يتواصل مسلسل اقتحام المصارف اللبنانية بقوة السلاح في الأيام الأخيرة بوتيرة متسارعة، إذ إن 10 مصارف تعرضت لعمليات مداهمة من قبل مودعين لاسترجاع مدخراتهم من الأموال المجمدة المحتجزة لديها منذ عام 2019 من دون الاستناد إلى نص قانوني يعطيها الحق في ذلك.
وعلى خلفية تلك العمليات اتخذت السلطات اللبنانية قراراً بإغلاق المصارف الأسبوع المقبل لمدة ثلاثة أيام مع اتخاذ إجراءات صارمة بعد إعادة فتحها، فيما دعا وزير الداخلية بسام المولوي إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن المركزي لمناقشة آخر المستجدات واتخاذ التدابير اللازمة.
وبحسب الأجهزة الأمنية فإن تلك العمليات التي حصلت دفعة واحدة توحي بأنها كانت مدبرة بشكل متقن وليست على سبيل المصادفة، بينما ينقسم الرأي العام بين مؤيد لها ومتفهم لدوافع المودعين ومعارض يتخوف من تكرار هذه الظاهرة وتداعياتها على الوضع الأمني في ظل ظروف اقتصادية صعبة.
ومما يبدو واضحاً أن الفاصل بين عمليات المداهمة بدأ يتقلص إذ إن العملية الأولى بدأت مع حسن مغنية في شهر أبريل (نيسان) 2020 ثم تبعتها العملية الثانية مع عبدالله الساعي في شهر يناير (كانون الثاني) 2022 والثالثة بعد ثمانية أشهر مع بسام الشيخ حسين في أغسطس (آب) 2022 الذي أكد أنه مستعد الآن للقيام بعملية اقتحام ثانية لاسترداد المبلغ المتبقي من وديعته ما دام يجد نفسه أمام طريق مسدود وأنه لا يندم إلا على أنه سلم نفسه وصدق ما قيل له إنه سيحصل على المبلغ المتبقي لاحقاً، علماً أنه تمكن حينها من أخذ مبلغ 35 ألف دولار أميركي من وديعته التي تصل إلى 220 ألف دولار.
بعد عملية الاقتحام المنسوبة للشيخ حسين، بدأت الأمور تتسارع إذ فصل بين العمليتين الرابعة والخامسة شهر واحد إلى أن زادت الوتيرة أكثر ونفذت عمليات عدة في يوم واحد، مما ينذر بأن الأمور تتجه نحو التصعيد بغياب الحلول واستمرار سياسة اغتصاب حقوق المودعين.
نوع آخر
في الأسبوع الماضي، بدأت سلسلة عمليات الاقتحام بعملية لافتة فكانت المرة الأولى التي تقدم فيها فتاة على خطوة مماثلة، إذ داهمت سالي حافظ فرع أحد المصارف لاستعادة أموالها حتى تسدد كلف علاج شقيقتها نانسي المصابة بسرطان الدماغ واستخدمت في ذلك مسدساً لعبة هددت به الموظفين والزبائن واحتجزتهم رهائن ثم رشت مادة البنزين وهددت بإحراق نفسها إلى أن سلمها مدير الفرع مبلغ 13 ألف دولار.
تعبر والدة سالي عن فخرها واعتزازها بما قامت به ابنتها لاستعادة أموالها ومساعدة شقيقتها المريضة، مؤكدة أنها لم تكن على علم بإقدامها على هذا العمل وفوجئت به تماماً وتقول "ابنتي نانسي مصابة بسرطان الدماغ منذ نحو سنة وهي تعاني في ظل أزمة الدواء والمستشفيات التي بلغت كلفها 50 ألف دولار. هي اليوم لا تتكلم إلا بشكل محدود وفقدت القدرة على المشي وتحتاج إلى السفر لتركيا لمتابعة علاج أكثر فاعلية بعد خضوعها لجراحة استئصال جزئي للورم. وصلنا إلى مرحلة بعنا فيها أثاث المنزل ولم نعد نملك شيئاً حتى نبيعه لتسديد كلف علاجها، علماً أن كلفة الحقن وحدها 2000 دولار وتتكرر كل 20 يوماً".
وأضافت "ابنتي لم تعد قادرة على تحمل المزيد وهي ترى شقيقتها تنطفئ أمام عينيها بينما تعجز عن مساعدتها" وتشير إلى أن مدير المصرف هو من يجب أن يكون في السجن ويحاسب لا ابنتها بعدما سرق ودائع الناس. أما البيان الصادر عن المصرف الذي أكد فيه أنه كان وعد سالي بالنظر في قضيتها ومساعدتها فهو كاذب، على حد قولها مشددة أن لا أحد يعرف عن سالي شيئاً حالياً، لكنها لا تزال في البلاد ولم تسافر كما قيل، بل توارت عن الأنظار بعدما سلمت عائلتها المبلغ الذي حصلت عليه وعادت وعرضت تسليم نفسها لقاء إطلاق سراح عبدالرحمن زكريا ومحمد رستم وإعطاء عائلتها الـ6 آلاف دولار المتبقية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت سالي أكدت في فيديو نشرته على "فيسبوك" من داخل المصرف أنها أتت لتأخذ وديعة شقيقتها التي تصارع الموت وهي لم تدخل من أجل القتل أو إشعال النار إنما فقط لتأخذ حقها.
