Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

تقديرات متضاربة عن أموال السياحة اللبنانية خارج القنوات المصرفية

بلغ عدد الزوار خلال الصيف 1.6 مليون شخص

عدم مرور الإيرادات عبر القطاع المصرفي يعني أنها ذهبت إلى التهريب (أ ب)

في وقت تتعثر فيه مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي، شكل موسم الصيف هذا العام ما يشبه طوق نجاة مرحلي للبلاد التي تشهد انهياراً اقتصادياً ومالياً غير مسبوق منذ ثلاث سنوات. ففيما تراهن الحكومة على إنجاز اتفاق مع صندوق النقد للحصول على نحو ثلاثة مليارات دولار، تمكن قطاع السياحة خلال الأشهر القليلة الماضية من تأمين نحو 6.6 مليار دولار إلى الدورة الاقتصادية، بحسب تقديرات وزارة السياحة. وذلك على رغم أن التوقعات الرسمية قبل بداية الموسم كانت تشير إلى ملياري دولار بالحد الأقصى.

إلا أن جهات اقتصادية تعتبر الأرقام المعلنة من جانب وزارة السياحة مضخمة، بهدف تسجيل نجاح سياسي للوزير والجهة السياسية التي يمثلها. وتعتبر الجهات أن التعاملات المالية تتم بمعظمها نقداً بسبب الانهيار الاقتصادي، بالتالي هناك استحالة لمعرفة الرقم الحقيقي لعائدات الموسم السياحي في ظل غياب المسار المصرفي للتعاملات المالية. وتقدر بعض الجهات المصرفية عائدات السياحة بأربعة مليارات دولار بالحد الأقصى.

ووفق المعلومات فقد بلغ عدد السياح في لبنان خلال الأشهر الثلاثة الماضية 1.6 مليون شخص، 75 في المئة منهم من اللبنانيين المغتربين الذين اختاروا لبنان وجهة سفر لهم هذا العام، فيما حل السياح العراقيون في المرتبة الثانية بنحو 12 في المئة، ويليهم المصريون والأردنيون، إضافة إلى جنسيات عربية وغربية مختلفة.

السياحة الشتوية

وفي السياق قال وزير السياحة وليد نصار إن لبنان حقق موسماً سياحياً ممتازاً هذا الصيف، معتبراً أن حملة "أهلا بهالطلة" التي نظمتها الوزارة مع بداية الموسم السياحي الصيفي، بدءاً من طريق المطار إلى المناطق الأخرى، نجحت باستقطاب السياح من مختلف دول العالم.

وبرأي نصار فإن الموسم السياحي لم ينته، إذ إن السياحة في لبنان لا تقتصر على فصل الصيف، كاشفاً عن خطة سياحة مستدامة في الأشهر المقبلة، إذ يجري العمل على تنشيط السياحة الترفيهية والرياضية والشتوية عبر تنظيم حملات ترويجية سياحية جديدة قريباً.

ولفت نصار إلى أن جزءاً كبيراً من السياح الوافدين إلى لبنان هم من الدول العربية المجاورة، لا سيما العراق. وقال إنه "مما لا شك فيه أن الإعفاء من تأشيرة دخول لبنان سيزيد من عدد الوافدين، بالتالي سينعكس ذلك إيجاباً على السياحة في لبنان، ومن هنا نسعى إلى تقديم مزيد من التسهيلات لدول الجوار". أما بالنسبة إلى أوروبا، فبحسب إحصاءات رسمية عن مجموع الأشهر السبعة الماضية، جاءت فرنسا في المرتبة الأولى. في حين كان الوافدون الأجانب من الجنسية الألمانية هم الأبرز في أغسطس (آب) الماضي.

تضارب في الارقام

في المقابل اعتبر رئيس نقابة أصحاب الفنادق بيار الأشقر أن الأرقام التي تعلنها وزارة السياحة مضخمة وغير دقيقة. وقال إن الموسم السياحي أدخل هذا الصيف إلى لبنان حوالى ثلاثة مليارات دولار عبر القطاعات الاقتصادية كلها، وليس القطاع السياحي فحسب.

ولفت الأشقر إلى أن الموسم السياحي لم يكن إيجابياً بشكل كبير لأصحاب الفنادق، إذ لم تتعد نسبة الإشغال حاجز 55 في المئة في العاصمة بيروت، فيما ارتفعت إلى 60 في المئة في المناطق الجبلية. ويعزو ذلك إلى كون غالبية السياح من الجنسية اللبنانية، وهم يمضون الإجازة مع ذويهم، إضافة إلى أن اختيار السياح استئجار أو شراء الشاليهات، نظراً إلى انخفاض أسعارها.

وكشف الأشقر عن أن مداخيل أصحاب الفنادق انخفضت بشكل كبير، بسبب استغلال بعض مزودي مادة المازوت وأصحاب المولدات، وفرض أسعارهم بالدولار بدلاً من الليرة اللبنانية.

عودة إلى الخريطة

من ناحيته أكد الأمين العام لاتحادات النقابات السياحية جان بيروتي أن الموسم الحالي أعاد لبنان نوعاً ما إلى الخريطة السياحية، وقدر عائدات الحركة السياحية خلال الصيف بحوالى خمسة مليارات دولار، مشيراً إلى أن المعدل الوسطي للإنفاق تراجع من خمسة آلاف دولار إلى ألفي دولار للفرد مقارنة بما كان قبل الأزمة. وكشف عن نمو لافت لموسم الأعراس التي انخفضت أسعارها بنسبة 40 في المئة، لافتاً إلى وجود تحديات خلال الموسم السياحي، أبرزها غياب التيار الكهربائي الذي زاد من الأعباء على القطاع السياحي، ناهيك عن ارتفاع أسعار المازوت.

