منذ أيام، تشهد إيران تظاهرات هتف فيها الشباب "الموت للديكتاتور" وحرقوا صور المرشد الأعلى علي خامنئي، لكن الحديث عن هذه الاحتجاجات وعن قمعها يبقى أمراً صعباً حتى بالنسبة إلى الإيرانيين الذين يعبرون الحدود يومياً إلى إقليم كردستان المجاور في العراق.
ووافق هؤلاء الإيرانيون القادمون لزيارة عائلية أو بحثاً عن عمل في الحقول في مدينة بنجوين في كردستان العراق، على بعد نحو 10 كيلومترات من الحدود مع إيران، على الحديث عن التظاهرات التي تعصف بإيران منذ وفاة مهسا أميني قبل أسبوع، لوكالة الصحافة الفرنسية شرط عدم الكشف عن هويتهم.
ويروي كاوا كريمي القادم من مريوان في إيران، البالغ من العمر 50 سنة، أن "التظاهرات تبدأ كل مساء وتستمر حتى منتصف الليل".
وكان كريمي الذي ارتدى زياً كردياً تقليدياً، ينتظر عند محطة الحافلات في بنجوين ليستقل الحافلة إلى مدينة السليمانية لزيارة أقاربه، ومن حوله يحلّق العشرات من العمال الأكراد المتحدرين من شمال غربي إيران من حيث تتحدر مهسا أميني أيضاً.
ويضيف الرجل، "الإضراب بدأ يوم الإثنين، أغلق أصحاب الدكاكين متاجرهم والأسواق مغلقة". ويؤكد أن التظاهرات لم تتوقف في منطقته على الرغم من توقيف العشرات من المحتجين وإطلاق القوات الأمنية النار عليهم ما أدى إلى جرح فتى، على حد قوله.
الخوف من المضايقات
وبحسب وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية، قتل 35 شخصاً بينهم عناصر أمن، في حين تفيد منظمات حقوقية مقرها خارج إيران بأن عدد الضحايا يتجاوز ذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونددت منظمات غير حكومية دولية، مثل منظمة العفو الدولية، بحصول "قمع وحشي" و"بالاستخدام غير القانوني لطلقات معدنية وللغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه والعصي لتفريق المتظاهرين" في إيران.
ورفض الأكراد الإيرانيون في بنجوين التحدث أمام الكاميرا، خشية من أن يساءلوا عند عودتهم من قبل الاستخبارات أو أن يوقفوا، وهم عندما يتحدثون عن مهسا أميني، يستخدمون اسمها الكردي، زينا.
وفي حقل قرب بنجوين، ينهمك كوجر مع عمال آخرين في حمل صناديق من الطماطم ووضعها على متن شاحنات، وجاء الشاب إلى العراق منذ يومين تاركاً خلفه الاضطرابات في مريوان.
ويروي، "معظم المتظاهرين هم من الفتيان والفتيات". ويضيف، "يواجهون قوات (الأمن) برفع صورة زينا أميني وبهتافات مناهضة للجمهورية الإسلامية". ويتحدث أيضاً عن إغلاق المتاجر منذ الإثنين "احتجاجاً على مقتل زينا أميني وسياسات" النظام.
وبسبب الوضع المعيشي الصعب في منطقته والأزمة الاقتصادية، ينوي الشاب البالغ من العمر 27 سنة البقاء شهراً في كردستان العراق للعمل. ويقول، "في مناطقنا لا يوجد عمل. حتى لو حصلت على فرصة عمل، فإن أجرك اليومي هو نصف ما تحصل عليه في بنجوين أو في أي مدينة من مدن إقليم كردستان العراق".
الأزمة الاقتصادية والحريات
واندلعت التظاهرات في إيران بعد الإعلان في 16 سبتمبر (أيلول) عن وفاة مهسا أميني بعد أن دخلت في غيبوبة لثلاثة أيام إثر توقيفها في طهران بسبب ارتداء "ملابس غير محتشمة".
وفي الصور التي يرفعها المحتجون، تظهر مهسا مبتسمةً وعلى رأسها وشاح تظهر من تحته خصلات من شعرها الأسود، بما يشبه الطريقة التي تغطي بها عديد من الإيرانيات رؤوسهن، وأوقفت الشابة من قبل شرطة الأخلاق المكلفة متابعة قواعد الملبس الصارمة في إيران.
وعاد آزاد حسيني البالغ 40 سنة من مدينة بانه الإيرانية إلى السليمانية بعد زيارة استمرت 10 أيام، وقال الرجل الذي يعمل نجاراً ويعيش في السليمانية منذ سنوات عدة، إنه لم يشارك في التظاهرات.
وأضاف أنه وجد نفسه في إحدى المرات على رصيف قريب من إحدى التظاهرات وشاهد قوات الأمن وهي تلقي الغاز المسيل للدموع وتضرب المتظاهرين بالعصي وتستخدم الرصاص الحي لتفريقهم، فيما واجه المتظاهرون الأمن "بالحجارة والعصي".
وتابع الرجل، "رددوا هتافات مثل الموت للديكتاتور والمرأة والحياة والحرية"، وأحرقوا صور خامنئي في أماكن عامة عدة في المدينة، كما قال.
وبرأي حسيني، فإن أسباب هذا الغضب هي "الأزمة الاقتصادية الصعبة التي تعيشها إيران"، لكن أيضاً "قمع الحريات وبالأخص المرأة، وحقوق الشعب الإيراني، ما أدى إلى انفجار الوضع". وقال، "لا أتوقع أن تنتهي التظاهرات في المدن الإيرانية قريباً".
دعم النساء الإيرانيات
في غضون ذلك، تظاهر المئات، السبت 24 سبتمبر، أمام مكتب الأمم المتحدة في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق المتمتّع بحكم ذاتي، احتجاجاً على القمع في إيران، رافعين صور مهسا أميني.
وهتف المتظاهرون من رجال ونساء بلغ عددهم نحو 300، بشعارات "المرأة، الحياة، الحرية" و"تسقط الديكتاتورية"، باللغتين الكردية والفارسية، منددين بالمرشد الأعلى الإيراني، كما قاموا بحرق علم إيران، وفق مصوّر وكالة الصحافة الفرنسية.
وعلى لافتة باللغة الإنجليزية، كُتبت العبارة التالية، "قفوا إلى جانب الشعب الإيراني"، وعلى أخرى كتب بالكردية، "زينا قدوة وشرارة الانتفاضة".
وقالت المتظاهرة جوانا تمسي البالغة من العمر 20 عاماً، "اليوم، نتظاهر أمام مقر الأمم المتحدة، احتجاجاً على مقتل مهسا أميني و ضد قتل النساء وضد النظام الإيراني". وتنتمي الشابة إلى المعارضة الإيرانية المناهضة للنظام في إيران والموجودة في إقليم كردستان.
الإيرانية الكردية فاطمة عبدالله البالغة من العمر 69 عاماً، قالت بدورها، "الوضع في إيران مزرٍ، نسبة القتل في ازدياد". وأضافت المرأة التي غطّت شعرها بوشاح أخضر، "يتمّ يومياً إلقاء القبض على أشخاص وإدخالهم السجن والأكثر من ذلك إهانتهم وتعذيبهم من دون أن يراعوا أنهم نساء أو أطفال، أو أن أعمارهم كبيرة".