كثيرون عبروا عن تعاطفهم مع قضية سالي، على الرغم من لجوئها إلى هذا الأسلوب غير القانوني فمنهم من وصفها بالبطلة ومنهم من اعتبر أن ما قامت به مبرر، خصوصاً أن شقيقتها مريضة، فيما أظهر آخرون تخوفاً من الفوضى والتفلت الأمني في حال استمرار الوضع على حاله وتكرار مثل هذه العمليات.
لم تكن سالي الوحيدة التي اقتحمت مصرفاً يومها، إذ تكرر ذلك في أحد المصارف بجبل لبنان من قبل الشاب رامي شرف الدين الذي يملك وديعة رفض المصرف تسليمه جزءاً منها، مما دفعه إلى إحضار سلاح صيد تبين لاحقاً أنه فارغ، وبعدما سمح للعملاء بمغادرة المكان هدد الموظفين مطالباً بأخذ وديعته إلى أن حصل على مبلغ 30 ألف دولار، ثم سلم نفسه إلى القوى الأمنية.
تكرار العمليات
سرعان ما صرحت جمعية المودعين بعدها على لسان رئيسها غسان مغنية بأن هذه ليست إلا البداية وأن هذا المشهد سيتكرر يومياً إذا ما بقي الوضع على حاله وأن إقفال المصارف لن يفيد لأن عشرات العمليات ستحصل ما إن تفتح المصارف أبوابها مجدداً، وبالفعل لم يمض يومان إلا وبدأت "انتفاضة المودعين" بسلسة اقتحامات شهدتها ثمانية مصارف في مختلف المناطق اللبنانية في يوم واحد، نفذها مودعون للمطالبة بودائعهم ومن هذه العمليات ما جرى من دون أن تتطور الأمور أو يحصل إطلاق نار أو حريق ومنها ما حصل فيها إطلاق للنار من دون وقوع إصابات وأخرى انتهت بأن سلم الشخص المسلح نفسه، كما أن بعضاً ممن اقتحموا المصارف نجحوا في تحقيق الهدف واستعادة جزء من ودائعهم، فيما فشل آخرون.
وكان المودع عبد سوبرة اقتحم أحد المصارف في طريق الجديدة ببيروت واحتجز رهائن مطالباً بوديعته، كما اقتحم المودع جواد سليم فرع أحد المصارف في العاصمة وهو يحمل سلاحاً واحتجز الموظفين وناصرته مجموعة من الشباب إلى أن تمكنت القوى الأمنية من إخراجه من الفرع.
وفي الضاحية الجنوبية استطاع المودع محمد إسماعيل الموسوي الحصول على 20 ألف دولار في أحد فروع المصارف مستخدماً سلاحاً بلاستيكياً قبل أن يسلم نفسه.
بحسب ما يؤكده مغنية في حديثه إلى "اندبندنت عربية" فإن ما يحصل لا يتمناه أحد أو يشجع عليه وليس هذا الحل، قائلاً "قبل أن نكون مودعين نحن مواطنون يتمنون العيش بأمان في البلاد وأن يعم السلام فيها، لكن ما يحصل هو نتيجة لقيام المصارف بأكبر عملية نهب علنية في التاريخ. فهم سرقوا جنى عمر المواطنين". وكان مغنية أول من افتتح سلسلة عمليات الاقتحام عندما كانت والدته مريضة وكان يريد مبلغاً من المال من وديعته حتى يسدد كلف علاجها، مما دفعه إلى اقتحام أحد المصارف.
على الرغم من المساعي لطرح حلول للتعاطي بشكل مقبول مع المودعين والنظر في الأقل في القضايا الإنسانية والمرض لتسهيل عملية الحصول على المال لم يحصل أي تجاوب، بحسب مغنية الذي اعتبر أن المشكلة سياسية إقليمية ولو كانت الحلول التقنية متاحة ولا بد من حصول تسوية إقليمية حتى تتمكن البلاد من الخروج من الوضع المتأزم الذي هي فيه. أما موقتاً، فربما يكون الحل في إنشاء خلية أزمة تجنباً للوصول إلى الدم والقتل. لكن بغياب الحل، ما البديل الذي يمكن تقديمه للناس، خصوصاً أنه بالقانون لم يتمكن أحد من تحصيل أمواله؟