقت المناسب لاستخدامه. وأوضح أنه لم يكن هناك داع لرفع الفائدة إلى أن تكون لدى "المركزي" رؤية واضحة في شأن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وشروطه المتعلقة بتحرير سعر الصرف وخلافه.
وأكد أن عدم ضبط توقيت استخدام تلك الأداة مع تحريك سعر الصرف وتوافر سيولة دولارية من دول الخليج وصندوق النقد يجعلها مكلفة للغاية وغير مجدية. ويرى أنه "في ضوء ما نشهده من تحريك تدرجي في سعر الصرف والتصريحات الرسمية في شأن قرب إبرام الاتفاق مع الصندوق، وهو ما سيصاحبه زيادة في الضغوط التضخمية جراء تحرير سعر الصرف بوتيرة أكبر، نتوقع أن يرفع (المركزي) أسعار الفائدة بواقع 100-200 نقطة هذا الأسبوع، من إجمالي 300 نقطة متوقعة قبل نهاية العام، مع توقعنا أن يصل التضخم إلى 17-18 في المئة بحلول نهاية 2022".
سيناريو الرفع المحدود للفائدة
وقال الألفي إن سيناريو الرفع المحدود ربما يكون الأكثر ترجيحاً. وأوضح أن تخفيض الجنيه بشكل تدرجي وليس بنسبة كبيرة على غرار ما حدث في مارس الماضي هو ما يعزز التوقعات بأن "المركزي" سيقدم على زيادة محدودة للفائدة بواقع 100 نقطة أساس بدلاً من رفعها بشكل عنيف.
وأضاف "الوضع لا يستدعي تشديداً عنيفاً للسياسة النقدية، نظراً إلى لتأثير السلبي لذلك في كلفة خدمة الدين والاستثمار بصفة عامة". يرجح الألفي رفعاً بمقدار 200 نقطة أساس حتى نهاية العام، منها 100 نقطة نهاية الأسبوع الحالي، و100 نقطة أخرى في نوفمبر المقبل.
فيما يتوقع اقتصادي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "كابيتال إيكونوميكس" جيمس سوانستون أن يستأنف "المركزي" دورة التشديد النقدي هذا الأسبوع برفع الفائدة بواقع 50 نقطة أساس. وترجح المؤسسة البحثية التي تتخذ من لندن مقراً لها زيادة أخرى في الفائدة بمعدل 100 نقطة قبل نهاية العام، بحسب ما ذكر سوانستون في مذكرة بحثية تلقت "إنتربرايز" نسخة منها.
توقعات بزيادة كبيرة في أسعار الفائدة
لكن في المقابل يتوقع بعض الخبراء زيادة كبيرة بأسعار الفائدة خلال الاجتماع المقبل. ورجح الخبير الاقتصادي والمدرس المساعد لعلوم إدارة الأعمال بالجامعة الأميركية بالقاهرة هاني جنينة رفع الفائدة بنسبة اثنين في المئة في الأقل خلال اجتماع الخميس المقبل، مع إعادة طرح شهادات ذات العائد 18 في المئة لكبح التضخم الأساسي الذي من المتوقع أن يقفز إلى مستوى 20 في المئة قرب نهاية العام، ومنع الدولرة التي تصاحب تحرير سعر الصرف.
ورجح الخبير المصرفي هاني أبو الفتوح رفع الفائدة بواقع 100 إلى 150 نقطة أساس هذا الأسبوع، رغبة من "المركزي" في تحجيم ظاهرة الدولرة التي عادت للظهور بعد انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار، كما توقع أن تقوم البنوك بتقديم شهادات تمنح عائداً مرتفعاً يغري حائزي الدولار للتخلي عنه، وتحفز المصريين العاملين في الخارج على تحويل مدخراتهم إلى الجنيه المصري.
أما المحللة الاقتصادية لدى بنك الاستثمار الأهلي فاروس إسراء أحمد فترى أنه "على رغم أن سعر الفائدة الحقيقي لا يزال سالباً وبمعدل مرتفع فإننا نرى أن الأفضل هو تثبيت أسعار الفائدة خلال الفترة الحالية".
وذكرت أنه من المرجح ألا تشهد معدلات التضخم ارتفاعاً كبيراً خلال الفترة المقبلة، لا سيما أن معظم الصدمة التي سببتها المعطيات الخارجية قد جرى امتصاصها بالفعل، إضافة إلى أن أثر الأساس قد يكون عاملاً مواتياً مطلع 2023. والأهم أن المتغيرات الخارجية في ما يخص أسعار النفط وكذلك مؤشر أسعار الغذاء قد تشير إلى أن الأسوأ في ما يخص استيراد التضخم قد مضى، بما قد يكون مؤشراً إيجابياً لنمط التضخم خلال الفترة المقبلة.