مع منتصف الليلة الفاصلة بين السبت، الـ 17 من سبتمبر (أيلول)، والأحد الـ 18 من سبتمبر 2022، دخلت التسعيرة الجديدة للوقود في تونس حيز التطبيق، وهي الزيادة الرابعة من نوعها منذ بداية العام الحالي.
ولئن كانت هذه الزيادة منتظرة وتعود عليها التونسيون غبر أنها جاءت بعد 48 ساعة من إعلان اتفاق الزيادة في أجور ورواتب موظفي القطاع العام بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل لسنوات 2022 و2023 و2024.
وعلق عدد من التونسيين على مختلف شبكات التواصل الاجتماعي بالسخرية والتهكم من أن هذه الزيادة الرابعة في أسعار المواد البترولية تزامنت تقريباً مع إعلان الزيادة في الأجور، مما يعني أنهم لم يفرحوا ولم يهنأوا بتعديل الرواتب، إذ سرعان ما شفطت الحكومة هذه الزيادة بإجراء تحريك في أسعار المحروقات.
وأعلنت وزارتا "الصناعة والمناجم والطاقة" و"التجارة وتنمية الصادرات" مساء أمس السبت في بيان رسمي، رفع أسعار بعض المواد البترولية وقوارير الغاز المنزلي بداية من اليوم الأحد الـ 18 من سبتمبر على الساعة صفر.
وأرجعت ووأرجعت رجعت الوزارتان قرار التعديل في الأسعار إلى تواصل ارتفاع أسعار المحروقات في السوق العالمية نتيجة الأزمة الروسية - الأوكرانية، وما تشهده أسواق الطاقة من اضطرابات تتعلق بتقلص الإمدادات وارتفاع كلفة المواد البترولية، وسعياً إلى تغطية مختلف حاجات السوق المحلية من هذه المواد بصفة منتظمة.
ووفق البيان فقد أصبحت أسعار البنزين الرفيع الخالي من الرصاص 2400 مليم (774 سنتاً) للتر الواحد أي بزيادة 70 مليماً، والغازوال من دون كبريت 2080 مليماً (670 سنتاً) للتر الواحد، أي بزيادة 70 مليماً، أما الغازوال العادي 1860 مليماً (600 سنت) للتر الواحد، أي بزيادة 70 مليماً.
كما تم أيضاً للمرة الأولى زيادة أسعار قوارير غاز البترول المنزلي ليصبح ثمنها 8800 مليم (2.8 دولار) للقارورة بسعة 13 كيلوغراماً مقابل 7400 مليم (2.3 دولار) في السابق.
وأكدت الوزارتان أن هذه المادة لم تسجل أي تعديل في الأسعار منذ سنة 2010 وأن سعرها الحقيقي من دون الدعم يصل إلى 28 ديناراً (9 دولارات).
من جهة أخرى وبالنسبة إلى الأصناف الرفيعة من المحروقات التي لا يتجاوز استهلاكها نسبة واحد في المئة من الاستهلاك الإجمالي للمحروقات على غرار البنزين الخالي من الرصاص الممتاز"، والغازوال من دون كبريت "الممتاز"، فتم إقرار تعديل أسعارهما في حدود خمسة في المئة، ولم يكشف البيان الحكومي عن أسعار هذه المنتجات.
كما ببرت وزارتا الصناعة والتجارة الزيادة الرابعة لأسعار المحروقات بأن معدل السعر بالنسبة إلى "خام برنت" ارتفع منذ بداية السنة إلى اليوم لمستوى 107 دولارات للبرميل، مشيرتان إلى أن كل زيادة بدولار واحد في البرميل تترتب عليها حاجات تمويل إضافية لمنظومة المحروقات والكهرباء والغاز بنحو 140 مليون دينار (45 مليون دولار) في السنة.
زيادة لا غنى عنها
وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم نائلة القنجي قالت منذ مطلع أغسطس (آب) الماضي إن "الظرف الطاقي الراهن في تونس يقتضي إجراء تعديل طفيف على أسعار المحروقات"، مؤكدة أن الحل على المدى القصير جداً يستوجب القيام بتعديل في أسعار المحروقات، وبالتوازي مع اتخاذ إجراءات مرافقة لفائدة الفئات محدودة الدخل، مشددة في الوقت ذاته على عدم رفع الدعم عن المحروقات.
التعديل الرابع
ومنذ بداية العام الحالي رفعت تونس أسعار المحروقات خلال أربع مناسبات، كانت الأولى في الأول من فبراير (شباط) والثانية في الأول من مارس (آذار)، أما الثالثة فكانت في الـ 14 من أبريل (نيسان)، إضافة إلى التعديل الجديد، وفي كل مرة تتم الزيادة ما بين 50 و100 مليم (16 و35 سنتاً).
ومع كل زيادة في أسعار المحروقات تؤكد وزارة الصناعة والتجارة عبر بياناتها الرسمية أنه "في ظل تواصل الأزمة العالمية الحالية وما تشهده أسواق الطاقة من اضطرابات وأخطار تتعلق بتقلص الإمدادات وارتفاع كلفة المواد البترولية، وسعياً إلى تأمين تزويد السوق المحلية بصفة منتظمة، تقرر تعديل أسعار بعض المواد البترولية".
