هل ستنجح خطط رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس الاقتصادية، التي تسمى "تراسوكونوميكس" Trussonomics؟ الأمر بسيط للغاية. إذا قدمت ميزانية الطوارئ يد المساعدة إلى الاقتصاد كي يصنع قصة نجاح معقولة في غضون سنتين، فقد تكون تلك الميزانية سبباً في إنقاذ هذه الحكومة فحسب. ستكون حالة من حالات "إنه الاقتصاد، يا غبي"، إذا اقتبسنا الرسالة الشهيرة التي وجهها الخبير الاستراتيجي جيمس كارفيل إلى الناخبين أثناء حملة بيل كلينتون الناجحة للفوز بمنصب الرئيس في الولايات المتحدة عام 1992. وإذا لم يحصل ذلك، تكون اللعبة قد انتهت. فما الذي يجب علينا البحث عنه؟
هناك جمهوران وهدفان. يتمثل الجمهور الأول بالرأي العام البريطاني، والثاني أسواق المال العالمية. ويتمحور الهدف الأول حول تمكين اقتصاد المملكة المتحدة من عبور هذا الشتاء من دون ركود، أو على الأقل من دون ركود خطر. ويسعى الهدف الثاني إلى رفع معدل النمو في المملكة المتحدة في الأجل البعيد. بالتالي يتوجب على المحللين السياسيين أن يحكموا كيف قد يكون رد فعل الناخبين بمجرد انقشاع الغبار. وعلى أي حال هنالك سنتان أمام الناخبين كي يحددوا آراءهم. لذلك دعونا نركز على الجمهور الثاني، الأسواق. من المهم جداً أن تكسب الحكومة الأسواق إلى صفها لأنها إذا كانت تنوي اقتراض 100 مليار جنيه استرليني (113 مليار دولار تقريباً) إضافية منها، يجب أن تكون لدى الأسواق ثقة في ما تفعله الحكومة. وبخلاف ذلك سيشهد الجنيه الاسترليني مزيداً من الانخفاض، وهذا من شأنه أن يدفع معدل التضخم إلى الارتفاع. كذلك سترتفع عوائد السندات البريطانية إلى مستويات أعلى مما ستسجله في حالات غير الموجودة حاضراً، وهذا سيدفع إلى الأعلى كلفة الاقتراض الحكومية والرهون العقارية وكلفة التمويل لدى الشركات.
في ذلك المنحى تنصب أمام كواسي كوارتنغ وزير المالية الجديد صعوبة عليه أن يتجاوزها. إنه شخص غير معروف القدرات، لا سيما حيث تكون تلك القدرات مطلوبة. وقد تمثل إجراؤه الأول بإقالة السير توم سكولار كبير المسؤولين في وزارة المالية، فكانت سبباً في وضع الأسواق في حال تأهب قصوى. ومن المفترض أنه ملتزم وقف العمل بالزيادات الضريبية على المساهمات في التأمين الوطني [مبلغ يقتطع بصورة إلزامية مما يتقضاه كل من يعمل لمصلحة صندوق التأمين الوطني] وضريبة الشركات تماشياً مع ما أعلنته رئيسة الوزراء ليز تراس في حملتها الانتخابية. كذلك يتعين على كوراتنغ أن يمول الحزمة الضخمة (على رغم أنها ضرورية) المخصصة لإغاثة العائلات في مواجهة أسعار الطاقة هذا الشتاء وما بعده.
سيترجم ذلك بالإنفاق والإنفاق والإنفاق، الاقتراض والاقتراض والاقتراض. ولا بد من الاقتراض على خلفية ارتفاع معدلات الفائدة العالمية. ومن المتوقع أن يزيد كل من "البنك الاحتياطي الفيدرالي" الأميركي و"بنك إنجلترا" معدلات الفائدة هذا الأسبوع، والآن تقدر الأسواق أن معدلات الفائدة سترتفع إلى أكثر من أربعة في المئة في البلدين العام المقبل. والآن يبلغ عائد السندات البريطانية التي تستحق بعد 10 سنوات 3.3 في المئة. وفي بداية أغسطس (آب) سجلت النسبة 1.8 في المئة، وفي ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي بلغت 0.7 في المئة. وهذا ارتفاع مذهل وغير عادي وواسع النطاق في كلفة الاقتراض. ولذا يرى المرء سبب حادة كواسي كوارتنغ إلى دعم من الأسواق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بالنسبة إلى الهدفين، فلنبدأ أولاً بتجنب الركود. حسناً، إذا ضخ 100 مليار جنيه أو شيء من هذا القبيل في الاقتصاد، ستعزز الخطوة الاقتصاد. والآن يشعر الناس بالخوف من إمكانية أن تسجل فواتير التدفئة هذا الشتاء قفزة تجبرهم على خفض إنفاقهم. وبما أن الإنفاق الاستهلاكي يبلغ 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، هناك خطر حقيقي يتمثل في احتمال انزلاق الاقتصاد إلى الركود هذا الشتاء.