وأشار بيروتي إلى أن موسم السياحة لا يزال مستمراً بسبب استمرار مجيء السياح اللبنانيين، ويدعو إلى التركيز على فصل الخريف ووضع رزمة سياحية تشجع السياح الأوروبيين على زيارة لبنان الذي يتمتع بمناخ معتدل في هذا الفصل يغنيهم عن استعمال التدفئة في أوروبا.

وكشف عن أن الموسم الحالي كان جيداً مقارنة بالعامين الماضيين، إذ خسر القطاع السياحي في العامين 2020 و2021 أكثر من ثمانية مليارات دولار، مما تسبب في إقفال مئات المؤسسات السياحية والمنتجعات والمطاعم بسبب عدم تمكنها من الصمود أمام تأثيرات الأزمة الاقتصادية، فيما كانت النتائج كارثية على العاملين في القطاع، إذ خسر القطاع نحو 80 ألف عامل من إجمالي 150 ألف عامل مسجلين رسمياً لدى مؤسسة الضمان الاجتماعي.

سعر الصرف

أمام تضارب الأرقام التي أعلنت عائدات الموسم السياحي اعتبر المتخصص في الشأن الاقتصادي إيلي يشوعي أن جميع تلك الأرقام لا قيمة لها في ظل غياب المديرية العامة للإحصاء المركزي وغياب القواعد العلمية للإحصاءات التي تفترض أخذ عينات مباشرة على الأرض من مختلف المناطق والقطاعات، وتجمع وتفرز وتعالج وتنتج منها أرقام تقديرية قريبة من الواقع.

وأشار يشوعي إلى أنه في ظل الأزمة الاقتصادية وغياب الثقة بالقطاع المصرفي فإن عائدات الموسم السياحي لا تفيد الاقتصاد كونها لم تصرف في السوق ولم تعزز الدورة الاقتصادية، إذ إن "معظم أصحاب المؤسسات السياحية والقطاعات الاقتصادية يدخرون الدولارات في منازلهم للأيام السوداء الآتية".

وعن تأثير تلك العائدات في سعر صرف الدولار، أوضح يشوعي أنه لا شك في أن المغتربين والسياح ساهموا في رفد السوق بالدولارات، بالتالي كبح الانفلات الكبير لسعر الصرف، لكن ليس بالقدر الكافي لمعالجة الأزمة وطمأنة السوق. وأضاف أن "الأموال المعروضة سرعان ما تختفي، وأصحاب المؤسسات يحاولون قدر الإمكان عدم عرض الدولارات في السوق، تمهيداً للاستفادة من أسعارها مع الارتفاع المرتقب".

وأكد أن سعر صرف الدولار قابل لأن يشهد انفلاتاً إضافياً نظراً إلى انتهاء الموسم السياحي، منتقداً التعويل على اتفاق مع صندوق النقد للحصول على ثلاثة مليارات دولار، إذ حصل لبنان على ما يوازيه خلال الأشهر الماضية، ومع ذلك استمرت الأزمة لأنها باتت بنيوية وتحتاج إلى علاج داخلي جذري.

تغذية التهريب

معضلة عدم دخول الأموال الوافدة إلى لبنان عبر القنوات المصرفية، أشار إليها المتخصص في الشأن الاقتصادي جاسم عجاقة. وشكك عجاقة بالأرقام المتداولة عن إيرادات السياحة، معتبراً أنها لم تتعد ثلاثة مليارات دولار، ولفت إلى تراجع القدرة الشرائية للسياح العراقيين والأردنيين.

اقرأ المزيد

ورأى أن عدم مرور الإيرادات عبر القطاع المصرفي بل عبر قنوات التجار والصيارفة، يعني أنها ذهبت إلى تغذية التهريب إلى الخارج، بدليل أنه خلال فترة الصيف زادت نسبة الاستيراد لتصل إلى نحو 10 مليارات دولار خلال ثمانية أشهر، وهو رقم يتناسب وفق عجاقة مع واقع الأزمة التي يشهدها لبنان ومعدل رواتب المواطنين.

وأشار إلى أن استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار في وقت كان هناك تدفق لحوالى ثلاثة مليارات دولار في السوق خلال شهرين، يؤكد أن هذه الأموال لم تخدم الدورة الاقتصادية، متوقعاً استمرار انهيار الليرة اللبنانية خلال المرحلة المقبلة، طالما الأموال الوافدة تغذي السوق السوداء على حساب السوق الرسمية.

تخزين الدولارات

بدوره يشير الأكاديمي والاقتصادي بيار خوري إلى أن تقدير عائدات الموسم السياحي بأربعة مليارات دولار يمكن أن يكون أكثر واقعية، كونه يتوافق مع متوسط إنفاق المغتربين لكل فرد.

ويقدر مجمل العائدات الإنتاجية المضافة إلى السياحة، مثل تحويلات المغتربين لذويهم والأموال الدولية المخصصة للاجئين السوريين في لبنان، بنحو 10 مليارات دولار، لكنها لا تخدم وفقاً له الاقتصاد لكون "معظم هذه العائدات لا تعود إلى لبنان بسبب تعطل النظام المصرفي، كما أن مصلحة المصدرين تكمن في المحافظة على جزء مهم من أموالهم في الخارج تحسباً لأي طارئ".

وأشار خوري إلى أن هذه الأموال قد تكون كافية "لتمويل مستوردات لبنان لولا تعطل النظام المصرفي والحاجة إلى تخزين الدولارات في الخزنات والمنازل، بما يمنع أية زيادة في توافر العملات الأجنبية غير المرئية في احتياطات البنك المركزي".