قد لا يكون مستغرباً الانسجام في المواقف حول الاتفاق النووي، بين الجناح المتشدد في التيار المحافظ الإيراني والحكومة الإسرائيلية، بدعوة النظام من الجهة الإيرانية لتأجيل التوقيع على الاتفاق لما بعد الانتخابات النصفية الأميركية، وطلب الحكومة الإسرائيلية، والضغط الذي تمارسه على الإدارة الأميركية وعواصم الترويكا الأوروبية لعدم التوقيع على الاتفاق أو على الأقل تأخير التوقيع أيضاً لما بعد هذه الانتخابات، وانتظار ما قد يتكشف من تطورات خلال هذه المدة.
فكلا الطرفين، وانطلاقاً من خلفياته الخاصة، لا يرغب في حصول هذا الاتفاق، وان تعود إيران لتكون عضواً طبيعياً في المجتمع الدولي، تلتزم بالشروط والمحددات المتعارف عليها في العلاقات الدولية السياسية والاقتصادية. وتعمل وتتحرك تحت سقف القانون الدولي والأسس المتعارف عليها بين الدول.
الجناح المتشدد لا يخفي معارضته للعملية التفاوضية التي يقوم بها النظام وحكومة الرئيس إبراهيم رئيسي ويقودها المجلس الأعلى للأمن القومي ويتولى تنفيذها فريق وزارة الخارجية. وهي معارضة لا يمكن اعتبارها أو وصفها بالمستجدة مع هذه الجولة من التفاوض، بل أعلنت عن نفسها منذ اللحظات الأولى لكشف عن المسار السري الذي بدأ عام 2013 في سلطنة عمان، ولم يتردد في استغلال أي فرصة للنيل من الرئيس السابق حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، واتهامهما بالتفريط بالمصالح الإيرانية والسقوط في فخّ وأحضان الولايات المتحدة والدول الغربية، وصولاً إلى اتهامهما بالخيانة والمطالبة بمحاكمتهما.
وهذا الجناح الذي يتزعمه كبير المفاوضين الأسبق وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي السابق وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام حالياً سعيد جليلي، الذي شاءت التطورات السياسية أن يكون أحد أبرز أعضائه علي باقري كني، الذي يتولى قيادة الفريق المفاوض الجديد وعملية الحوار من أجل إعادة إحياء الاتفاق النووي، أو حسب تعبيره والمصطلح الذي يتبناه هذا الجناح بمفاوضات "إلغاء العقوبات الاقتصادية" انسجاماً مع مضمون القانون الذي أقره البرلمان في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020 أواخر رئاسة روحاني تحت عنوان "قانون إلغاء العقوبات والحفاظ على المصالح الاستراتيجية لإيران والحقوق النووية". يدعو، هذا الجناح، إلى عدم جدوى التفاوض وضرورة وضع حدّ لها والعمل على تعزيز الاقتصاد الإيراني من خلال تعزيز العلاقات مع دول الجوار الإيراني في مختلف الاتجاهات لبناء اقتصاد لا يعتمد على الغرب والعلاقة معه، بحيث يكون النظام والدولة في إيران قادرين على إفراغ العقوبات من هدفها، وفي الوقت نفسه الاستمرار في تطوير البرنامج النووي والقدرات الإيرانية في العسكرية والنفوذ الاقليمي.
وعلى الرغم من أن غالبية القوى السياسية العاملة في ظل النظام الإيراني، تدفع وتؤيد المسار التفاوضي وضرورة الخروج من دائرة العقوبات، بما يسمح بإعادة تنشيط الاقتصاد وتحسين الحياة المعيشية للمواطن الإيراني، إلا أن هذا الجناح المتشدد يبدو أكثر تأثيراً في القرارات المتعلقة بالمفاوضات النووية والانفتاح على المجتمع الدولي، أو على الاقل يملك القدرة على تعطيل هذه التوجهات أو إعاقتها، من دون الأخذ بالاعتبار عينه حجم الخسائر المادية والاقتصادية التي تتكبدها الدولة جراء عدم قدرتها على التعامل الطبيعي مع العالم والأسواق التجارية وقطاع الطاقة الدولي، خصوصاً أن آخر التقديرات تتحدث عن خسائرة تقدر بنحو 1100 دولار في كل ثانية يتكبدها الاقتصاد الايراني مع استمرار العقوبات وعدم قدرة الحكومة في الحصول على عائدات الأعمال التجارية مع الخارج، إضافة إلى عدم القدرة في الوصول إلى الأموال المجمدة في النبوك الخارجية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا تقتصر مواقف هذا الجناح عند معارضة الاتفاق النووي أو العمل على عرقلته، بل تذهب إلى أبعد من ذلك، باعتماد مسار تصعيدي خطير، يدعو إلى تطوير البرنامج النووي ورفع مستوى التخصيب إلى مراحل متقدمة تسمح بالانتقال إلى التصنيع العسكري وامتلاك القنبلة النووية. وألا يقتصر التهديد برفع مستوى التخصيب إلى درجة 93 في المئة على مجرد الكلام والتوظيف السياسي من أجل الضغط على الدول الغربية لتحسين شروط التفاوض، بل أن يذهب النظام إلى اعتماد هذا الخيار، حتى وإن أدى إلى تشديد خناق العقوبات الاقتصادية والمزيد من العزلة والمحاصرة، لاعتقادهم أن إيران النووية عسكرياً قادرة على مواجهة التهديدات الأمنية والعسكرية وحتى الاقتصادية، وستكون قادرة على فرض نفسها لاعباً أساسياً ومحورياً على الساحتين الإقليمية والدولية، وتمتلك القدرة على ردع أي طرف يحاول النيل منها أو الاعتداء عليها، بخاصة الإسرائيلي الذي تعتبره المنافس الرئيس لها في الإقليم.
وإزاء هذه الموقف، يمكن القول بوجود شبه إجماع لدى جميع الاطراف السياسية والرأي العام الإيراني، سواء الموالية للمنظومة الحاكمة، أو تلك التي تصنّف في خانة المعارضة، أن على إيران الاختيار بين واحد من أمرين، إما الذهاب إلى مواجهة مفتوحة مع المجتمع الدولي، أو اعتماد خيار التفاوض والتسوية والتعاون، بخاصة أن المفاوضات النووية تحولت إلى مفاوضات استنزافية، تتحكم فيها دوائر اتخاذ القرارات لا تأخذ بالاعتبار عينه اختصار الأثمان والوصول إلى القرار الذي لا بدّ أنها ستصل إليه في النهاية، إذا ما وضعت أمامها التجارب العالمية والمصالح الوطنية، التقليل من الأضرار المادية والمعنوية، لا سيما أن الأوضاع الداخلية، السياسية والاقتصادية والمعيشية، فضلاً عن الأوضاع الإقليمية وتزايد التهديدات للمصالح الاستراتيجية في الإقليم، لم تعد تسمح بتحويل مصير ومستقبل إيران وشعبها ومصالحه إلى رهينة في خدمة مصالح فريق من الإيرانيين، يعمل فقط من أجل تثبيت مواقعه وإرادته ومصالحه.