وتذكيراً، إن الأموال التي تنفق على الوقود هي أموال لا تنفق على أي شيء آخر، لكن هناك فرصة لائقة بأن يكون ذلك كافياً للحفاظ على الاقتصاد عند مستواه الحالي تقريباً. لا ينبغي لنا أن نتوقع منه أن ينمو كثيراً إلى أن يتبين لنا أن معدل التضخم الأساسي يتجه إلى الهبوط بوضوح، ولنتذكر أن معدلات الفائدة الأعلى تؤثر في قروض الرهون العقارية، بالتالي تضغط على مداخيل مشتري المساكن أيضاً. وإذا أدى ارتفاع معدلات الفائدة أيضاً إلى هبوط أسعار المساكن، ستبدو الأمور أشد قتامة حقاً.
عند هذه النقطة، نعود إلى الثقة. فبغية تجنب الركود أو على الأقل الركود الخطر تحتاج الحكومة إلى ثقة الأسواق الدولية، لكنها تحتاج أيضاً إلى ثقة المستهلكين البريطانيين. ومن بين المحددات الكبرى لذلك هنالك أسعار المساكن. ربما لا تكون هذه هي الطريقة التي ينبغي أن تسير بها الأمور، لكن في السابق كانت فترات الركود ترتبط عادة بهبوط سوق الإسكان. وما تحتاج إليه البلاد لأسباب اجتماعية واقتصادية بالقدر نفسه، يتمثل في استقرار سوق الإسكان. ويؤمل أن تستقر تلك السوق القوية الحالية على نحو هادئ ومنتظم.
ماذا عن الهدف الأبعد أجلاً المتمثل في زيادة معدل النمو الأساسي؟ إنه هدف مثير للإعجاب، بل ضروري، لكن لا يمكن تحقيقه ببساطة من خلال خفض الضرائب والتخلي عن التشريعات التنظيمية، أو السماح للمصارف بدفع مكافآت أكبر. لدى المملكة المتحدة قصة طويلة ومعقدة من الاستثمار الناقص والشركات ذات الأداء الهزيل والبنية التحتية غير الكافية، وما إلى ذلك.
وقد تشكل الضرائب المرهقة جزءاً من المشكلة، وتعمل التنظيمات العقيمة حقاً على ثني عزيمة الاستثمار، لكن هناك عدداً من المسائل الأخرى، والفكرة التي تؤكد أن وزير المالية قادر على تحريك المقبض [بمعنى التحكم في أمور الاقتصاد كلها]، وأن كل شيء سيتحسن فجأة فكرة سخيفة. وبالمناسبة، لا يقع الذنب في ما يجري على أوروبا في شكل كامل، بالتالي لن يصلح إلغاء تنظيمات الاتحاد الأوروبي الأمور فجأة.
استطراداً، يتلخص المطلوب في إجراء دراسة حذرة وتفصيلية للضرائب التي تثني عزيمة الاستثمار، والتشريعات التي دفعت الأنشطة الاقتصادية إلى الخارج والمجالات التي يتطلب الأمر فيها مزيداً من الإنفاق الحكومي، وكذلك المساحات التي لا يكون فيها ذلك أمراً فاعلاً، وما إلى ذلك، ثم يجب أن يبذل جهد لتغيير ما يلزم تغييره وتعزيز ما يلزم دعمه، إذ يكمن الشيطان في التفاصيل، ولا يمكن للمرء أن يفعل المطلوب بعد توليه منصبه بأسبوعين.
كخلاصة، إن الأرقام أكثر أهمية من الكلمات. وسنحصل، الجمعة، على كمية كبيرة من الأمرين [الأرقام والكلمات]. وستتنبه الأسواق التي يتعين عليها أن تقدم الأموال إلى صدقية الأرقام التي يعلن عنها وزير المالية، وليس الكلمات التي ينطقها. ويتعين على بقيتنا فعل الشيء نفسه.
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 21 سبتمبر (أيلول) 2022
© The Independent