زيادة لها تبعات
وعلى رغم تبريرات الحكومة فإن كل تحريك في أسعار المواد البترولية يتبعه رفض شعبي واسع من المواطنين، خصوصاً أصحاب السيارات والشاحنات التجارية وأصحاب المصانع الذين يرون في التعديل تأثيرات في قدرتهم الشرائية، لما سيتبعها من ترفيعات في أسعار العديد من المنتجات المرتبطة بالمحروقات، فضلاً عن إمكان إسهام هذه الزيادة في الترفيع المتواصل لنسب التضخم التي بلغت مستويات قياسية لتصل إلى 8.6 في المئة خلال أغسطس الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتذمر المستثمرون والصناعيون من تحريك أسعار المحروقات الذي سيؤثر في قدرتهم التنافسية ويضعفها في الأسواق الخارجية والتصدير، إذ تمر تونس بظرف اقتصادي ومالي صعب عمقته أزمة كورونا وأكملته تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية التي أربكت مجمل التوازنات المالية للبلاد، فسجلت صعوبات جدية في التزود بالمواد الغذائية والطاقية.
اختلال ميزان الطاقة
وأقرت وزيرة الصناعة في تصريحها بأن "الوضع الطاقي في تونس أضحى مختلاً بسبب ما وصفته بالارتفاع الصاروخي لأسعار النفط في الأسواق العالمية"، مبينة أن من بين فرضيات بناء الموازنة لهذه السنة اعتماد سعر برميل النفط "برنت" بـ 75 دولاراً، لكنها استدركت أنه "بسبب التطورات العالمية الحاصلة بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية بلغ معدل سعر برميل برنت 107 دولارات".
تعديل آلي للأسعار
وتحدثت الوزيرة عن إقرار برنامج للتعديل الآلي لأسعار المحروقات شهرياً وفق ما تضمنه قانون المالية لهذا العام، مشيرة إلى أن هذا التعديل كان من المفروض أن يوفر 32 في المئة من حاجات الدعم، لكن بسبب ارتفاع أسعار النفط فإن التعديل الآلي لن يمكن من توفير سوى 16 في المئة.
واعتبرت أن "المعطى الطاقي الراهن أصبح مقلقاً ولا سيما على مستوى التوازنات المالية للبلاد، من منطلق أن الهدف المرسوم منذ بداية العام هو إنجاز الاستثمارات العمومية في مجال النقل العمومي لغرض التقليص من الانبعاثات الغازية"، مشيرة إلى "وجود استراتيجية كاملة من الحكومة لدعم النقل العمومي المشترك والاشتغال أيضاً على النقل الكهربائي.
رفع تدريجي للدعم
وتعليقاً على الزيادة الجديدة في أسعار المواد البترولية قال رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك (مستقلة) لطفي الرياحي إن هذه الزيادة الجديدة ستكون لها تداعيات كبيرة على نسق الأسعار في البلاد.
وأضاف الرياحي لـ "اندبندنت عربية" أن مستوى التضخم سيزيد في الارتفاع خلال الأشهر المقبلة جراء هذا التحريك الجديد لأسعار المحروقات، نظراً إلى ارتباط عدد من المنتجات ونسق الإنتاج في البلاد بالمواد البترولية.
كما أكد أن الزيادة الجديدة في المواد البترولية تترجم جلياً مضي الحكومة في تنفيذ مخططها بالرفع التدريجي للدعم عن المحروقات والكهرباء، وإقرار زيادات متتالية إلى حين بلوغ الأسعار العالمية أفق سنة 2024 وفق التزامها مع صندوق النقد الدولي.
لم ندخل بعد في رفع الدعم
من جهته، قال أستاذ الاقتصاد والتصرف بالمعهد الأعلى للتصرف بالجامعة التونسية عبدالرحمن اللاحقة إن هذه الزيادة الرابعة في أسعار المحروقات لم تكن مفاجأة بل منتظرة، بالنظر إلى تطور الأسعار العالمية وتأثيرها في التوازنات المالية لموازنة الدعم.
وفسر اللاحقة في تصريح إلى "اندبندنت عربية" أن الحكومة ارتكزت على معدل سعر برميل النفط لكامل عام 2022 بـ 75 دولاراً للبرميل، غير أن معدل الأسعار منذ بداية العام إلى الآن بلغ 95 دولاراً.
ولتدارك الفارق بنحو 20 دولاراً سارعت الحكومة إلى إجراء التعديل الرابع في المحروقات، نافياً أن يكون هذا التحريك له علاقة بسياسة الحكومة في رفع الدعم عن المواد البترولية وأنه مجرد تعديل فقط.
كما لاحظ أن الحكومة ولاعتبارات سياسية لها صلة بإنجاز الاستفتاء حول الدستور الجديد (يوليو (تموز) 2022)، أرجأت إقرار الزيادات لتعود في سبتمبر، مرجحاً أن تتواصل الزيادات إلى نهاية العام الحالي.
وشدد اللاحقة على أن حكومة نجلاء بودن تجرأت وقامت بالترفيع في أسعار قوارير الغاز المنزلي بنحو 29 في المئة للمرة الأولى منذ أكثر من عقد، وهو ما لم تقم به الحكومات السابقة.
وفي المقابل حذر أستاذ الاقتصاد والتصرف من أنه في حال تواصل هذا النسق من الزيادات فإن الأمور ستكون خطرة ولها تداعيات كبيرة على التضخم، خصوصاً مزيد اهتراء المقدرة الشرائية للتونسيين.